ممر ضيق تراصت على جدرانه الأثرية لوحات فنية قديمة، تتصدرها عبارة «ممنوع التصوير»، وعشرات السائحين من جنسيات مختلفة حرصوا على التقاط صور فوتوغرافية مع ذويهم، يجذبهم صوت الترانيم وأجراس الكنيسة العتيقة.
تتسارع خطواتهم للحاق بالقُداس، إلا أنها تتعثر بالحجارة وأدوات البناء في حارة «الست بربارة»، ليفاجأوا بأعمال إنشائية في أحد العقارات السكنية داخل حرم كنيسة «مار جرجس» بمصر القديمة.
لم يتخيل رواد الكنيسة أن يستغل أحد الأشخاص، الغياب الأمنى الذي مرت به مصر عقب ثورة 25 يناير، ويبنى عمارة سكنية داخل حرم الكنيسة الأثرية، ولم تتوقف أعمال الإنشاءات، وبدأ بتسكينها بإيجار المحال في الدور الأرضى للعقار، رغم صدور أكثر من قرار إزالة تحمل أرقام 650 لسنة 2011، و209 لسنة 2012، والصادرة من المجلس الأعلى للآثار، حصلت «المصرى اليوم» على صورة ضوئية منها.
وقال أحد العاملين بالكنيسة، تحفظ على ذكر اسمه: «استغل مالك العقار، الانفلات الأمنى الذي كانت تمر به مصر وقت الثورة، وهدم أحد العقارات القديمة، وبنى عمارة سكنية، وحرص على عدم هدم جدران المنزل القديم، حتى يبدو أنها أثر قديم للكنيسة، إلى جانب طلائها بنفس لون الكنيسة لتبدو كأنها أحد المبانى الملحقة، وبدأت أدوار العمارة تعلو عاما بعد عام، وحوّل المحال الأرضية إلى بازار سياحى ومكتب صرافة ومحال أخرى». وتابع: «خاطبنا مديرية أمن القاهرة والمحافظ لتنفيذ قرار الإزالة إلا أنه لم يتحرك أحد».
أما كمال رسمى، أحد ملاك العقارات القديمة في حرم الكنيسة، أراد التبرع بمنزله القديم للكنيسة إلا أن مالك العقار وقف عائقاً أمامه وآخرين يمتلكون عقارات قديمة في حرم مار جرجس، طالباً منهم بيعها له.
وقال القمص يعقوب تادرس، كاهن كنيسة مار جرجس المعلقة بمصر القديمة، إن الكنيسة تركت للدولة والجهات المسؤولة، المتمثلة في محافظة القاهرة ووزارة الآثار، التدخل في أزمة بناء عمارة سكنية داخل دير الراهبات، رغم أثرية المكان.
وأشار تادرس إلى أن الكنيسة تبحث عن حل منذ عام 2011، لكنها تركت الأمر للجهات المسؤولة، مشيراً إلى أن المشكلة في طريقها للحل من خلال وزارة الآثار ومحافظة القاهرة.
فيما قال مصدر كنسى، تحفظ على ذكر اسمه، لـ«المصرى اليوم»، إن مالك العمارة يطلب من الكنيسة شراء شقق في عمارته لصالح دير الراهبات.
من جانبه، أوضح ماهر صبحى، رئيس حى مصر القديمة، أن الحى خاطب قسم شرطة مصر القديمة أكثر من مرة، لإصدار قرار بهدم العقار السكنى المخالف بالكنيسة، مؤكداً أن التأخير في هدم العقار يرجع إلى موقعه داخل مكان أثرى قديم له طبيعة خاصة، لذلك فهو يحتاج إلى معدات خاصة حتى لا يؤثر على باقى المنشآت بالكنيسة العتيقة.
وأشار صبحى، إلى أنه قام بتحرير أكثر من محضر داخل قسم شرطة مصر القديمة، ضد مالك العقار، منذ اليوم الأول لتعديه على حرم الكنيسة في 2011، موضحاً أن الحى رهن الإشارة في بدء تنفيذ الإزالة فور استصدار القرار من قسم الشرطة.