x

مراد وهبة كيسنجر والسادات معاً «33» مراد وهبة الأحد 05-04-2015 21:01


لفظ «معاً» يفيد المصاحبة، والمصاحبة تعنى الملازمة، والملازمة لا تقع إلا على فكر مشترك.

والسؤال إذن:

ما هو هذا الفكر المشترك بين كيسنجر والسادات؟

فى مساء 6 نوفمبر 1973 وصل وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر إلى القاهرة فى أول زيارة لمصر. وفى صباح 7 نوفمبر انعقد اجتماع خاص بين كيسنجر والسادات، وإثر انتهاء الاجتماع أعلن السادات أنه قد أمضى أغلب وقت المباحثات مع كيسنجر من أجل فض الاشتباك مع أمريكا وليس مع إسرائيل، لأنه كان يرى أن أمريكا هى وحدها القادرة على تحريك الموقف دون الاتحاد السوفييتى. ومن هنا أمكن لكيسنجر إقناع السادات بقبول استراتيجية التسوية خطوة خطوة، إذ من شأنها إتاحة الفرصة لمصر لكى تتأكد من عدم جدوى الاعتماد على الاتحاد السوفييتى كما يتيح الفرصة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ومصر. وهذا موجز لما قاله حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومى للرئيس السادات فى كتابه المعنون «أمن مصر القومى فى عصر التحديات».

وفى رأيى أن مغزى هذا الموجز أن جذر السلام كامن فى إبعاد الاتحاد السوفييتى تمهيداً للقول بأن أمريكا هى القوة الوحيدة المسؤولة عن إرساء السلام على كوكب الأرض، ومن ثم يتوارى الاتحاد السوفييتى ومع الوقت يتلاشى على نحو ما حدث فى عام 1991.

ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار:

ماذا كان يدور فى ذهن كل من السادات وكيسنجر قبل هذا اللقاء الأول؟

الجواب فى مذكرات كيسنجر التى صدرت فى عام 2009 بعنوان «عام كيسنجر: 1973» بتحرير من المفكر البريطانى أليستير هورن بناء على رغبة كيسنجر. فقد جاء فى مقدمة الكتاب تساؤل من قبل المحرر هو على النحو الآتى: كيف لكاتب بريطانى ملتزم أساساً بالكتابة عن تاريخ فرنسا أن يجد نفسه فجأة يكتب عن أستاذ أمريكى يهودى من أصل ألمانى أصبح فى فترة وجيزة- فى عام 1973- أقوى إنسان بلا منافس فى هذا العالم؟ ومن هنا جاء قول السادات لكيسنجر فى الفصل الثالث عشر من ذلك الكتاب «كنت تواقاً وشغوفاً لهذه الزيارة. فأنا لدى خطة لك يمكن أن يقال عنها إنها خطة كيسنجر». وكان رد كيسنجر «كنت أعرف أننى أتعامل مع إنسان عظيم. إنه يتسم بسكون النفس عند الخطر، وهى سمة ينفرد بها وتلازمه فى تحريك العالم بعيداً عن الأفكار التقليدية ويذهب إلى مكان لم يكن فيه من قبل. وإن المستقبل وحده هو الذى سيخبرنا عما إذا كان السادات يبدأ حركة تاريخية بلا رجعة أو يشبه الفرعون إخناتون فى حلمه بنشر عقيدة التوحيد فى وسط آلهة مصرية كانت رافضة للتوحيد». ثم استطرد قائلاً للسادات: «أعبر عن إجلالى لـ(المفاجأة المذهلة) التى حققتها مصر فى 6 أكتوبر». وهنا نفث السادات غليونه وأذهل كيسنجر عندما قال له: «إن الاتحاد السوفييتى هو العدو الحقيقى». ولا أدل على صحة هذا القول من أنه قد طرد المستشارين السوفييت فى عام 1972 بدعوى أنهم تعاملوا مع المصريين بوقاحة ولكن الأهم من ذلك أنه كان يرى أن وجودهم سيصطدم بخططه الحربية. والغاية فى النهاية استعادة كرامة المصريين. ومن هنا كان كيسنجر على يقين بأنه لن يكون ثمة صدام بين مصالح مصر ومصالح أمريكا، ولهذا حث السادات على التفكير فى السلام مع إسرائيل على أنه مسألة نفسية وليس مسـألة دبلوماسية، وعندئذ يتلاشى التوتر ويبدأ مسار السلام.

والسؤال عندئذ: من أين نبدأ؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية