x

منتدى المستقبل يحتفي بديوان محمود قرني الجديد «مَبْغَى الشعراء»

الجمعة 10-04-2015 22:38 | كتب: بوابة الاخبار |
الشاعر محمود قرني الشاعر محمود قرني تصوير : آخرون

عقد منتدى المستقبل للفكر والإبداع، أمسية شعرية، بمكتبة خالد محيى الدين، في مقر حزب التجمع، قرأ فيها الشاعر الكبير محمود قرني، مخطوطة ديوانه الجديد «تفضل.. هنا مَبْغَى الشعراء» بحضور كوكبة من الشعراء والروائيين.

وقال الناقد الدكتور يسري عبدالله، أستاذ الأدب والنقد الحديث، في كلية الآداب، بجامعة حلوان، إن «قرني» يتوفر على مشروع شعري يخصه، يمثل إحدى أهم التنويعات في متن قصيدة النثر المصرية الراهنة، منوها إلى أنه عبر تسعة دواوين، بدءا من «حمامات الإنشاد» ووصولا إلى ديوانه الجديد، ثمة بنيات مركزية يمكن تلمسها في نصوصه المختلفة، من بينها «بنية المعرفة»، حيث يتجادل المعرفي مع الجمالي ويشكلان معا رؤيته للعالم.

وأضاف «عبدالله»، أن رؤية محمود قرني مسكونة بموقف بالغ المرارة والسخرية، حيث تصير تعبيرا عن وعي نقدي يسائل الواقع والتراث معا، هذا التراث الذي يتسع هنا ليشمل التراث الشرقي والآخر الغربي، بخطوط التماس الواصلة بينهما، ولذا سنجد في الديوان تجاورا لـ«والت ويتمان» مع أبي العلاء المعري، مع جوزيف كونراد وفلوبير، وغيرهم.

وأوضح أستاذ الأدب والنقد الحديث، أن «قرني» ينفذ إلى قارئه مستخدما المفارقة الساخرة تارة، والمفارقة الدرامية تارة أخرى، عبر صيغ أسلوبية تملك قوة النفاذ إلى سيكولوجية المتلقي، فتمنحه مزيدا من المحبة والصلابة والمقاومة والمتعة الفكرية.

وبعد قراءة «قرني» عددا من قصائدا، شارك الشاعر الكبير، جمال القصاص بمداخلة قال فيها، إن النص الشعري لديه يتحول إلى ما يشبه «خشبة مسرح» غير مرئية، مفتوحة على تخوم البدايات والنهايات، تتلاقح عليها شخوص وأزمنة وأمكنة، وحالات وظواهر، وحدوسات شتى للمعرفة الإنسانية، وجسور للشرق والغرب.

وأضاف «القصاص»، أن قصائد الديوان، حين تجر الماضي وراءها، لا تبحث عن المدهش والمخفي فيه من أجل اكتشاف حقيقة الشعر، أو قيمة معطلة للحياة، إنما تتعامل معها كأمثولة وملهاة، فلا معنى للحياة خارج لحظتها الراهنة، وخارج وجودها كمادة وحقيقة معاشة بالفعل.

وحول «المفارقة الساخرة» في الديوان، التي أشار لها «عبدالله»، قال «القصاص»، إن السخرية في ديوان «قرني» ليس معولا هشا للهدم، أو قناعا فجا لإثبات قدرة الذات الشاعرة على النفي والإثبات، بل صوت الأنا المعارض.

وشارك في الأمسية، الشعراء عاطف عبدالعزيز، عزمى عبدالوهاب، فارس خضر، على عطا، عماد غزالى، محمد رياض، عبدالرحمن مقلد، جورج ضرغام، ومحمود سباق، والروائيون يحيى مختار، وحسين عبدالرحيم، على سيد على، وحسين البدري.

ويستهدف منتدى المستقبل للفكر والإبداع، تبنى وتوسيع دائرة التلقى الإبداعى والنقدى مصريا وعربيا، عبر قراءات نقدية لأهم الأعمال الإبداعية مصريا وعربيا في جميع الأنواع الأدبية، ومناقشة أهم الأعمال الفكرية التي تغطى مساحات طليقة وحرة ومتجددة من المعرفة الإنسانية.

و«المصري اليوم» تنشر القصيدة المركزية لديوان الشاعر الكبير محمود قرني الجديد، «تفضل.. هنا مبغى الشعراء»:

1

«برقية بموت لَمْ يَصل»

في «قلب الظلام»

تتمشي سيدةٌ فقدَت حبيبها

عليَ شاطئ بعيد

يشاهدها رجال المال وقادة الحرب

عبر الأقمار الاصطناعية

ويبكون من فرط التأثر

سمراء حقا

لكنها شهية

هكذا يرونها في ضوء الكاميرات

السيدة التي كانت تتسلي

بقراءة الروايات وطلاء القواقع

لم تقابل أبدا «جوزيف كونراد»

تاجر الموالح

الذي ترك لها بضعة سنتات

وبرقية عزاء ناعمة

السيدة واقفة في الميناء

تستمع إلى دقات قلبها المتصاعدة

مع صافرات البواخر

والتماع الأفلاك

كان ثمة أقنان جدد

في طريقهم إلى عالم مجهول

لكن التجار طمأنوهم

بأنه يخلو من الحشرات والملاريا

في «قلب الظلام»

كان الرجال البيض يأخذون حذرهم

باعتبارهم أهدافا

لمجموعات النضال الأخرق !

والحرية العرجاء !

البيض لامعون جدا

في ملابسهم الملونة

والطلقات الطائشة تخرج من مسدساتهم

دون اكتراث

الملوك السود يبجلونهم

ويدبجون الروايات المرحة من أجلهم

أما السمراء الشهية

التي لا زالت تنتظر حبيبها

فقد أصبحت تسلي وحدتها

بصيد السناجب

بعد أن أمطرت الراحلين

بعشرات الرسائل

لحبيب

لا تعرف أنه يرقد

منذ زمان بعيد

مع ثوار أفريقيا

في بطن المحيط .

2

«نعجة الثورة»

صديقات الطفولة

كبرن بما فيه الكفاية

كبرن حتى أصبحن تفاحة

تتشقق بفائض سكرها

ألتقيهن عادة في فصل الصيف

في هواء الحدائق العامة

والمطاعم الرخيصة

ورغم قدرتنا على غسل سمعة ماضينا

نختار عادة

أن يكون حبنا ضحية للفضوليين

من ناحيتي

أتجمل أحيانا

وأتخلى مرغما عن عكازتي

بينما يتجملن دائما بلثغة رقيقة

وبفساتين قصيرة زاهية

لا تفلح في إخفاء عروقهن

الخضراء

ومع ذلك يواسينني برقتهن المعهودة

على ضمور عضلاتي

وعلي تنامي أمراض المناعة

إحداهن أخرجت من حزامها قصيدة متهرئة

كتبْتُها ذات يوم

عن تفاح خديها

وقرأْتُها، من أجلها، على باب الجامعة

لكنني فضلت اجترار بطولات

تناسب وقارنا

فتحدثت عن الخلايا السرية

التي وقفنا سويا على أبوابها

حتى أرهقتنا مدقاتها الملتوية

ويبدو أننا لم نضيع كل شيء

فقد عشنا لنري الثورة

تتأجج في الميدان

لكن هتافاتنا الخافتة

ضاعت

وسط الملايين

فاقترحت صديقتي راحة طوعية

في بار وسط المدينة

وعندما هاتفها أحد أحفادها

لم تخجل من اعتراف روتيني

عن أنها ستعقد قرانها الليلة

على رجل كان يحبها منذ الجامعة

وأنها

في هذه الليلة

ستتأبط نعجة طيبة إلى فراشها .

من جانبي

حاولت، بإشارة يدي،

إفهامها أن ثمة خطأ في الأمر

لكنها مضت في حديثها إلى نهايته

صديقات الطفولة طيبات فعلا

ولا يملك المرء

إلا أن يتحول إلى نعجة

من أجلهن.

3

«مدخنة الغلال»

الشعراء غرقي

وأحبارهم زالت من أثر البلل

رجال السلطة عائدون للتو من الميدان

تاركين الثغور للقناصة الجدد

رجال السلطة

يوزعون الأمصال

يحقنون الثورة في حواسها الخمس

ويحصنون ثعالبها من آثار العدوى

الثائرات كن يصرخن بوجوه رقيقة

لكن الرجال لم يكونوا على قدر المسؤولية

الشعراء غرقي

ومع ذلك ينتفضون بإباء

كلما وقفوا أمام المرآة

لا يعيرون الرجعيين انتباها

وعادة ما يؤكدون عراقة أنسابهم

رغم أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك

يطالبون بالمعاملة الحسنة للقطط والكلاب

وهذا حقهم

كما يطالبون السلطات بانتشال عشرين تروتسكيا

غرقوا في غائط الأيديولوجيا

الثورة كانت حظاظة نقشبندية

سرعان ما أغواها الشيطان

فمسخها مدخنة

في صومعة الغلال

4

«الرواة العرب»

انظروا إلى المواخير

أيها الأصدقاء

وشاهدوا كم تكون مستأنسة في آخر الليل

استمعوا إلى أناشيد المجروحين

وأبطال الروايات الناقصة

استمعوا إلى الثوار

الذين خطبوا ود الجماهير

في أوقات الذروة

وعندما انصرف عنهم أتباعهم

تصرفوا كالجاموس البري

استمعوا إلى الكيميائيين

أصدقاء الفلذات

وأنبياء العناصر

الذين ضللتهم الأفلاك وهم يعدون نقودهم

استمعوا إلى خوارق المهجرين

الذين أفلتوا من الموت

ثم باعوا نساءهم لقاء بضعة أرغفة

وحفنة من البارود .

لنستمع إذن إلى بطولات العرب المحدثين

وهم يرتدون ساعات اليد السويسرية

رغم أنهم لا يتحدثون أبدا عن الزمن

العرب المحدثون

الذين يصرفون الأفعال

بموازين مغشوشة

انظروا إليهم الآن

وهم يطبخون الأعداء في الأفران البخارية

ويقولون إن ذلك

من أجل ملايين الجوعي

ليس ثمة سياجات

يمكنها أن تردع العرب المحدثين

عن استكمال رواياتهم .

5

«سماوات ليبيا»

أيها الرب

ماذا فعلت بنا ؟

هكذا صرخ قائد مهزوم

بعد أن لدغه عقرب بري

في صحراء ليبيا

ورغم أن الرجل

له إله يعتد به

لم يجبه أحد حتى مات

كنا على مشارف مدينة البيضاء

عندما تفل الرجل نفسه على الرمال

وسألني :

مصري ؟

وعندما شاهدني احتفل مع رجال أنيقين

في أروقة الجامعة

بذكري الزعيم ناصر

حدثني بتأدب

عن المخمل الصحراوي

وآمال المستقبل المزدانة بالماس

بعد سنوات طويلة

كان يردد السؤال نفسه :

أيها الرب ماذا فعلت بنا ؟

بينما تحيطه أطلال

وأقمار ذابلة

قال إن ليبيا لم تكن تعرف الخنازير أبدا

لكنها بفضل سماواتها المفتوحة

تمكنت من أكلها طازجة

صحيح أن الأشجار تساقطت فروعها

والمدفعية باتت أعلي صوتا

من أنين المهجرين

لكن ثمة فراشا آمنا

يبعد أميالا

عن دوامات الريح وثعالب الصحراء

بين الشهيق والزفير

، يقول الرجل ،

تصعد أرواح إلى المنتهي

وأنا القائد

الذي هزمته ذبابة الملاريا

الطبيعة هنا قاسية جدا

وجامعة البيضاء لا زالت بعيدة

جامعة البيضاء

أغلقت أبوابها

جامعة البيضاء أيضا تتساءل :

أيها الرب

ماذا فعلت بنا ؟

6

«وسطاء الله»

خذ بيدي

أيها المغرم بالشفق

لقد أتيتك ومعي خرافي ومتاعي

لكن رسالتك لم تسترح بعد

على مقعدي

أعرف

كنت تكلم الله

منذ عشرات السنين

ومع ذلك

فإن الأقوام التي تسابقت إليه

كانوا عرايا

وصناع نبيذ

في نجد والحجاز .

وعندما تاب عليهم

أصبحوا تجار عبيد

خلقك الله سويا هكذا

تملك الصراط وحدك

وتقع عادة

في فخ قدميك الدقيقتين

التفاحة التي أتت بك

إلى هنا

صارت معطوبة

والثورة أعادت ترتيب العناصر

ثم أكلتها الأحماض

الملوك ينامون في مقبرة من البورسلين

والقائد عين كاتبا

يترجم لغات الطير

الثورة قامت ياسيدي

والشرطي الذي كان يبول على عتبة المبغي

ضربته المومسات على قفاه

نعم

لقد أصبحت أعضاؤنا مكشوفة

كأننا تعريف العراء

أما الوسطاء

الذين عيروننا بالخطيئة

فقد قتلناهم جميعا

ثم التمسنا لهم الغفران .

7

«ضرورات السلام»

أنا ..

شاعرُ الأهازيج العاطفية

انقلبَتْ حياتي رأساً على عَقِب

منذ أن سمعتُ مُعَلِّمِي

يَثْغُو كنَعْجَةٍ

مُلْتَمِسًا لجرائمه خطأً شائعًا

عن الوسائل التي تبرر الغايات

مُذ ذَاكَ لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ الوقتُ

لكي أُحْصِي آثامي

المهمُ أَنْ يسيرَ المرءُ

ورخصةَ مُعَلِّمِه في جيب بِنْطَالِه

بالأمس فقدْتُ أزرار قميصي

كما فقدْتُ حافِظَةَ نقودٍ وثلاثةَ أبناء

وبصراحة

لم يكن بمقدوريَ القبضُ عَلَي لِصٍ

يتأبطُ ذراعَ الحكومة .

في المَخْفَر

حَرَّر لي الشاويشُ مَحضرا

بعد أَنْ أَفرَغَ محتوياتِ مَعِدته في الحمَّام

ومن ناحيتي لَمْ أسأله عن الأسباب

وإنْ أشفَقْتُ عَلَي شُحُوبِه

لَكِنّ واحدا مِمَن يقولون إنهم أَعْلَمُ ببواطن الأمور

قال إنه ابتلعَ رِشوةً بطريق الخطأ

فحمدْتُ الله أن مرَّ الأمر بسلام

في المساء عدتُ لأتسلم أزرار قميصي

وأولادي وحافظة نقودي

لكن الشاويش الذي كان قَدْ تَرَقَّيَ

إلى رتبةٍ لا أعلَمُها

كان يحتسي شاي المساءِ مع اللصِ نَفْسِه

وأنا كشاعرٍ طيبٍ

يكتبُ الأهازيجَ العاطفية

قلتُ :

إنها ضروراتُ السلامِ

في هذه الربُوع .

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية