قامت الصحف المصرية بتغطية حملة فاروق حسنى الانتخابية لمدة أكثر من عام، وخلال أيام الانتخابات كانت التغطية كثيفة فى جميع الصحف القومية والمستقلة والمعارضة، وتابعها الناس بشغف واهتمام شديد، وبعد خسارة فاروق حسنى كان هناك عدد هائل من المقالات، وقد قامت «المصرى اليوم» بتغطية الحدث وأعطت فاروق حسنى مساحة كبيرة فى حوار مع رئيس التحرير، وكذلك أعطت الصحيفة مساحة كبيرة لكتابها من جميع الاتجاهات بما فى ذلك المؤيد والمعارض، لإبداء رأيهم فيما حدث، ونظرة على ما حدث، هناك عدة ملاحظات:
أولاً: لم يكن فاروق حسنى هو أول مصرى يخوض انتخابات لهيئة دولية مهمة، فقد خاضها بطرس غالى من قبل بتأييد معقول من الدولة المصرية واهتمام وتعاطف شعبى وفرحة عند حصوله على المنصب، وخاضها البرادعى بدون تأييد ولا حتى ترشيح من مصر، وعلمنا بنجاحه بعد أن فاز بالمنصب، بل وأعيد انتخابه، وهو الآن يحظى بشعبية خاصة فى مصر بسبب مواقفه المحايدة المحترمة وشخصيته المتزنة ونظافة يده.
أما فاروق حسنى فكانت الدولة شديدة المؤازرة له بطريقة لم تحدث من قبل إلى درجة أن الرئيس ساعده فى محاولة تحييد إسرائيل والاتصال بعدد من رؤساء الدول لتأييده، أما الشعب المصرى على وجه العموم فلم يكن مهتماً بنجاح فاروق حسنى فى هذه الانتخابات، والكثيرون من المثقفين المصريين لم يكونوا متعاطفين مع فاروق حسنى لأسباب مختلفة.
ثانياً: صرفت على الحملة الانتخابية لفاروق حسنى مبالغ طائلة، أعتقد أن بعضها من أموال دافعى الضرائب وبعضها من رجال الأعمال المنتمين للحزب الوطنى، ولم يصدر أى بيان أو إشارة إلى المبالغ التى صرفت، الظاهر منها والخفى، وربما يظهر بعد ذلك فى تقرير المحاسبات بعد عام؟ وهذا شىء طبيعى فى مصر لأن الغموض فى الأمور المالية، خاصة بالنسبة للشخصيات المهمة معروف ومعترف به، ولكنه غير طبيعى بالنسبة لمرشح كان سوف يصبح مديراً لليونسكو، الهيئة الدولية التى تتمتع بشفافية فى كل أعمالها.
ثالثاً: استطاع فاروق حسنى بذكائه الخارق وقدرته الفائقة على الإقناع وبمساعدة الدولة، أن يحصل على عدد كبير من الأصوات، وهو شىء يحسب له ولكن إدارة اليونسكو تحتاج إلى أشياء أخرى أهم من القدرة على الإقناع والضغط.
رابعاً: أنا أؤيد من قالوا إن مصر لم تخسر منصب اليونسكو وإنما فاروق حسنى هو الذى خسره لأن فاروق حسنى لا يمثل المصريين عامة وإنما يمثل السلطة المطلقة على مستوى وزارة الثقافة ويستمد سلطته من الرئيس لأنه بذكائه عرف من أول لحظة أين مربط الفرس.
خامساً: دار نقاش كبير فى مصر حول أسباب فشل حسنى وأنا ألخص الموضوع فى كلمة واحدة، وهى أنه لم يذكر اسمه مرة واحدة فى الصحف العالمية بدون ذكر كلمة controversial، أى كان يقال دائماً فى الصحف الأوروبية والأمريكية فاروق حسنى الشخصية المثيرة للجدل، لماذا المثيرة للجدل؟ لأن الغرب لا يؤمن بأن وزيراً ممكن أن يستمر أكثر من 22 عاماً فى عمله وبالطبع حكاية الديكتاتورية والتسلط كانت مثار الحديث، وربما يكون العمل فى الأجهزة السيادية عملاً وطنياً فى الكثير من الأحيان، ولكن ذلك لا يناسب المزاج العالمى فى أمور الثقافة، وفى منصب مثل هذا المنصب.
سادساً: عاد فاروق حسنى إلى مصر وإلى مكتبه فى وزارة الثقافة وبدأ ممارسة عمله كما كان وقام الرئيس بترضيته ببعض الكلمات، وطالب البعض بأن يستقيل من الوزارة، وربما يكون المطالبون على حق، ولكن فاروق حسنى سوف يبقى فى منصبه مخلداً مع الرئيس ولن يترك وزارة الثقافة إلا إذا ترك الرئيس منصبه، وعند عودة فاروق حسنى من معركة اليونسكو وجه الشكر للرئيس وقرينته ولأول مرة يوجه الشكر إلى جمال مبارك، وهى لفتة لطيفة من الوزير تشير إلى رغبته فى أن يستمر وزيراً لثقافة مصر فى عهود قادمة.