x

سيلڤيا النقادى الفن.. بين الداء والدواء! سيلڤيا النقادى الجمعة 17-04-2015 20:44


هذا موضوع كنت أرغب ألا أتحدث عنه الآن!! ولكنى تذكرته عندما صُدمت أثناء مرورى على الطريق المتجه من العين السخنة إلى الغردقة فى الأسبوع الماضى بهذه المبانى الشاهقة وهذا التجمع السياحى السكنى العملاق الذى ينحشر وسط الجبال المطلة على سكون سواحل البحر الأحمر، باعثة بألوانها الببغاوية برسالة صريحة بل قبيحة تتحدى الجمال والذوق، بل الفهم الصحيح لمعنى العمارة وارتباطها بالبيئة المحيطة!!! وهى صدمة لا تختلف عن صدمات كثيرة شبيهة.. وأتذكر فى ذلك مشروع «مركز الأهرام للفنون» الذى تم تأسيسه فى عام 2009 بمؤسسة الأهرام، بمبادرة منى، مقترحة أن يصبح للمؤسسة التى تقتنى ثروة قومية من الأعمال الفنية لكبار رواد الفن فى مصر معرض فنى لهذه الأعمال، ومن بعده مركز لرعاية الفنون، لتصبح مؤسسة الأهرام بجانب دورها الإعلامى التاريخى العريق منبراً للفكر التنويرى والثقافى الرفيع.. وبالفعل تم البدء فى المشروع الذى شرفت بتأسيسه.. ولكن بالرغم من انتهاء العمل به على أعلى المقاييس والمواصفات العالمية التى تسمح له بالمنافسة والاستضافة لأكبر المعارض العالمية والفنانين المحليين والعالميين وما يرتبط بذلك من أنشطة ثقافية أخرى، إلا أن افتتاحه بعدما يقرب من أربع سنوات من العمل به وفى الفترة التى كانت الجماعة المحظورة تتولى فيها حكم البلاد لم يتسق والمستوى أو الهدف الذى أنشئ من أجله أو الجهود المضنية التى بذلت لإخراجه.. فبعد ما يقرب من شهرين فقط على عرض مجموعة مقتنيات الأهرام الفنية النادرة فيه، أمر رئيس مجلس الإدارة آنذاك بإزاحة الأعمال من القاعة بل تخصيصها لمعارض أخرى بدأت بمعرض للاستثمار العقارى مرة! ثم مرة أخرى للسلع الاستهلاكية المعمرة! ومرة لحلويات المولد! ثم مرة لبيع الملابس المستعملة وغيرها! بل كان دائماً ما يتردد، حتى ولو على سبيل الضحك المخلوط بالجد، فرص بيع هذه اللوحات، وعلى رأسها لوحة الفنان محمود سعيد «ذات العيون العسلية» من أجل استثمار عائد هذه الأموال لصالح المؤسسة!! على كل حال هذا ليس وقت التطرق لمثل هذه الأمور أكثر من ذلك، فنحن لا نملك فكر الآخرين أو سياستهم.. ولكن ربما تدعونى هذه الصدمات إلى الحديث عن جوهر معنى «الفن» فى حياتنا، ومدى استيعابنا لرسالته وتأثيره علينا.. وربما لأن معظم اهتمامنا به ينصبّ فقط على كيفية الحفاظ عليه من التلف أو السرقات، لذا فإن الرؤى الحديثة، التى يجتهد فيها محبو الفنون والنقاد والفلاسفة، حتى علماء النفس، لا نعيرها اهتماماً كثيراً بالرغم من أنها أصبحت الآن تحمل معانى أكثر قيمة إذا ما تمت مقارنتها بالقيمة المادية التى تباع بها الأعمال الفنية فى المزادات العالمية، بل أحياناً المحلية!!

والمتابع للحركة الفنية قد يلاحظ فى هذا الإطار أن كبرى المتاحف والمعارض الدولية قد بدأت فى تبنى مفهوم جديد للفن التشكيلى، يطلق عليه «الفن كعلاج» «Art As Therapy» وهو مفهوم يدعو إلى رؤية وقراءة العمل الفنى من الجانب الإنسانى، ومن ثم استيعاب معانٍ إنسانية رفيعة منسية أو نفتقدها فى حياتنا ولكنها قادرة على تفعيل التوازن النفسى الذى سُلب منا، نتيجة للثورة التكنولوچية، وإيقاع الحياة السريع، والحروب والصراعات من كل جانب. لذا فإن مقياس نجاح المعارض أو المتاحف الفنية ينبغى ألا يقاس فقط، لأن زائريه قد تعلموا شيئا عن الفن، أو وجد بعضهم عملاً «يرن جرساً» ويرتبط بمعنى ذى علاقة معنوية أو شخصية لديه!! وإنما ينبغى أن يقترب إليه من المنظور العلاجى، وهو ما يؤكده قول «جون آرمسترونج»، أحد مؤرخى الفنون التشكيلية والمحاضر فى كبرى المتاحف العالمية حول هذا الاتجاه: «إن المتاحف الفنية يمكنها أن تصبح أكثر إثارة ونشاطاً وفائدةً لو الأمناء (Curators)

تبنوا هذا المفهوم العلاجى وقاموا بتطبيقه على أساليب العرض بحيث تصبح الأعمال الفنية المعروضة منظمة، ليس وفقا لحقبتها التاريخية، بل لمقياسها وموضوعها الإنسانى كالزواج.. والعمل والشيخوخة والألم والمعاناة والفرحة.. إلخ».

وبدلاً من تقديم أو كتابة عبارات فنية تاريخية فقط على جدران غرف المتحف تتم كتابة عبارات أو أسئلة تمس أكثر الجوانب الإنسانية: مثل «كيف نصبح أكثر صبراً؟».. أو «كيف نتحكم فى مشاعر الحقد والغيرة؟».. أو «كيف نرى الجمال أكثر فى الحياة؟».. فى عالم دائم القلق على المال والعمل والهوية، نحتاج أن نقرأ ونفهم الأعمال الفنية التى تُعنى بصفات خلقت للبشر.. صفات يتعرف عليها الضعف الإنسانى وتتجاوب معها العواطف الإنسانية.. نحتاج أن نفهم الفن بالأسلوب الذى يلمس الصفات البشرية.. فعندما نرى مثلاً عملاً لسفينة أو قارب يصارع فيه أصحابه العواصف والأمواج من أجل البقاء، يكون من الأمثل عرض هذا العمل فى غرفة تعنى بأعمال تصور الحزن أو الألم، وعندما نرى عملاً مثلاً للسيدة العذراء ونرى هذا الخليط من الحزن والدهشة والفرحة فى نفس الوقت على وجهها، نشعر بالراحة والرقة والتواضع.. نشعر بأن هذا العمل عمل زائر، ربما جاءنا من عالم آخر، ولكنه يحمل صفات نعرفها ولكننا نفتقدها والعمل يذكرنا بها.. ومن هنا نستعيد التوازن، ويصبح الفن علاجاً من أجل صحتنا النفسية.

قد تبدو هذه السطور محلقة من عالم آخر.. ولكنها فى الحقيقة هى إحدى طرق العلاج الذى نحتاجه من أجل تحقيق التوازن النفسى لاستكمال رحلة الحياة كبشر خلقهم الله بمواصفات لا تعرفها المخلوقات الأخرى، ولكننا فقدناها مع قسوة ووحشية الحياة وصراعنا من أجل البقاء.

لذا أقول فى النهاية، الفن ليس منظرة أو وجاهة اجتماعية أو مكانة ثقافية تبحث عنها الدول أو الأفراد!!!.. الفن قيمة، أحبها فنان، وأراد أن نستمدها من عمله لنشعر بها وننقلها لـ«البنى آدمين».. ومن ثم نصبح.. ونستحق أن يطلق علينا كلمة.. إنسان!!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية