بدأت العلاقات العسكرية بين إسرائيل وجنوب أفريقيا في ستينيات القرن العشرين، بل أن الدولة العبرية كانت الدولة الوحيدة التي كانت تبيع السلاح لجنوب أفريقيا في الثمانينات من القرن العشرين حين كانت معروفة بنظام الفصل العنصري، الذي كانت فيه الأقلية البيضاء، ذات الأصول الاستعمارية، تحكم الأغلبية السوداء التي هي السكان الأصليين للدولة.
بل وزاد الأمر لاحقا حين تبين أن إسرائيل كانت وراء امتلاك جنوب أفريقيا للقنبلة النووية، ورصدت الاستخبارات الأمريكية في 22 سبتمبر 1979 إجراء جنوب أفريقيا لتجربة تفجير نووى في المحيط الهندى بمساعدة إسرائيلية مباشرة.
ولكن عندما وصل الرئيس الراحل نيلسون مانديلا إلى الحكم، أعلن تفكيك الترسانة النووية للبلاد، لتصبح دولته هي أول دولة تتخلى بإرادتها الحرة عن السلاح النووي، وانقطعت العلاقات العسكرية بين جنوب أفريقيا وإسرائيل. واستمر الأمر حتى عام 2005 حيث سافر وفد عسكرى إسرائيلى إلى جوهانسبرج، واستؤنفت العلاقات العسكرية بينهما، لكنها منذ ذلك الحين تجرى تحت غطاء كثيف من السرية.
ورغم ما تشير إليه تلك السرية من علاقات وطيدة بين الجانبين، ظهرت وثيقة سرية صادرة عن جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، تؤكد أن إسرائيل سرقت عام ٢٠١٠ تقنية صاروخ مضاد للدبابات، صممته جنوب أفريقيا، إلا أن جهاز مخابرات جنوب أفريقيا تستر على الأمر.
وبعد سنوات، وحينما تم تقديم رجلين بسرقة المخططات للمحاكمة في جنوب أفريقيا لم يفلح الادعاء في الكشف عن التفاصيل الكاملة لتورط الموساد. وتم تزويد الصحفيين بمعلومات زائفة عن الحادثة، مما نجم عنه نشر تقرير مفاده أن المادة قدمت للإسرائيليين ولكنهم «لم يبدوا اهتماماً».
غير أن البرقية الإسرائيلية السرية، التي تم الكشف عنها، بحسب موقع الجيش الإسرائيلي، تبين أن رجال أعمال إسرائيليين كانوا بالفعل مهتمين، وأنهم اشتروا مخططات منظومة الصواريخ وسلموها للموساد.
تشتمل البرقيات الجاسوسية على رد سرى جداً على طلب من جنوب أفريقيا بأن تعيد المخابرات الإسرائيلية المخططات. يقول جهاز الموساد في هذه البرقية إنه «فى ضوء التعاون القوي» بين أجهزة المخابرات في البلدين «فإن بإمكاننا، على الأقل، إعادة المخططات المفقودة إليكم».
ولكنهم فعلوا ذلك بشرط «ألا يحاكم المواطن الإسرائيلى المتورط في هذه القضية وألا يورط في أي قضايا قانونية أخرى». ويبدو أن جنوب أفريقيا وافقت على هذه الشروط، والدليل على ذلك عدم ورود اسم أي مواطن إسرائيلى في أي قضايا قانونية منذ ذلك الوقت.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية التي قالت إن الكثير من التفاصيل تم تسريبها إلى قناة «الجزيرة»، فإنه في برقية للموساد بتاريخ أغسطس ٢٠١٠ صنفت على أنها سرية وكانت تحمل عنوان «الرد على مخططات صاروخ موكوبا»، رفض الموساد التحقيق في كيفية حصول إسرائيل على المخططات المسروقة والخاصة بنظام صاروخ من نوع موكوبا، والذى تصنعه شركة «دينيل» الحكومية المختصة بتصنيع الأسلحة، وأعطى اسما مشتقا من كلمة بلغة سيتسوانا تعنى «ثعبان مامبا الأسود المخيف».
إلا أن البرقية تنص على استعداد الموساد للمساعدة في استعادة الوثائق، وورد في النص ما يلي: «ردا على طلبكم الخاص بقضية صاروخ موكوبا، نرجو ملاحظة أن جهازنا لا سلطات لديه تخوله إجراء تحقيق على الأرض الإسرائيلية. ولكن، وفى ضوء التعاون القوى بين جهازينا، ورغبتنا المخلصة في مساعدتكم، قمنا باستطلاع الطرق التي يمكن من خلالها أن نساعد، على الأقل في إعادة مخططات الصواريخ إليكم. علماً بأن المعلومات التي سنوصلها إليكم بهذا الشأن هي معلومات استخباراتية سرية وينبغى ألا تستخدم في أي إجراءات قانونية».
وتظهر أوراق المحكمة أن شخصين قدما للمحاكمة عام ٢٠١٢ في محكمة بمدينة بريتوريا، بسبب دورهما في قضية صاروخ موكوبا، وكانا قد ألقى القبض عليهما قبل ذلك بعامين في عملية معقدة للشرطة التي نصبت لهما فخاً فوقعا فيه.
أحد هؤلاء هو دانى ستينكامب، كبير فنيين سابق في شركة دينيل، اعترف بأنه مذنب بتهمتين بموجب قانون حماية المعلومات المعمول به في جنوب أفريقيا، وحكم عليه بالسجن خمس سنين.
وأما الثانى فهو أنتونى فيليون، المدير المنتدب لشركة تعمل مع شركة دينيل، والذى اعترف بأنه مذنب.
يظهر السجل القانونى أنه بين يناير ٢٠٠٨ ويناير ٢٠٠٩ عرض ستينكامب على عدة أشخاص وثائق ونماذج وأجساما ومعلومات خاصة بصاروخ موكوبا، ومن الذين عرضها عليهم شخص اسمه إسحق تالياح، المشهور باسم إدوارد هنرى تالجآرد، وشخص آخر غير معروف لجنوب أفريقيا ولا لإسرائيل.
وبحسب أوراق المحكمة كان هناك شريك ثالث في الجريمة، وهو جون جراندلينج الذي كان قد سافر إلى إسرائيل في المراحل الأولى من محاولات كل من ستينكامب وفيليون بيع مخططات الصواريخ.