x

الكاتب كريستوفر كالدويل فى الـ«فاينانشيال تايمز»: مليارديرات العالم يهبون ثرواتهم لأعمال الخير

الأربعاء 21-07-2010 00:00 |

اهتمت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بإعلان بول ألن، الذى أسس شركة مايكروسوفت مع بيل جيتس عام 1975، هذا الأسبوع أنه سيتبرع بنصف ثروته، التى تقدر بحوالى 13.5 مليار دولار، لصالح أعمال خيرية، وجاء ذلك عقب قيام كل من جيتس وزوجته ميليندا والمستثمر وارن بافيت بدعوة أصحاب المليارات فى العالم إلى التوقيع على «تعهد العطاء»، الذى يقضى بتخصيص نصف ثرواتهم لصالح أعمال الخير، ويعد «ألن» هو الخامس الذى وقع عليها.

وقال الصحفى البريطانى كريستوفر كالدويل فى مقال له، أمس الأول، إن هذا المستوى من الأعمال الخيرية لم يسبق له مثيل، حيث إن «بافيت» يتبرع بالفعل بـ5% من أسهمه فى شركة بيركشير هاثاواى سنوياً، فضلاً عن وعده بالتنازل عن 99% من ثروته لصالح الخير.

وفيما يلى نص المقال: إن أغلبية قراء مجلة «فورتشن»، التى انفردت بنشر فكرة «تعهد العطاء»، كانوا «سعداء للغاية» من تلك الفكرة التى تبنت كتابتها كارول لوميس، صديقة «بافيت» وشريكة «جيتس»، فى مقال بالمجلة اتخذ نبرة البيان الصحفى، ومع ذلك، فإن الشىء الدافع للدهشة فى مئات الرسائل المنشورة على موقع المجلة كان «مستوى الغضب» فى أغلبية تلك التعليقات، مثل «أعتقد أن السيد جيتس سيعطى ثروته كلها للهند»، يأتى ذلك بناء على «تعليق سلبى معتاد» وهو أن «السيد جيتس مولع بتوريد جميع الأنظمة والوظائف البرمجية والتحليلية الخاصة بالكمبيوتر إلى الهند».

ومن هنا يبدو أن السيد جيتس والسيد بافيت أخطآ فى الحكم على الجمهور، فـمن خلال «فتح محافظهما المالية» قاما بفتح جدل واسع حول ما إذا كان من الصواب أن يمتلك كل منهما كمية أكبر من المال لكى يبدأ بالتبرع بها.

إن الأمريكيين لديهم قدر من عدم المساواة «المادية» أكثر من أى دولة غربية أخرى، ومع ذلك فإنهم يتحملونها دون شكوى، وربما يكمن تفسير ذلك فى «المادية المتزايدة» بالنسبة للأمريكيين. فإنهم، بسذاجة، يربطون المال بالقوة الشرائية فقط، وليس مع أى شىء آخر، فإذا كان الشخص لديه ثروة تقدر بـ 50 مليار دولار، فبمقدوره شراء 50 تليفزيوناً «فلات سكرين» أو مليون سيارة مرسيدس «إم كلاس»، فليس هناك ما يغير منه.

الأمريكيون لديهم حساسية بالغة بشأن تحويل المال إلى السلطة السياسية، وعلى الرغم من أن جماعات الضغط «اللوبى» المشتركة تعتبر شيئاً ضرورياً لأى ديمقراطية حديثة يتم توظيفها بشكل جيد، إلا أن الشكل العام لتلك الجماعات فى ذهن الجمهور، حتى الآن، هو أنهم «أوغاد» بشكل صريح.

مثلاً، فى الثانى من يناير الماضى، ألغت المحكمة العليا الحكم الخاص بوضع قيود على الشركات بشأن تمويل الإعلانات الخاصة بالحملات، والقرار كان صحيحاً على أساس حرية التعبير، إلا أنه عمل على «انقسام» الرأى العام، كما هاجمه الرئيس أثناء خطابه بالاتحاد.

إذا كان استخدام رجال الأعمال لأموالهم فى الحملات شيئاً خاطئاً، فإن «الأكثر خطئا» هو أن يستخدم رجال الأعمال أموالهم فى الحكم، وهذا ما تقوم به أغلب الأعمال الخيرية هذه الأيام، فمثلاً يقوم هؤلاء بنشر ثرواتهم عبر المؤسسات المعفاة من الضرائب، مما تكون له آثار مدمرة على الديمقراطية، فمهما كان نُبل أى بليونير «متغطرس» فإنه يطمح إلى أن يحقق أهدافه، وقليل من المليارديرات «يتخلون» عن أموالهم بشكل كامل، بمعنى التنازل عن السيطرة عليها.

مؤسسة جيتس، على سبيل المثال، تعهدت بضخ 650 مليون دولار للمدارس فى السنوات الأخيرة، مما عمل على منح العديد من الولايات الأمريكية ملايين الدولارات للمنافسة فى البرنامج الإدارى «سباق إلى القمة»، كما حصلت مقاطعة هيلزبرة بولاية فلوريدا على 100 مليون دولار لوضع معايير صارمة بشأن التدريس.

قد تكون هذه الأفكار ممتازة، ولكن «مكاسب التعليم هى خسائر الديمقراطية»، فالقطاع الخاص يزيد من سلطات الحكومة من وراء ما يعاقب عليه الدستور، فذلك قد يشوه الحوافز ويمكن أن يجعل السلطات «مترددة» فى فرض قواعد أو قوانين ضد المتبرع.

قال جيتس، فى يونيو الماضى، «إذا أخطأت فى استخدام أموالك، لن تشعر بسوء ما فعلت وكأنها أموال شخص آخر»، فالمشكلة هى أن المؤسسات الخيرية، عندما تعمل مع الحكومة، فإنها تنتهى بالتدخل فى أموال دافعى الضرائب أيضاً.

يتحدث جيتس فى كثير من الأحيان عن أهمية «الاستفادة» من استثماراته، كما أخبر «بافيت» زملاءه من أصحاب المليارات أنه «إذا استطعت أن تظهر للجميع كيف يمكن الاستفادة من أموالهم، فإن ذلك يغريهم حقاً»، فمن الواضح أن جيتس يرى دوراً شبه رسمى من هيئات صنع القرار، بشأن المليارديرات على شكل نظام دستورى جديد، فهناك أهل الخير من جهة وما سماه «الديمقراطية» من جهة أخرى.

وجاء على لسان جيتس فى برنامج تشارلى روز الشهر الماضى: «النظام فى الولايات المتحدة هو نظام مختلط»، مضيفا أن «الحكومة وقطاع المنظمات غير الحكومية مكملان لبعضها البعض»، وقالت السيدة جيتس: «ليست هناك أجندة أعمال فى تعهد العطاء»، ولكن أهل الخير من المليارديرات يشتركون فى مصلحة معينة وهى «مصلحة طبقية» تتطلب تحقيق أقصى قدر من السيطرة والنفوذ، مهما اختلفت أهدافهم الخيرية.

إن «التعهد بالعطاء» يضع المليارديرات على «منحدر لزج»، وإذا لم يكن مجرد خطابة، فلابد أن يكون هناك «ضغط مقابل» لإقناع هؤلاء بأن هناك «خطأ» عند الحفاظ على الجزء الأكبر من ثرواتهم، فالاعتبارات السياسية أكثر حسما من الدوافع الأخلاقية، ولو تعهد كل فرد ممن جاءوا على قائمة مجلة فوربس لأغنى 400 فى العالم، سنحصل على 600 مليار دولار.

حتى وقت لاحق لم يكن من المعتاد أن يستغل الناخبون تلك الثروة فى مجال الضرائب، إلا أن هناك تغيراً فى أمرين، أولهما تعهد الموطنين الأمريكيين، بشكل لا إرادى، بتوفير 600 مليار دولار لحماية الاقتصاد الأمريكى مما ألقى بالضرر عليهم من جهة وبالنفع على المليارديرات من جهة أخرى، وثانياً تباطؤ وتيرة ابتكار التكنولوجيا الفائقة بشكل كبير، فعندما توقفت أوزة المشاريع عن وضع «بيض الذهب»، فإن تركها وحيدة، من الناحية السياسية، سيعمل على إضعافها بشكل كبير.

وأخيراً، إذا تم تقديم معايير جديدة ضد ما يريده الأغنياء، فإن «تعهد العطاء» سيعمل على إضعاف تلك المعايير.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية