x

عماد جاد هل أخطأ الدكتور نبيل العربى؟ عماد جاد الأحد 05-04-2015 21:02


يعد الدكتور نبيل العربى الذى يشغل حالياً منصب أمين عام جامعة الدول العربية، من أبرز خبراء القانون الدولى، فهو شخصية متميزة فى مجاله، وسبق له أن شغل منصب عضو فى محكمة العدل الدولية، وكان أحد القضاة الذين فصلوا فى قضية جدار الفصل العنصرى. يعرف عن الرجل الجدية والصرامة والحسم، ويدرج ضمن شريحة محدودة من خبراء القانون الدولى. لم يطرح الرجل نفسه فى يوم من الأيام ضمن أى حلقة من حلقات السجال الداخلى فى مصر، بل آثر الابتعاد عن الجدل فى الشأن الداخلى. قبل نحو أربع سنوات حقق نوعاً من التوافق على منصب الأمين العام للجامعة العربية خلفاً للسيد عمرو موسى، وتقلد منصبه دون صخب أو ضجيج. طوال السنوات الأربع الماضية لم يصدر عن الرجل ما يضعه فى أتون المعارك أو الصراعات من سياسية أو ثقافية، ثم فجأة ودون مقدمات ودون ضرورة أيضاً وربما دون مناسبة، انتزع الكلمة من وزير الخارجية المصرى سامح شكرى طالباً التعقيب على حديث الصراع ما بين السنة والشيعة، وقال ما معناه إنه لم يشعر طوال سنواته الأربع بأى مشكلة تخص السنة والشيعة فى الجامعة العربية، وهو أمر مخالف تماماً للحقائق فالجامعة لم تعرف على مدار السنوات الماضية سوى إدارة الصراعات السياسية والمسلحة على خلفية الانقسام الطائفى السنى الشيعى فى العالم العربى، فأحداث لبنان، سوريا، العراق، البحرين، اليمن محركاتها طائفية بالكامل، وعموماً الرجل حر فى قول ما يراه حتى لو كان مخالفا للوقائع على الأرض فربما أراد ترطيب الأجواء فى مواجهة لهيب «عاصفة الحزم» التى تمثل نموذجاً لحرب إقليمية يكمن البعد الطائفى فى قلبها، وإلا فالسؤال هنا هو لماذا تتحمس تركيا وتشارك باكستان فى حرب لا علاقة لهما بها من قريب أو بعيد سوى المكون الطائفى؟

وأثناء حديث السيد نبيل العربى عن الود بين السنة والشيعة قال إننا لسنا مثل الكاثوليك والبروتستانت لدينا أكثر من كتاب، فنحن لدينا كتاب واحد ونبى واحد وإله واحد! هذا الكلام يعنى أن الرجل يقول إن المسيحيين لديهم أكثر من كتاب وأكثر من إله، وهو قول ينم عن كارثة حقيقية لا تخص نبيل العربى وحده، ولكنها تطول شريحة ضخمة من الدارسين المصريين والعرب، هؤلاء الذين يحصلون على أعلى تعليم ويصلون إلى أعلى المراتب فى مجال التخصص سواء كان علميا تطبيقيا أو فى مجال العلوم الاجتماعية، ولكن لا ينطبق عليه وصف المثقف الذى يعنى المتنوع المعرفة والقارئ فى مجالات غير مجال التخصص، وهذه سمة عامة فى شريحة ضخمة من المتعلمين المصريين والعرب، فقد درسوا مواد التخصص وخصص الوقت للتعمق فى مجالهم، ومن ثم يتميزون فى مجال التخصص وفقط، لا يقرأون خارج مجال التخصص، لا ثقافة حقيقية لديهم، حتى من تتاح لهم فرص السفر والترحال والعيش فى المجتمعات الغربية، عادة ما يغلق على نفسه دائرته الدينية والثقافية، مثل هذه الشخصيات عادة ما يكون رأيها فى الآخر سواء كان فكرة، ثقافة، حضارة أو عقيدة من خلال مرجعيته الذاتية، ويعتبر أن ما تقوله له مرجعيته الذاتية هو الحقيقة المجردة ومن خلالها يشكل معرفته عن الآخر دون أن يكلف نفسه التعرف على الآخر أو القراءة عنه. وللأسف الشديد فإن أمثال السيد نبيل العربى كثر فى بلادنا، ثقافتهم فى الغالب سمعية، ومعلوماتهم الدينية لا تزيد على ثقافة خطباء الزوايا والتكايا، معلوماتهم فى المجال الدينى والعقدى لا تختلف عن معلومات العامة السمعية والقصصية المتوارثة. ما قاله السيد نبيل العربى يقوله يوميا عشرات الآلاف من بسطاء المصريين وعامتهم، وهو أمر نعرفه جميعاً وندرك أنه حصيلة جهل وتخلف ثقافى، وأننا شعوب غير محبة للقراءة والاطلاع، شعوب مغرقة فى الغيبيات والشكليات، لا تعمل العقل أو الفكر، وبهذا المعنى فإن السيد نبيل العربى لم يخطئ فيما قال من أكاذيب وردد من ترهات، فهو ابن بيئة معادية للثقافة والتحضر، مقاومة لاستيعاب القيم الإنسانية، تفرض إطارها القيمى على غيرها وتراه الحق المطلق، وتردد كلاماً محفوظاً دون إعمال للعقل، فالرجل بالفعل لم يكن يقصد الإساءة للمسيحية ولا المسيحيين، فما قال هو ما يعتقده ويؤمن به، الإساءة جاءت من كونه يشغل منصباً رفيعاً هو أمين عام الجامعة العربية، حيث ولدت فكرة القومية على يد مسيحيى الشام، الإساءة جاءت من شخص جلس يوماً ما على كرسى فى محكمة العدل الدولية، الإساءة جاءت من رجل يظنه البعض مثقفاً، فما كان منه إلا أن برهن على أنه جزء من عامة درست وتخصصت لكنها لم تثقف نفسها على النحو الذى يناسب المنصب الذى يشغله. ويكفى أن نعرف أن السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية لا يعرف أن المذاهب الثلاثة الكبرى فى المسيحية (الكاثوليكية، البروتستانتية والأرثوذكسية) وما يتفرع عنها يؤمنون بكتاب واحد هو الأناجيل الأربعة، ويقولون «إله واحد آمين». إنها ليست مشكلة نبيل العربى وحده ولكنها مشكلة عامة تخص القطاع الأكبر من المتعلمين المصريين والعرب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية