x

أنور الهواري جمهورية مصر الديمقراطية..! أنور الهواري السبت 04-04-2015 21:18


باختصار شديد: ليس أمام مصر من خيار إلا أن تقرر الانتماء إلى العالم الديمقراطى، جمهورية مصر الديمقراطية هى الجسر الوحيد المتاح إلى المستقبل، الانتماء الديمقراطى هو المخرج الأكيد من المأزق العربى الراهن، أجّلنا هذا القرار منذ ثورة 23 يوليو 1952م، ربما لأن الديمقراطية كانت تعنى «العهد البائد»: أى الملكية والاستعمار معاً. المبدأ الرابع الذى وضعته ثورة يوليو- ضمن مبادئها الستة- ثم تجاهلته: إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

أهلاً، ثم أهلاً، ثم أهلاً: بانتماء مصر العربى، وبانتمائها الإسلامى، وبانتمائها الأفريقى، فهذه حقائق وجودية مطلقة لم تعد محل جدال ولا نقاش، نسعد بها أو نشقى، نلتزم بها قليلاً أو كثيراً، نعتز بها أو نشكو منها، لكنها فى كل الأحوال معنى وجودنا، بما فى الوجود من خير وشر. فما كان لمصر- فى أى حقبة من أحقاب تاريخها الطويل- أن تعيش وحدها أو تعتزل غيرها أو تنكفئ على ذاتها. العكس صحيح: مصر كانت وستظل قلباً فى جسد أكبر يتمدد فى أطراف العالم القديم بقاراته الثلاث.

لكن ما أطرحه اليوم هو: ماذا نحن فاعلون بصدد المستقبل؟! ماذا نحن فاعلون وانتماؤنا العربى يمزّق نفسه بنفسه، ويستدعى من تاريخه الجاهلى والإسلامى أقبح ما فيه من غرائز وتعصب وضيق فى الأفق؟! ماذا نحن فاعلون وانتماؤنا العربى يسوق نفسه بنفسه إلى نهاياته المصيرية المحتومة؟! هل نخوضُ مع الخائضين ونحارب- عبثاً- مع المحاربين؟! هل نقف تحت السلاح ونستظل بظلال السيوف نُجيبُ دعوة كل داعٍ للقتال؟!

باختصار شديد: هذه هى الصورة المجملة للعالم العربى فى كل محاوره الرئيسية:

أولاً: المشرق العربى، أى كل ما يقع شرق قناة السويس- كما كان يسميه الإنجليز، مع ملاحظة أن تسمية الإنجليز كانت تعنى مستعمراتهم من شرق السويس حتى شرق آسيا - هذا المشرق العربى: دول الخليج الست واليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، يمكن القول فيه ما يلى:

للأسف الشديد، كل دولة- باستثناء لبنان وسلطنة عُمان- منخرطة الآن فى حالة حروب داخلية وبينية لم تحدث فى التاريخ المكتوب أبداً، وقد زادت هذا الحرب العبثية خطورةً بقرار خمس من دول مجلس التعاون أن تتورط- بكامل إرادتها- فى حرب اليمن، على ظن منها أنها- بذلك- تواجه نفوذ إيران، بينما هى- فى الحقيقة- تضع نفسها فى اختبار عصيب، وتعطى إيران الفرصة لاستدراجهم جماعياً فى الفخ اليمنى، فيتقلص النفوذ الخليجى فى الخليج نفسه، ويزداد النفوذ الإيرانى فى الخليج وفيما وراء الخليج.

ثم إن هذا المشرق العربى- بكل وضوح- كان هو مسرح سايكس- بيكو الأولى قبل مائة عام، وكذلك فإن هذا المشرق العربى- بكل حزن وألم- سوف يكون هو ملعب سايكس- بيكو الثانية بعد أعوام قليلة. ونتمنى أن تبقى كل من عُمان ولبنان بعيداً عن الانزلاق، لأن هذا الخيار- لو تحقق منه شىء- فإن هذا المشرق العربى لن يتبقى منه شىءٌ.

ثانياً: المغرب العربى: ليبيا فى الضباب، تونس تتعرف طريقها، الجزائر حسمت الخيار الإسلامى- بعشر سنوات من السلاح- لكنها لم تحسم خيارات المستقبل الواقفة على عتبة الباب، المغرب تجدد فى أداء المؤسسة الملكية، مثلما تجدد فى احتواء الخيار الإسلامى.

ثالثاً: وادى النيل: السودان انقسم إلى دولتين، ومصرُ تستعيدُ قوة الدولة لكن بالأساليب القديمة نفسها التى سبق أن أنهكت قوى الدولة.

رابعاً: خريطة الصراع الوجودى فى العالم العربى يمكن اختصارها فيما يلى:

رقم واحد، فى القلب: خرج العربُ من الصراع العسكرى مع إسرائيل بخروج مصر من الحرب باتفاق السلام فى كامب ديفيد 1979م، وانتهى خروجُ مصر بهيمنة غير مسبوقة لإسرائيل على جوارها العربى من غزو بيروت 1982م إلى غزو غزة 2014م.

رقم اثنين، فى الشرق: دخل العربُ الصراع مع إيران- بعد ذلك بشهور قليلة- من 1980م إلى 1988م، حيث تقدم العراقُ للحرب ووقف من ورائه كل العرب ربما باستثناء سوريا، وانتهت بفقر العراق، ثم غزوه للكويت، ثم إسقاطه بكامله، حتى تم تسليمه- بالمفتاح- لإيران.

رقم ثلاثة، فى الجنوب: دخل السودانُ فى حرب أهلية طويلة من 1983م إلى 2005م، بين شماله وجنوبه، انتهت بتقسيمه، أضعفت من وزن السودان العربى، وأضعفت من حضور مصر، ومهدت الطريق لهذه الجرأة الإثيوبية.

أخيراً: يشتبك العربُ فى نمط جديد من الحروب: منها حروب الإرهاب، حروب مذهبية، حروب بالوكالة، بينما شركاؤهم فى الإقليم: إيران، تركيا، إسرائيل، إثيوبيا، يتفرجون علينا، ويعدون أنفسهم للسباق العاصف نحو المستقبل.

خلاصةُ الكلام: قبل مائتى عامٍ شقت مصرُ للعرب طريقاً نحو الحداثة، دون أن تكون لها مزاعم عربية أو أيديولوجيا قومية أو أناشيد حماسية.

واجبُ مصر اليوم: أن تنأى بنفسها- دون أن تتخلى عن أشقائها- بعيداً عن استدراج المشرق العربى بأكمله نحو التفكك والسقوط، فالخوفُ هو: أن تلحق الجزيرةُ بمصير الهلال الخصيب.

مصرُ وجب عليها أن تتقدم لعضوية النادى الديمقراطى فى العالم المتحضر، ثم عليها أن تشجع العرب على اللحاق بمواكب الهدى والنور.

وهذا هو الطريق، وإلا فإن التدمير الذاتى لن يتوقف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية