«إسرائيل خطر يهدد السلام العالمي».. نطق رجل في عام 2012 بتلك العبارة، فلم يشفع له إنتاجه الأدبي الذي أهله يومًا للفوز بجائزة نوبل، أو كونه يعيش في كنف بلد ديمقراطي كألمانيا، التي تناول تاريخها في أحد مؤلفاته «كلمات الأخوين جريم»، وكان عرضة لهجوم لم يأت من تل أبيب فقط، بل من بني جلدته أنفسهم، ممن سموه «جونتر جراس، عدو السامية الأبدي»، الأديب الذي توفى صباح الإثنين، عن عمر يناهز الـ87 عامًا، في أحد مستشفيات لوبيك «شمال ألمانيا»- حسبما أعلنت دار نشر «شتايدل» المسؤولة عن نشر أعماله، في حسابها على «تويتر».
يمثل جونتر جراس، الذي اشتهر على مستوى المظهر بأنه صاحب «البايب» والشارب الكثيف، كشاعر وروائي وكاتب مسرحي، قيمة فكرية كبيرة للقراء، سواء من مواطنيه أو المهتمين بالاطلاع على أعماله من مختلف الجنسيات، ليس فقط بسبب فوزه بـ«نوبل» عام 1999، لإسهاماته في إثراء الأدب العالمي، بل لإنتاجه المتنوع ومنه المقالات التي كانت على قدر من الأهمية حد جمعها في كتاب تٌرجِم للعربية عام 2010 بعنوان «ظلم الأقوى»، تتناول قضايا سياسية واجتماعية وثقافية عالمية في الفترة ما بين منتصف خمسينيات القرن الماضي وإلى 2007.
أما الإنتاج الأدبي، فكٌتِب للألماني نصيب كبير من النجاح والشهرة بسببه، ومنه مسرحية «الطباخون الأشرار» عام 1956، ورواية «مئويتي» عام 1999، وثلاثية «داينتسيج» التي تضم روايات «القط والفأر» 1961 و«سنوات الكلاب» 1963، وقبلهما «طبل الصفيح» عام 1959، وهي الأهم والأشهر في الثلاثية لدرجة تحولها إلى فيلم سينمائي عام 1979، حصد في العام التالي لإنتاجه واحدة من جوائز مهرجان «كان» السينمائي، وجائزة «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي.
تميز «جراس» بتقديم أعمال دار أغلبها عما شهده المجتمع الألماني من تغيرات خاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية، التي اضطًر «جراس» نفسه للمشاركة فيها كمساعد في سلاح الطيران الألماني، وتناولت أعماله القضايا الدولية التي انحاز فيها كيساري إلى كل ما هو ضد «الإمبريالية العالمية»، وكان منها قصيدته «ما يجب أن يقال»، والتي تعرض بسببها عام 2012 لهجوم من إحدى الصحف الألمانية التي وصفته بـ«العدو الأبدي للسامية»، بسبب وصفه إسرائيل في تلك القصيدة بأنها «تهدد السلام العالمي»، لترد الأخيرة بمنعه من دخول تل أبيب والمطالبة بسحب جائزة نوبل منه، ليبدو «جراس» في مناصبته العداوة لإسرائيل مثل «أوسكار» بطل روايته «طبل الصفيح»، التي كان يقرعها هذا الطفل للتمرد على الأوضاع غير الراضي عنها.
لم تكن قصيدة مهاجمة إسرائيل الرابط الوحيد بين «جراس» والسياسة، التي بدأت علاقته بها في مطلع ستينيات القرن الماضي برفقة المستشار الألماني الأسبق فيللي براندت، ووقتها دعم الروائي الألماني الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى أن انضم لعضويته عامي 1982، في اهتمام بالسياسة اتسعت دائرته ليشمل اتخاذه مواقف خارجية، أبرزها مهاجمته الحرب «الأنجلو- أمريكية» على العراق 2003، والتي اعتبرها عملا «منافيا للقانون الدولي جملة وتفصيلاً» تنفذه «الآلة العسكرية هائلة الجبروت».
ولد «جراس» في 16 أكتوبر عام 1927، في مدينة دانتسيج التي أخذتها بولندا من ألمانيا وسمتها «جدانسيك»، كإحدى الخسائر التي مٌنيت بها ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية، ودرس النحت بمعهد التدريب المهني في مدينة دوسلدورف الألمانية لعامين، وبين قاعات مجمع الفنون في تلك المدينة وقاعات جامعة برلين أتم دراسته الجامعية في الرسم والنحت الدقيق، وعاش فترة من حياته في فرنسا عاد بعدها لوطنه الأم ألمانيا حتى كانت وفاته صباح اليوم 13 إبريل 2015.