هذه حربُ الخليج الرابعة..
الأولى: حاربتم فيها خلف قيادة صدام 1980م- 1988م. والثانية حاربتُم فيها خلف بوش الأب، يناير- فبراير 1991م، والثالثة حاربتُم فيها خلف بوش الابن، مارس- إبريل 2003م. ثم ها أنتم- فى الحرب الرابعة- تُتركون مع أنفسكم، عليكم الإخراجُ والإنتاج، بمثلما عليكم التمثيل والتوزيع.
عند شاعرِكم الحكيم زُهير بن أبى سلمى [520م- 609م]، الجوابُ السليم، والمخرج العاقل، قبل أن تتورطوا أكثر فى مستنقع يسهل الوقوع فيه ويصعب الخروج منه، وحتى لو أغمضتُم عيونكم ونويتُم الإبادة التى تمسح خصمكم من الوجود مسحاً فلن تفلتوا من عقاب الضمير ومن حساب التاريخ، ربما تكسبون- اليوم- حرباً، ولكنها- بكل يقين- سوف تتوالد وتتناكح وتتكاثر وتأتيكم بالجديد وبالمزيد من الحروب.
«وما الحربُ إلا ما علِمتُم وذُقتُم.. وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ.
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً.. وتَضرَ إذا ضرَّيتُموها فتضرَمِ.
فتعرُكُكُم عركَ الرَّحى بثفالها.. وتلقح كشاحاً ثم تُنتج فتُتئمِ.
فتُنتج لكم غلمان أشأم كلهم.. كأحمر عادٍ ثم تُرضع فتفطمِ».
بوضوح شديد: هذه حربٌ لا ناقة لنا فيها ولا جمل. هذه حربٌ بين عربٍ وعربٍ. هذه حربٌ على أرضٍ عربية. هذه حربٌ ليس لها مبرر، ولو كانت مبررة لكان- من أبواب أولى- أن نخوضها ويخوضها الأشقاءُ الخليجيون معنا- إن كانوا من أهل الحرب- هُنا فى سيناء، أو هُنا فى ليبيا، دفاعاً عن الأمن القومى المصرى، وهو- بالمرة كده- جزءٌ من الأمن القومى العربى.
من أراد- من الأشقاء- أن يحارب إيران فله ذلك، فقط نرجو منه- إن أراد أن نقف معه- أن يقول لنا ما هى مبررات الحرب ولماذا الحرب. ومن أراد من الأشقاء أن يحارب ونحارب معه الحوثيين فى اليمن- الحوثيين فقط- وليس القاعدة، وليس الفساد والظلم والاستبداد والتخلف الذى يخسف بالشعب اليمنى، فكل ما نرجوه منه أن يقول لنا: لماذا الحرب الآن، ولماذا الحرب على الحوثيين فقط، وماذا يمثل هذا العبدربه منصور هادى حتى نذهب للقتال فى سبيل إعادته لمنصبه الذى لم يستطع الحفاظ عليه، ولن يستطيع الحفاظ عليه حتى لو أعدناه وأجلسناه على الكرسى، فالرجل صعد إلى الكرسى بصفقة، ثم نزل عن الكرسى بصدمة؟ لماذا تتركون الحمار وتضربون البردعة؟! لماذا تضربون الحوثيين وعندكم إيران أقربُ إليكم من حبل الوريد؟! لماذا يفضلُ الأشقاءُ هذا المستوى الرخيص من الحروب؟! ما هو شرف هذه الحرب؟! أرجوكم: ردوا علينا. ما هو معيار النصر والهزيمة فيها؟! ما هو المطلوب من الجندى العربى فى هذه الحرب أن يفعله ليوقف الزحف الإيرانى من البوابة اليمنية أو من الثغرة الحوثية؟! هل المطلوب هو حصارُ اليمن من البر والبحر والجو؟! هل المطلوب هو عقاب جماعى للشعب اليمنى؟! هل تنتبهون- يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو- أنكم تفعلون فى اليمن ما تفعله [الدولة إياها] عندما تحاصر غزة من البر والبحر والجو؟! هل تعلمون أنكم تفعلون- بالضبط- ما تفعله [الدولة إياها] حين تقصف جنوب لبنان من البر والبحر والجو؟!.
الأمن القومى العربى تهدده إسرائيل بالدرجة الأولى، الفرسُ والترك أهل جوار من قديم الزمان، وشركاء أصلاء لنا فى هذا الإقليم، وأبوابُ الحوار لم توصد حتى ندق طبول الحرب. الشيعة مذهب إسلامى معتبر، تاريخه من تاريخ الإسلام نفسه، وفى يوم من الأيام كان الشيعة يحكمون من المغرب مروراً بشمال أفريقيا ومصر وصولاً إلى ذرى هضاب الشام.
لماذا الآن تفرضون علينا الزج بأنفسنا وجيوشنا ومقدراتنا فى حروب الله أعلم تنتمى لأى جيل حربى أو لأى مذهب عسكرى، لماذا يقتلُ العربُ عرباً مثلهم، لماذا تقصف عواصم عربية عاصمةً مجيدةً هى أسبق منها جميعاً، وأعرق- فى الحضارة- منها جميعاً.
مضيقُ باب المندب، مثل مضيق هرمز، مثل مضيق جبل طارق، مثل مضيق بنما: هذه كلها مضائق دولية، هذه كلها ممرات للملاحة العالمية، هذه ليست معابر حدودية يا ناس، هذه ليست معديات فى بحيرة المنزلة، هذه عُهدة دولية، تحرسها أساطيلُ الكبار، الذين لا ينتظرون حتى يرفع الحوثى خناجره البدائية فى وجوههم، قديماً كانت العربُ تقول: أعذبُ الشعر أكذبُه، ويبدو أننا اليوم نقول: أعذبُ الإعلام أكذبُه.
آخرُ الكلام: كان أولى بنا- ثم أولى بنا- كعرب أن نبدأ إصلاحات داخلية حقيقية- فى كل دولة عربية- تضمن لنا موقعاً على خرائط المستقبل.
ولكن يبدو أن العرب يفضلون حرب الخليج الرابعة، ليضمنوا لهم موقعاً مُريحاً على خرائط الماضى.
نحنُ- المصريين- فينا ما يكفينا، والخطرُ القريبُ مُقدّمٌ على الخطر البعيد، واللى يعوزه باب البيت يحرم على باب المندب.