x

حلقات من كتاب المسلماني الجديد.. «الجهَاد ضدّ الجهَاد» (الأولى)

الإثنين 27-04-2015 12:58 | كتب: اخبار |
غلاف كتاب «الجهَاد ضدّ الجهَاد» غلاف كتاب «الجهَاد ضدّ الجهَاد» تصوير : اخبار

حصلت «المصرى اليوم» على نسخة كاملة من كتاب «الجهاد ضد الجهاد»، للكاتب أحمد المسلمانى، الإعلامى المعروف، المستشار السابق لرئيس الجمهورية عدلى منصور، وذلك قبل طباعته. يأتى الكتاب في وقت تتزايد فيه حدة وعنف الجماعات المتطرفة التي باتت منتشرة في جميع أنحاء المنطقة.

ويعد هذا الكتاب هو العمل الرابع في إطار المشروع الفكرى لـ«المسلمانى»، الذي بدأ بعمله «مصر الكبرى» و«ما بعد إسرائيل» و«خريف الثورة».

يطرح المسلمانى في كتابه الجديد قضايا طالما تجنب الكُتَّاب والباحثون طرحها لما تجره خلفها (أى هذه القضايا) من مشكلات كانت ولا تزال من الملفات المسكوت عنها عبر التاريخ الإسلامى. ويتناول الكاتب بطريقة نقدية العديد من الموروثات الفكرية المتصلة بالدين وبالسلطة الدينية التي اكتسبها أو اغتصبها نفرٌ من المسلمين على مدى التاريخ الإسلامى بقوة السلاح أو بسطوة المال. وفى مقدمة كتابه التي جاءت بعنوان «الإسلام السياسى.. جرأة الجهل» يقول «المسلمانى»: «إن التوبة لا تعنى المعرفة.. وإن الثرثرة لا تعنى الدعوة.. وإن سرقة الميكروفون لا تعنى امتلاك ناصية الكلام. لقد اتسمت تجارب التطرف الدينى كلها بضحالة الفكر ومحدودية المعرفة، واتسم أعضاؤها جميعاً بالكثير من القول والقليل من العلم».

وإلى الحلقة الأولى.

السلطان محمد الفاتح

أصبح اللقب الرسمى للخليفة العثمانى «حضرة جلالة السلطان المعظم.. عاهل آل عثمان، سلطان السلاطين، أمير المؤمنين، خليفة رسول رب العالمين، متوِّج الملوك، ظِلُّ الله في الأرضيْن، وسلطان البّرين.. وقيصر الروم».

يأخذ بعض فقهاء المسلمين على الخليفة العثمانى وصفه لنفسه بأنه «ظِلُّ الله على الأرضيْن»، حيث توجد مخالفة عقيدية صريحة في الوصف.. ذلك أن كلمة «ظِلُّ الله» تحمل تجسيداً للذات الإلهية.. ونسبة صفات لم ينسبها الله لنفسه.. ثم إن ربط ذلك بسلطان أو حاكم هو أمر يخالف الإسلام.

■ ■ ■

أدّى طولُ عمر الدولة العثمانية، وغرور سلاطينها واستعلاء خلفائها إلى دخولها التاريخ على نحو كريه لدى الكثْرةِ الغالبة من المسلمين.

تؤمن حركات الإسلام السياسى وملايين من المسلمين حول العالم بـ«الخلافة العثمانية»، وترى أن سقوطها كان سقوطاً لدولة الإسلام، وللنظام السياسى عند المسلمين.

ويروى دعاة جماعة الإخوان المسلمين والحركات السلفية والجهادية قصصاً عديدة حول «الخلافة العظيمة» التي سقطت.. وعن ضرورة إعادتها. ويربط هؤلاء بين سقوط الخلافة وسقوط المسلمين.. ويرون أنه لا صعود للمسلمين في العالم المعاصر من دون عودة الخلافة.

لكن عدداً كبيراً من المؤرخين والمفكرين لا يرون ما يراه قادة حركات الإسلام السياسى.. حيث يروْن الدولة العثمانية مُلكاً عضوضاً، اتسم في مراحل عديدة بالعنف، واتسم عدد من خلفائها بالفساد.. وبعضهم بالجنون.

ويذكر «ناصر عراق» في مقالته «دفاتر منسية لحكام الدولة العثمانية»، التي نشرتها مجلة العربى الكويتية في أكتوبر عام 2004: أن رجلاً مختلاً عقلياً قد اعتلى العرش مرتيْن.. وهو السلطان «مصطفى الأول» الذي حكم في المرة الأولى ثلاثة شهور عام 1617، وفى المرة الثانية حكم سبعة أشهر في عام 1623.

كما أن السلطان «مراد الخامس» الذي حكم الدولة لمدة (93) يوماً فقط خلال عام 1876 قد تم عزله لإصابته بالجنون!

أما السلطان «مراد الرابع» فقد تولّى الخلافة وهو طفل.. ليصبح خليفة المسلمين طفلاً في الحادية عشرة من عمره!

■ ■ ■

حين توفى السلطان «مراد الرابع» لم يكن له ولىٌّ للعرش، ذهب العرش إلى أخيه «إبراهيم الأول».. لكن «إبراهيم» كان في السجن.. وهنا قصة مثيرة.

يروى المؤرخون أنه حين اندفعت الحاشية لتهنئ الخليفة الجديد ظنّ أنهم يريدون قتله، وأنها مكيدة من أخيه لاختبار ولائه، فأبلغهم برفضه الخلافة، وأنه يفضِّل السجن!

لم يصدق «إبراهيم» أن السلطان «مراد» قد مات إلا حين جاءته أمه ومعها جثّة السلطان.. فتأكد من الخبر ووافق!

■ ■ ■

كان عُمْر السلطان «إبراهيم الأول» حين تولى الخلافة خمسة وعشرين عاماً.. وكانت شهرته «إبراهيم العَصَبى». ويقول «محمد فريد بك» في كتابه «تاريخ الدولة العليّة العثمانية»: «إن سبب التسمية يعود إلى أنه قد شاهد بنفسه مقتل إخوته الأربعة الكبار، وبقى ينتظر مصيرهم.. وهذا ما جعله عصبياً ومضطرباً».

لم يكن «الخليفة العصبى» قد تحصّل على أي درجة من علوم الدين أو الدنيا، بسبب عزلته التامة وانتظاره دَوْرَه في القتل.. ومع ذلك تولى السلطنة ليصبح الخليفة العثمانى الثامن عشر!

■ ■ ■

كان عهد «إبراهيم العصبى» ضعيفاً للغاية.. وسُمى «عصر سلطنة الحريم»، ولما أراد قمع نفوذ الانكشارية الذي تعاظم في عهده.. قامت جدته ووالدته بالثورة عليه!

كان ذلك في عام 1648.. وقد عاون شيخ الإسلام «الجدة» و«الأم» ضد الخليفة.. ليتولى ابنه الطفل «محمد الرابع» خلافة المسلمين!

■ ■ ■

تولى أمير المؤمنين «محمد الرابع» الخلافة وهو في السابعة من عمره.. أما جدته «كوسم مهبيكر» فقد أصبحت هي «الخليفة الواقعى».. ودامت خلافتها ثلاث سنوات.. من عام 1648 وحتى عام 1651.. وفى عهدها ساءت الأوضاع وساءت الأحوال.

رحلتْ «الخليفة الجدة» وتولّت أمّ «الخليفة» السلطانة «خديجة تاريخان» إدارة شؤون السلطنة.. وكان عُمْر «محمد الرابع» عشر سنوات. وهكذا انتقلت الخلافة من «الخليفة الجدة» إلى «الخليفة الأم» في ظل «الخليفة الطفل»!

قامت «الخليفة الأم» بتعيين «محمد باشا الكويريللى» الألبانى الأصل في منصب الصدر الأعظم، وقد كان اختياراً محظوظاً.. حيث أحسن إدارة شؤون البلاد.

بعد سنوات قليلة رحل «محمد باشا الكويريللى» وحل محله ابنه «أحمد الكويريللى».. وكان جيداً هو الآخر، وبعده أصبح «قره مصطفى باشا» هو الصدر الأعظم.

كان «قره» قائداً قوياً، وقد وصل الجيش بقيادته إلى أبواب فيينا.. حيث حاصرها لمدة شهرين، لكنه لم ينتصر بسبب دعوة البابا للجهاد ضد العثمانيين.

■ ■ ■

لقد تمّ إرجاع المجد العسكرى ووصول الجيش العثمانى إلى أبواب فيينا إلى الخليفة والخلافة.. لم يكن ذلك صحيحاً بأى حال.. فقد كان القائد الألبانى القوى «أحمد الكويريللى» قد نجح في إتمام السيطرة على جزيرة كريت، والسيطرة على نصف أوكرانيا والقرم.. وكان الخليفة طفلاً لا يدرى من أمره شيئاً!

أما الوصول إلى أبواب فيينا فقد كان وصول القائد «قره باشا» وليس وصول الخليفة.. بل إن الصادم في الأمر هو أن «الخليفة الطفل» قد بعث هو وأمه من يقتل «قره باشا».. تحت تأثير الوشاة والكارهين.. وقد نجح في قتله بالفعل.

أبوبكر البغدادى

كان الإسهام الوحيد لخليفة المسلمين في أثناء الوصول إلى أبواب فيينا.. هو قتل القائد المسلم الذي وصل إلى أبوابها!

■ ■ ■

إذا كان السلطان «مراد الرابع» قد توفى وأخوه في السجن، ولم يصدق «الأخ السجين» أن «الأخ السّجان» قد مات إلا حين جاءت الأم بجثة ابنها الأول حتى تُطَمئِن ابنها الثانى.. فإن السلطان «مراد الأول» من قبل قد أصدر أمراً بالقبض على ابنه «صوجى» وأَمَرَ بقطع رأسه!

■ ■ ■

أما السلطان «مراد الخامس» – السلطان الثالث والثلاثون – فقد خلع عمّه السلطان «عبدالعزيز الأول» من الخلافة وتولى هو إمارة المؤمنين.

ويذكر «محمد بوعزّة» في كتابه «عصر السلطان عبدالحميد»، الذي صدر عن دار الأهالى في دمشق عام 1998، أن السلطان «عبدالعزيز» قد أزاح ابن أخيه «مراد الخامس» من المشهد السلطانى تماماً، بعد أن أبلغ نابليون بونابرت والإمبراطور «غليوم» إمبراطور ألمانيا السلطان «عبدالعزيز» إعجابهم وتقديرهم لشخصية الأمير «مراد الخامس».

كان ردّ «مراد الخامس» على تهميش عمِّه له، وإزاحته من السلطة، هو الانقلاب على العمّ والإطاحة به من الخلافة.

■ ■ ■

بلغ غرام الخليفة «مراد الخامس» بالموسيقى مدىً كبيراً، حيث كان يجيد العزف على الآلات الموسيقية.. لكنه كان مهووساً بفخامة الحياة إلى حدّ أنه هدم وبنى قصر الخلافة عدة مرات.. وقد تم عزل الخليفة بحجة أنه «مختل عقلياً»، وتمّت تولية السلطان «عبدالحميد».

■ ■ ■

كان السلطان «عبدالعزيز» الذي خلعه ابن أخيه السلطان «مراد الخامس» لا يزال على قيد الحياة.. وثمة رواية بأنه قد تم اغتياله، لكن بعض المؤرخين يذهبون إلى أنه أصيب باكتئاب ثم مات منتحراً.

ليكون الخليفة الثانى والثلاثون قد انتهى بالخلع والانتحار، أما الخليفة الثالث والثلاثون فقد انتهى بالجنون والتخلف العقلى!

■ ■ ■

ثمّة «خليفة مختل» آخر.. هو السلطان «مصطفى» ابن السلطان «محمد الثالث»، وهو الخليفة الخامس عشر ضِمن سلسلة سلاطين الدولة العثمانية.

تولى «السلطان المختل» الخلافة عام 1617، وبدأ بقتل إخوته أو حبسهم كعادة السلاطين العثمانيين. وفى عام 1618 قام ابن أخيه السلطان «عثمان الثانى» بعزله، فقام «الانكِشارية» عام 1622 بقتل الخليفة «عثمان الثانى» وإعادة الخليفة «مصطفى الأول»، لكن ابن أخيه السلطان «مراد الرابع» قام بعزله، بدعوى أنه «مختل عقلياً».. وقضى الخليفة المخلوع «مصطفى الأول» حياته الباقية في الحبس بتهمة الجنون!

■ ■ ■

الملا عمر

في عام 1807 تولى الخليفة «مصطفى الرابع» بعد ثورة أطاحت بالخليفة «سليم الثالث»، لكن في عام 1808 تحرك جيش إلى اسطنبول لإعادة الخليفة المخلوع «سليم الثالث» وخلع الخليفة الجديد «مصطفى الرابع».

أمر الخليفة «مصطفى الرابع» بقتل الخليفة السابق «سليم الثالث»، وبعد تنفيذ الحكم أمر بإلقاء جثته أمام المعارضين!

يقول مؤرخون إن «مصطفى الرابع» خاف أن يتجه المعارضون إلى «محمود الثانى»، شقيق «سليم الثالث»، فأمر بقتله هو الآخر حتى لا يكون هناك أي منافس قانونى له على العرش!

■ ■ ■

كان «محمود الثانى» قد اختبأ في مكان سرى وهرب من تنفيذ حكم الإعدام.. ونجحت «الانكشارية» في الإطاحة بالخليفة «مصطفى الرابع»، وتنصيب «محمود الثانى» خليفة للمسلمين.

كان الخليفة الثلاثون «محمود الثانى» مصلحاً كبيراً، وقرر أن يتخلص من الانكشارية الذين كانوا يحكمون الخلافة بالفعل، وكان الخلفاء ألعوبة في أيديهم.

قاوم الانكشارية سياسات «محمود الثانى»، وثاروا عليه.. وقرروا عودة السلطان «مصطفى الرابع» من جديد!

أحرق الانكشارية اسطنبول، وأحرقوا الصدر الأعظم داخل مكتبه، وقد رضخ لهم «محمود الثانى» الذي أدرك تماماً أن أمر الخلافة بالكامل في أيدى الانكشارية لا غيرهم.

سلفيّون ضدّ الخلافَة.. تكفير الدولة العثمانية!

يذهب أنصار «العثمانية» إلى أن الكثير من الهجوم عليها يعود إلى مصادر أوروبية معادية.

ويذهب الشيخ «عبدالله عزام»، مؤسس الحركات الجهادية في أفغانستان، إلى أنها «التجربة العظيمة التي حفظت الإسلام قروناً طويلة».

ويدلِّل هذا الاتجاه على قَدْر ومكانة أحد سلاطين الدولة العثمانية وهو السلطان «محمد الفاتح» بالاستشهاد بالحديث النبوى الشريف الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والبخارى في التاريخ، والطبرانى في الكبير: «لتُفْتَحَنَّ القسطنطينيّة، ولَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش».

وهو الحديث الذي قام الشيخ «الألبانى» بتضعيفه.. بل ويذكر الشيخ السلفى «ناصر بن حمد الفهد» أن السلطان «محمد الفاتح» قد افتتح حكمه بقتل أخيه الرضيع، وهو منهج عام في السلاطين العثمانيين، كما أنه قد خالف الشرع حين كشف قبر «أبى أيوب الأنصارى» وبنى عليه ضريحاً، وكان أول من ألغى تطبيق الشريعة الإسلامية.. ووضع مبادئ القانون المدنى!

■ ■ ■

ينتقد مشايخ السلفية بالقدر ذاته السلطان «سليمان القانونى» الذي واصل إلغاء الشريعة واستكمال البناء القانونى الوضعى. وحتى السلطان «عبدالحميد الثانى» الذي يتذكر له المسلمون بطولته في رفض إقامة وطن لليهود في فلسطين.. قد جرى اتهامه بمخالفة صحيح الدين.

ويذكر «أحمد القطان» و«محمد طاهر الزين» في كتابهما «إمام التوحيد.. محمد بن عبدالوهاب» أن السلطان «عبدالحميد» كان صوفياً متعصباً على الطريقة الشاذلية، وأنه أرسل إلى شيخ الطريقة يقول: «أرفع عريضتى هذه إلى شيخ الطريقة العليّة الشاذلية.. وإلى مفيض الروح والحياة».. وهو ما يحمل مخالفات شرعية صريحة.

ويصل «على الصلابى»، في دراسته «الدولة الإسلامية وتحكيم شرع الله»، إلى أن أسباب سقوط الدولة العثمانية هو الابتعاد عن تحكيم شرع الله.

■ ■ ■

محمد أفضل

ينتقد عدد كبير من السلفيين عقيدة الدولة العثمانية، باعتبارها عقيدة ماتريدية.. والماتريدية إحدى فرق الكلام السُّنية في الإسلام، وهى تقارب الأشعريّة، وهى نسبة إلى «أبى منصور الماتريدى» أحد رموز المذهب الحنفى.. وهو صاحب الكتاب الشهير «متن العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوى الحنفى».

وأغلب الماتريدية أحناف، وأغلب الأشاعرة شافعية ومالكيّة. وفى المجمل يصف عدد من السلفيين «الماتريدية» التي هي عقيدة الدولة العثمانية بأنها «فرقة بِدْعِيّة» وهو ما يرفضه «الأشاعرة» و«الماتريديون» الذين يتهمون السلفيين بفساد العقيدة.. ويصفونهم بـ«المُجَسِّمة».

■ ■ ■

يذكر «محمد قطب» في كتابه «واقعنا المعاصر» أن الصوفية كانت رُكناً منعزلاً في المجتمع في العصر العباسى.. أما في ظل الدولة العثمانية فقد صارت هي المجتمع وصارت هي الدين.

ويقرر «ناصر بن حمد الفهد» في دراسته «الدولة العثمانية وموقف الأئمة منها» أن السلطان العثمانى الثانى «أورخان الأول» ابن «عثمان الأول» كان صوفياً بكتاشياً، والبكتاشية شيعة باطنية.. وأورادهم هي أوراد الشيعة الاثنا عشرية!

وينتهى «الفهد» للقول: «إن من يتأمل الدولة العثمانية منذ نشأتها وحتى سقوطها.. لا يشك في مساهمتها في إفساد عقائد المسلمين.. وذلك بقيامها بنشر الشرك، وقتل أصحاب التوحيد»!

■ ■ ■

إن الأحكام القاسية على الدولة العثمانية وعقيدتها الإسلامية تشمل كل التيار السلفى «الوهابى» وقطاعات واسعة من التيار السلفى العام.

ويمكننا الاكتفاء هنا بعرض خمسة آراء تمثل «السلفية الوهابية»:

- قام الشيخ «حمد بن عتيق» بتكفير جيش الخلافة العثمانية، وقال في كتابه «سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك»: «ولمّا دخلت الجيوش العثمانية الكافرة الجزيرة العربية، دخل بعض الخونة في صفوفهم».

- قال الشيخ «سليمان بن سحمان»: «وما قيل في الأتراك من وصف كفرهم فهو صدق.. فهم أكفر الناس في النِّحَل».

- أفتى الشيخ «عبدالله بن عبداللطيف»: «من لم يعرف كُفْر الدولة العثمانية، ولم يفرّق بينهم وبين البغاة المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله».

- وقال الشيخ «عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ»: «ومعلوم أن الدولة التركية كانت وثنية.. تدين بالشرك والبدع».

- أمّا الإمام «سعود بن عبدالعزيز» فيقرر: «من ادعى أن الدولة العثمانية دولة مسلمة فقد كذب وافترى.. وأعظم فريّة في هذا الباب أنها خلافة عثمانية».

أبوعيسى

- هاجم الشيخ «حسين بن على بن نفيسة» الخلافة العثمانية وأَنْشَدَ شِعراً:

فيَا دولةَ الأتراكِ لا عَادَ عزّكم عليْنا

ولا في أوطانِكم رجعتمُ

مَلَكْتُم فخَالفْتُم طريقَ نبيّنا

وللمنكراتِ والخمورِ استَبَحْتُمُ

جَعَلتم شعارَ المشركين شعارَكُم

فكُنْتم إلى الإشراكِ أَسَرع منهمُ

■ ■ ■

كان «الوهابيون» يُطلقون على جيش الدولة العثمانية «جنود الشرك والقباب»، ولمّا دخل الجيش العثمانى الجزيرة العربية قالوا: «جاء التُّرك بالشرك».. وقد وضع الشيخ «سليمان بن عبدالوهاب» في كتابه «الدلائل» أكثر من (20) دليلاً على كُفر ورِدّة من أعانَ العثمانيين.

أفتى أئمة الدعوة السلفية «الوهابية» بأن الدولة العثمانية كافرة، وعلى ذلك فهى «دار حرب» ولم تكن حرب العثمانيين على الدعوة السلفية في نجد حرباً سياسية.. بل هي حرب عقيدة بين الشرك والتوحيد.

ويروى «الوهابيون» مواجع كثيرة في «الحرب العثمانية – الوهابية».. حرب «الخلافة العثمانية» على «راية التوحيد».. حيث قُتل وسُبى منهم الكثير.. كما أن العثمانيين قاموا بحرق المساجد والتمثيل بجثث القتلى من المسلمين.

ويذكر «الجبرتى» أن العثمانيين قاموا بسبى النساء والغلمان من الوهابيين.. وعرضوهم في السوق لمن يشتريهم.. كما أنهم أمضوا فيهم القتل.. وقرر الخليفة منح جائزة لكل جندى يقتل «وهابياً»، واشترط لجديّة ذلك أن يقوم الجندى بقطع أُذُن «الوهابى» ويرسلها إلى الأستانة لتأكيد القتل!

■ ■ ■

وهكذا.. بينما يرى الإخوان المسلمون أن الخلافة العثمانية كانت حامية الإسلام، وأن سقوطها كان سقوطاً للمسلمين، يرى السلفيون أنها كانت «خلافة مرتدة».. بعيدةً عن الإسلام.. ومعاديةً للشريعة!

عشرة خلفاء في عشر سنوات!

لم يكن الخلاف على الخلافة والخليفة محصوراً في حزب التحرير وداعش.. وإنما كان هناك من سبق، وهناك من لحق في إطار الصراع على الخلافة الراشدة.

■ ■ ■

نجم الدين أربكان

يرصد الكاتب الأردنى «أسامة شحادة» ويرصد باحثون آخرون.. خلفاء وخلافات تعاقبت أو توازت دون أن يعرف عنها أحد من المسلمين!

في عام 1994 أسس شخص يُدعى «كمال الدين قبلان» الخلافة الإسلامية في مسجد في أوروبا. أقام «قبلان» دولة الخلافة في مسجد مدينة كولونيا في ألمانيا.. وقال إنها امتداد للخلافة العثمانية، وتشمل المسلمين جميعاً.

كان «قبلان» الذي تخرج في كلية العلوم في أنقرة عام 1966 قد عمل مع «نجم الدين أربكان»، ثم ترك «أربكان»، وطالب بإقامة دولة إسلامية في تركيا.. وقد تم سحب جنسيته التركية، وحصل على اللجوء السياسى في ألمانيا.

في ألمانيا أسس «كمال الدين قبلان» عام 1987 ما سماها «دولة الأناضول الإسلامية الفيدرالية» ونصّب نفسه أميراً عليها، وأعلن افتتاح سفارة لها في برلين.. إلى أن أعلن في عام 1994 إقامة دولة الخلافة، وأصبح خليفةً عليها لمدة عام.. حيث رحل في عام 1995.

■ ■ ■

أوصى «كمال الدين قبلان» بالخلافة لابنه من بعده، فأصبح «متين قبلان» هو خليفة المسلمين، وشهرته «خليفة كولونيا»، ثم نشب خلاف بين «قبلان الابن» وبين «خليفة آخر» هو «خليل صوفو». وفى عام 1999 قُتِل «صوفو» وأُدين «قبلان» بالتحريض على قتل الخليفة المنافس.. ودخل السجن.

في عام 2001 حظرت السلطات الألمانية تنظيم «دولة الخلافة»، وفى عام 2004 تم تسليمه إلى السلطات التركية، حيث حوكم هناك بتهمة تدبير تفجيرات ضد ضريح «أتاتورك».. وحكم عليه بالسجن المؤبد!

وهكذا رحل الخليفة «خليل صوفو» مقتولاً، وانتهى الخليفة «متين قبلان» مسجوناً.. وضاعت «الخلافة الألمانية» بين القتيل والسجين!

■ ■ ■

ثمّة خلافة أخرى تبعد آلاف الأميال.. هناك في أفغانستان.. ففى عام 1992 أعلن «محمد أفضَل» نفسه خليفةً على منطقة «نورستان». لم يكن الأفغان يعرفون عنه ولا عن خلافته شيئاً.. لكن بعضاً من الذين آمنوا بضرورة مبايعة «أىّ خليفة» في أفغانستان قد سمعوا عن وجود خليفة في «نورستان» فذهبوا إليه، وعرضوا عليه مبايعته.

اعتذر «محمد أفضَل»، وقال إنه خليفة لمنطقة نورستان فقط. وقد فشلت محاولات المجموعة القادمة من كابول في إقناعه.. وراحت تبحث عن خليفة آخر!

■ ■ ■

بعد شهور من البحث رأت المجموعة أن هناك واحداً فيها يمكن أن يكون الخليفة، ذلك أنه قرشى النسب.. واسمه «أبوعيسى الرفاعى».. وهكذا في يومٍ واحد تحول «أبوعيسى الرفاعى» من باحثٍ عن خليفة إلى أن أصبح هو نفسه خليفةً للمسلمين، وفى واقع الأمر خليفة للمجموعة التي لا تزيد على مائة فرد.. والخليفة «الرفاعى» هو فلسطينى انشق عن الإخوان المسلمين وعاداهم، وتبنى فكر رجل الدين السلفى الأردنى «أبومحمد المقدسى»، وغادر للجهاد في أفغانستان.. إلى أن ضغط عليه زملاؤه.. فأصبح الخليفة.

أسس «الخليفة» أبوعيسى الرفاعى «منظمة الخلافة الإسلامية» في بيشاور، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين، لكن الجماعات الإسلامية في بيشاور رفضَت خلافته.. فقرر الخليفة ومعه عدد من الأنصار ترك أفغانستان والهجرة إلى لندن!

اعتنق «الرفاعى» وأنصاره فكراً تكفيرياً.. وأقاموا في لندن، حيث تم اعتقال «الخليفة» بعض الوقت بسبب مخالفته قوانين الهجرة، ثم خرج من السجن، وقضى في «الخلافة اللندنية» عدة سنوات.. إلى أن توفى في مارس عام 2014.

■ ■ ■

واحدٌ من أتباع الخليفة «أبوعيسى الرفاعى».. ضابط مرور روسى من داغستان، أعلن نفسه خليفةً للمسلمين.. ولا يعرف المسلمون الاسم الحقيقى للخليفة الداغستانى.

يقول «أسامة شحادة» وآخرون: لمّا قامت الثورة السورية أرسل «الخليفة» أبوعيسى الرفاعى شخصاً يدعى «حسين لارى» ولقبه «أبوعمر» إلى الشام ليدعو لـ«الخليفة» الرفاعى.. فأسس «لارى» جماعة سماها «جماعة جند الخلافة».. ثم عدّل الاسم إلى جماعة المسلمين. ودخلت الجماعة في صراع مع الفصائل الإسلامية وقاتلت الجيش الحر.

واحدٌ من أنصار «حسين لارى» كان مقاتلاً روسياً، هو في الأصل ضابط شرطة في إدارة المرور في وزارة الداخلية الداغستانية، وقد أعلن الداغستانى نفسه خليفة للمسلمين.. وانقسم أنصاره إلى فريقين.. فريق بايعه بالخلافة وفريق ضده، وكل فريق قام بتكفير الآخر. ثم كانت المفاجأة الكبرى.. ففى وسط الصراع غَادَرَ «الخليفة» الداغستانى إلى مكانٍ مجهول!

■ ■ ■

يُعد «حسين لارى»- «أبوعمر الكويتى»- وهو شيعى قال إنه تحوّل للمذهب السُّنى.. واحداً من أخطر الشخصيات في ملف الخلافة المعاصرة. فقد ذهب إلى سوريا موفداً من الخليفة «أبوعيسى الرفاعى».. ولكن «أبوعيسى الرفاعى» قد توفى في تلك الأثناء.

قام «حسين لارى» بإقناع زعيم داعش «أبوبكر البغدادى» بإعلان الخلافة لخلوّ المنصب بوفاة «الخليفة الرفاعى».. ويقول خبراء: إنه هو من أقنعه بذلك وساعد في تنصيبه. لكن «والى الرقة» التابع لداعش، وهو سورى اسمه «على الشواخ»- «أبولقمان»- قد احتجّ على إعلان «البغدادى» الخلافة، وقال: «أنا قرشى.. وأنا الأوْلى بالخلافة».. وحصل الخليفة المنشق «أبولقمان» على ثلاثة آلاف بيعة..!

لكن «أبولقمان» لم يصمد كثيراً.. حيث كان داعش قد أعلن خلافة «البغدادى».. وقال معارضو «أبولقمان» إنه عميل للمخابرات السورية، وابن عمه عضو القيادة القطرية لحزب البعث في نظام «بشار الأسد».. واستقر «داعش» على تسمية «أبى بكر البغدادى» خليفةً للمسلمين.

■ ■ ■

لم تكن القارة الأفريقية خارج السباق، فبعد وقت قليل من إعلان داعش الخلافة، أعلن «أبوبكر شيكاو»، زعيم حركة بوكو حرام، دولة الخلافة في قرية «جوزا» في ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا.. ليصبح لدى المسلمين الخليفتان «أبوبكر».. أبوبكر «البغدادى» في آسيا، وأبوبكر «شيكاو» في أفريقيا.

■ ■ ■

هاجم تنظيم القاعدة «البغدادى» وخلافته.. ويرى القاعدة أن أمير المؤمنين هو «الملا عمر» وأن أمير القاعدة «أيمن الظواهرى»، وأن أمراء القاعدة حول العالم إنما يبايعون «الظواهرى» الذي بايع بدوره «الملا عمر».. وهكذا يرى القاعدة أن الخليفة هو أمير المؤمنين «الملا عمر» وأن وزيره «أيمن الظواهرى».

■ ■ ■

وهكذا عشرة خلفاء وخليفة راشد في سنوات محدودة: «كمال الدين قبلان»، وابنه «متين قبلان»، ومنافسه «خليل صوفو»، و«محمد أفضل»، و«أبوعيسى الرفاعى»، والخليفة الداغستانى، و«أبولقمان»، و«أبوبكر البغدادى»، و«أبوبكر شيكاو»، و«الملا عمر».. فضلاً عن «الخليفة الراشد»- «عطاء الرشتة».. أمير حزب التحرير الإسلامى!

■ ■ ■

لا يحظى «الخليفة الراشد» بالاهتمام الكافى، كما أن سبعة من العشرة لا يعرفهم إلا المؤرخون والباحثون المدققون وأجهزة الاستخبارات.. وقد حظى «أبوبكر شيكاو» باهتمام إعلامى ولكن «الملا عمر» و«أبوبكر البغدادى».. ووراءهما طالبان وداعش.. كانَا هُما الأكثر جدّية في الصراع على الخلافة والخليفة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية