قال الباحث الأثري سامح الزهار، المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، إن التاريخ الإسلامي لايزال حافلاً بالكثير من الأسرار التي لا يعملها الكثير منا، وخاصة في حلقاته المشتركة مع ما سلفه من حضارات مختلفة، فالحضارة الإسلامية جاءت امتدادًا لما سبقها من حضارات، وأصبحت هي أيضًا بدورها أحد الجذور التي امتدت أطرافها إلى حضارات العصور الحديثة.
وأوضح «الزهار»، في تصريح لـ«وكالة أنباء الشرق الأوسط»، الاثنين، أن أغلب الموروثات الثقافية التي سبقت الحضارة الإسلامية قد تطورت وأخذت شكلا مختلفًا إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، وهذا دليل على رؤية حكام المسلمين بأن الحضارات تراكمية لا انفصال فيها.
وقال «الزهار» إن أهم مثال علی ذلك الاحتفال بيوم شم النسيم الاحتفال الفرعوني المصري القديم، والذي قد امتدت حلقاته في سلسلة لتتشابك مع الأعياد القبطية ليتشابه في الطقوس الخاصة بالمصريين في المأكل والمشرب والملبس وعادات وتقاليد تبادل الهدايا والزهور الربيعية والخروج للمتنزهات العامة وغيرها، مضيفًا أن تلك العادات والتقاليد والاحتفالات قد امتدت في العصور الإسلامية، وهو الأمر الذي لا يعمله الكثير، ومن أبرز العصور التي كانت مصدرًا مهمًا من مصادر الإرث الثقافي، وإحدى محطات تصدير العادات والتقاليد التي تعيش بيننا حتى الآن كان عصر الفاطميين (969-1171م).
وأشار «الزهار» إلی أن الاحتفالات بشم النسيم كانت على أوسع نطاق فترة الحكم الفاطمي، فكما حافظ المصريون على عادات ومظاهر الأكلات الشهيرة كالأسماك المملحة والبيض ونباتات الخس والبصل وغيرها من أكلات ترمز إلى يوم شم النسيم، فقد كان الفاطميون يقومون باحتفال رسمي تنظمه الدولة تعبيرًا عن امتنانهم لأعياد مصر القديمة، ومشاركة الأخوة الأقباط في احتفالاتهم.
ووصف «الزهار» مظاهر الاحتفال الرسمي بشم النسيم في العصر الفاطمي، والتي كانت تتضمن تنظيم موكب احتفالي مهيب يخرج على رأسه الخليفة الفاطمي، وخلفه كبار رجال الدولة والقادة ويشرف على تنظيمه داعي الدعاة الفاطمي، ويعاونه في ذلك 12 نقيبًا ليطوف الموكب أرجاء القاهرة في مشهد احتفالي كبير.
وأكد «الزهار» أن العصر الفاطمي هو العصر الذهبي لفكرة التسامح الديني بين عنصري الأمة، مما عمل على توحيد النسيج الوطني، واتضح ذلك من خلال عدد من الوثائق التي وصلت إلينا من سانت كاترين والتي أقرت حقوق أهل الذمة في العبادة واحترام رجال الدين المسيحي، كما تشير تلك الوثائق إلى أن الولاة كانوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن أساقفة طور سيناء وتوفير البيئة الاجتماعية والخدمية لمسيحي مصر، مثل مسلميها تماما، وهناك إحدى الوثائق تؤكد معاقبة كل من يوجه الأذى لغير المسلمين وإعفاء المسيحيين من بعض الضرائب.
وذكر أن المسلمين حافظوا على بعض الموروثات الفرعونية وطوروها مثل استعمال ورق البردي كمادة للكتابة، فتم استعماله لفترة لكتابة القرآن الكريم، وحتى أول كتاب من الورق ظهر في بغداد عام 870 م إلا أن المنافسة بين ورق البردي والورق الجديد استمرت حتى القرن الثاني عشر الميلادي، كما أن علماء الفلك المسلمين طوروا العديد من الأدوات الفلكية، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الأسطرلابات «آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب ذات الصفائح، وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية»، والتي تم اختراعها على يد مريم الأسطرلابي في القرن الثاني قبل الميلاد، وتم إدخال العديد من التطويرات المهمة لتلك الأدوات التي استخدمها المسلمون في مجالات متعددة، مثل الفلك والتنجيم والأبراج والملاحة ومعرفة الوقت وتحديد اتجاه القبلة.