هل سمعت من قبل عن أى دولة فى العالم تقول إن مشاكلها الاقتصادية بسبب الزيادة السكانية؟.. وبالعكس، هل سمعت عن أى دولة تقول إن اقتصادها تحسّن بسبب انخفاض السكان؟
كل الدول تهتم بمعدل زيادة مواطنيها، سواء لتدعم زيادته أو تدعم تخفيضه، على حسب ظروف الدولة، لأنه عامل مهم بالتأكيد، لكن أهميته تظل محدودة للغاية فى الصورة الكاملة، وهو عنصر مفعول به قبل أن يكون فاعلاً.
تستخدم الحكومات المصرية حيلتين شهيرتين.
الحيلة الأولى: الربط الخادع
حالياً يدق المسؤولون أجراس الخطر بسبب ارتفاع نسبة الزيادة السكانية فى السنوات الأخيرة، ويحذرون من تأثير ذلك على الاقتصاد. الأرقام المجتزأة لا تخبرنا بالصورة الكاملة.
لو طبقنا نظرية ربط معدل النمو الاقتصادى بالزيادة السكانية لكان من المفترض أن نلحظ علاقة عكسية واضحة بين أرقامهما، لكن الأرقام الحكومية من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تخبرنا أن هذا غير صحيح إطلاقاً.
حقبة التسعينيات شهدت أكبر نجاح لحملات تنظيم الأسرة، معدل المواليد انخفض من 29.4 فى الألف عام 1988 إلى 20 عام 1992، بينما كانت تلك الحقبة نفسها من الأسوأ فى تاريخ الاقتصاد المصرى. النمو فى نفس العام 92 وصل إلى القاع بمعدل 0.3 % فقط!
فى المقابل، مع بداية الألفية عادت الزيادة السكان للتصاعد حتى وصلنا لمعدل 22.9 فى الألف عام 2009، بينما كان مؤشر النمو الاقتصادى يحلق فى القمة فى تلك السنوات حتى وصل عام 2008 إلى 7.1%، قبل أن ينهار فى العام التالى 2009 إلى 4.7%.
إذن، لو طبقنا تلك النظرية الساذجة لوجب أن نعكس الربط، وتصبح الزيادة السكانية هى سبب النمو الاقتصادى!
الواقع يقول إن معدل النمو ارتفع بشدة بسبب خطة الإصلاح الاقتصادى من حكومة نظيف، ثم انخفض بشدة بسبب حدوث الأزمة المالية العالمية، وفى الحالتين لم تكن الزيادة السكانية هى الفاعل.
وبالمناسبة، الأرقام تخبرنا أيضاً أن الربط بين ارتفاع معدل النمو وانخفاض الفقر غير صحيح، فقد ارتفعت نسبة السكان تحت خط الفقر من 16.7% عام 2000 إلى 21.6% عام 2009 رغم كون هذه السنوات هى العصر الذهبى للنمو الاقتصادى. لقد زاد حجم الكعكة لكن لم يتم إعادة توزيع الأنصبة. رجل الأعمال الذى كان يربح ملياراً أصبح يربح 5 مليارات، وهذا سيمنحنا أرقاماً جميلة تشيد عبرها المنظمات الدولية بحكمة السيد الرئيس، بينما ما زال الفقراء مدفونين أو مستعبدين.
الحيلة الثانية: الرقم المرعب
ينظر المسؤول الحكومى المصرى إلى الكاميرا بخطورة، ويقول «إحنا 90 مليون، وكمان كام سنة وهنبقى 100 مليووون (يرتفع صوته) هنجيب لكل العدد ده منين أكل وسكن وشغل (يعدد على أصابعه)».
لو كان يجب علينا الشعور بالرعب والذنب لأننا وصلنا إلى 90 مليون، فعلى الشعب الصينى الذى بلغ 1.4 مليار نسمة، والهندى الذى بلغ 1.2 مليار أن ينتحروا جميعاً!
تجارب دول العالم فى النمو رغم العدد الأكبر منا بكثير- لا تُحصى، يكفى أن ترفع عينك من على المقال لترى بالتأكيد منتجاً صينياً ما حولك، فقد تمكنوا من الاستفادة من مزايا العدد لينتجوا بكثافة مما يخفض التكلفة، لتغزوا منتجاتهم العالم كله.
اليابان تعدادها حوالى 128 مليون نسمة، يعيشون فى دولة مساحتها ثلث مساحة مصر، و70% جبال بركانية غير صالحة للحياة، وليس بها أى موارد بترولية أو تعدينية، ومع ذلك تغزو العالم بالمنتجات التقنية، بفضل الاستثمار الشامل فى تعليم أبنائها.
حتى شقيقتنا النامية البرازيل، ذات الـ 200 مليون نسمة، لم يمنعها سكانها من أن تتحول من حافة الإفلاس لتصبح سابع قوة اقتصادية فى العالم، وتقفز بها مؤشرات النمو، بينما تهوى مؤشرات الفقر، وخرج 35 مليون برازيلى من الفقر المدقع بين أعوام 2003 – 2014 بفضل خطة الدعم النقدى المشروط. (فى 2014 استفادت منها 14 مليون أسرة برازيلية بتكلفة 1% من ميزانية الدولة).
تحاول الحكومات المصرية التهرب من أسئلة مكافحة الفساد، الديمقراطية والحريات، نزاهة الانتخابات، الشفافية وحرية تداول المعلومات، الأبعاد الاجتماعية فى الخطط الاقتصادية، والمحاسبة والرقابة الشعبية على كل ذلك، لتلوم شعبها وتطرح عليه سؤال الزيادة السكانية العبثى، على طريقة «ضربنى بوشه على إيدى يا بيه»!.
* طبيب وكاتب صحفى