أدعو السيد الرئيس، ومن ورائه السيد رئيس الوزراء، إلى قراءة خبرين نشرتهما «الأهرام»، صباح أمس، ثم أنتظر منهما قراراً، باعتبارهما مسؤولين عن حُرمة كل قرش من المال العام فى هذا البلد المنكوب ببعض بل بكثيرين من مسؤوليه!
أدعوهما إلى قراءة الخبر الأول عن أن وزيرين فى الحكومة قد افتتحا مع محافظ الإسكندرية، يوم الأحد الماضى، المركز التجارى لشركة الإسكندرية للمجمعات الاستهلاكية، للجمهور.. ولكن.. ما إن ذهب هذا الجمهور نفسه إلى المركز، بعد افتتاحه بساعات، حتى اكتشف أنه تم إغلاقه بالضبة والمفتاح!
أدعوهما، ثانياً، إلى قراءة خبر آخر، منشور فى «الأهرام» أيضاً، عن أن اتصالاً من مواطن مع حسام الدين إمام، محافظ الدقهلية، قد كشف عن إهدار 52 مليون جنيه، فكان أن كشفت لجنة من مديرية الصحة بالمحافظة عن تعاقدات بهذا المبلغ، لشراء أجهزة لثلاثة مستشفيات، بالأمر المباشر، فأحال المحافظ 17 موظفاً بالوحدات المحلية إلى النيابة العامة!
بقية الخبر تقول إن اللجنة قد اكتشفت تسليم الأجهزة والمعدات، دون محاضر تسلم، وإنها- أى الأجهزة- موجودة فى المخازن، دون استخدام ودون عمل، ودون فائدة!.. بينما مرضانا يموتون على الرصيف بلا ثمن!
أدعوهما، لأن هذا يعيد تذكيرنا، كما قالت رسالة جاءتنى من الأستاذ محمود الطنب بما كان قد جرى أيام الرئيس الأسبق مبارك، عندما ذهب لافتتاح مستشفى الأحرار فى الشرقية، وبعد أن استعرض الرئيس، وقتها، غرف المستشفى، وبعد أن صافح بعض المرضى، تبين، بعدها، أنه لا مستشفى هناك، ولا يحزنون، وأن كل سرير رآه مبارك فى المستشفى كان مُستعاراً من مستشفى آخر، لزوم الافتتاح، وأن المرضى أنفسهم كانوا قد جاءوا بهم من مستشفى آخر أيضاً!
أدعوهما، لأن الإسكندرية يبدو أنها على موعد مع الافتتاحات التى من هذا النوع، بعد أن كنا جميعاً قد تابعنا من قبل واقعة المستشفى إياه الذى افتتحه المهندس إبراهيم محلب، هناك، فإذا بالمستشفى بعد انصراف رئيس الحكومة، غير المستشفى، وإذا بالمرضى الذين صافح هو بعضهم، يعودون بعدها إلى حيث كانوا قد جاءوا بهم قبل الافتتاح، وإذا بالموضوع كله، موضع سخرية من النوع شديد المرارة!
أدعوهما لأنه إذا جاز أن يقع ما وقع، مع مبارك، فى أيامه، وقبل 15 عاماً من الآن، فإنه لا يجوز أبداً، اليوم، وبعد ثورتين عاشهما البلد، وكان عنده وعند أبنائه أمل كبير، ولايزال عنده وعند أبنائه أمل فى تحسن الأوضاع، غير أن السماء لا تمطر أوضاعاً حسنة، ولا أوضاعاً سيئة، وإنما أهل الشأن فى كل بلد هم الذين يختارون نوعية أوضاعهم، وهم الذين يختارون، بإرادتهم، أن يقطعوا خطوات للأمام، أو أن ينحدروا، ويزدادوا انحداراً، بأن تقع الواقعة الفلانية فى الشرقية - مثلاً - من 15 عاماً، ثم تتكرر هى نفسها، فى الإسكندرية، وكأنه لا ثورة قامت، ولا ثورة أخرى من بعدها قد قامت، ولا شىء حصل أبداً!
أدعوهما لأن البلد يستحيل أن يقطع خطوة واحدة نحو الأفضل، فى ظل هذا العبث، وهذا الهزل، وهذا التهريج!
أدعوهما لعلهما معاً يلتفتان إلى أن بدء العمل فى مشروعات جديدة، وكبيرة، شىء جميل، ومطلوب، ومحمود، ولكنه لن يجدى معنا شيئاً.. أى شىء.. ما لم نتعامل مع العفن القديم، بقوة، وأولاً بأول!