عشرة أيام ومازال الآلاف من رجال شرطة الاحتلال الإسرائيلية ينتشرون بكثافة غير مسبوقة فى مختلف أرجاء مدينة القدس المحتلة، بدعوى منع الصدامات اليومية بين المصلين الفلسطينيين واليهود، كما تبقى حالة التأهب القصوى معلنة داخل وخارج المدينة وفى المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى وفى باحتها، بما أصبح يهدد بانفجار وشيك لانتفاضة ثالثة، كل ذلك يأتى مواكباً لموسم الأعياد اليهودية الحالى، الممتد طوال الأيام العشرة الأولى من «تشريه»، أول أشهر السنة الجديدة بحسب التقويم العبرى.
تبدو مدينة القدس فى هذا الإطار على صفيح ساخن، مع احتقان الوضع الأمنى وتصاعد التوتر الناجم عن المصادمات اليومية بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين المحتجين على إجراءات التضييق فوق العادة التى تتخذها سلطات الاحتلال فى مثل هذه الأيام من كل عام من إغلاق تام ومتواصل لمداخل المدينة المقدسة ومخارجها، ومنع للمصلين من دخول باحة المسجد الأقصى، وهى الإجراءات التى لا تقتصر كما العادة على أيام الجمع فقط، وإنما تمتد طوال الأيام العشرة الأولى من السنة العبرية لتصل ذروتها فى أعياد الغفران والعرش أو (المظلة)، التى يحيى فيها اليهود ذكرى خروجهم من مصر.
وتبدأ طقوس الأيام العشرة «المقدسة» عند اليهود بيوم رأس السنة «روش هاشانا»، الذى تعتبره التوراة «فرصة أخيرة لتغيير المصير الشخصى أو مصير العالم فى السنة التالية»، وتنتهى بيوم الغفران «كيبور»، المتمم لأيام التوبة العشرة، والمخصص عند اليهود للصلاة والصيام فقط (يصومون طوال 25 ساعة)، وهو يوم الصوم الوحيد الذى تأمر به التوراة، ويطلقون عليه يوم «إذلال النفس»، «حتى يتطهر الفرد من ذنوبه»، بتعداد خطاياه وتأملها والتوبة عنها.
طالما كان عيد الغفران يوماً روحانياً عند الإسرائيليين، لكنه منذ عام 1973، بدأ يأخذ منحى جديداً، فبات الإسرائيليون يستقبلون عيدهم المقدس مغلفاً بذكريات الهزيمة المريرة التى مُنى بها جيش الاحتلال الإسرائيلى يوم 6 أكتوبر، بعد إطلاق شرارة الحرب الأولى وعبور قناة السويس واقتحام خط «بارليف»، بينما كانوا هم غارقين فى ابتهالاتهم داخل ثكناتهم العسكرية، خاصة أنه فى هذا اليوم يلتزم – حتى العلمانيون منهم – بالتوقف عن جميع الأنشطة، فتتعطل جميع مرافق الحياة والمواصلات طوال 25 ساعة، وتغلق المطاعم والملاهى أبوابها، وتتوقف جميع وسائل الإعلام عن البث.
ومنذ ذلك التاريخ وطوال مراحل العملية السلمية، صعوداً وهبوطاً، كانت لانتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلية طوال العام فى مدينة القدس انعكاساتها على فترات الأعياد الدينية، يهودية وإسلامية، لما تحمله من حساسية تمثل الطابع الرئيسى لتلك المدينة، لذا جاءت الإجراءات الاحترازية المصاحبة لفترة الأعياد اليهودية، هذا العام، مشحونة بالتوترات والاشتباكات لدرجة لا يستبعد معها الكثيرون تفجر انتفاضة ثالثة، لاسيما مع إمعان حكومة رئيس الوزراء اليمينى بنيامين نتنياهو منذ مجيئها فى أبريل الماضى فى تكريس بناء المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس، بشطريها الغربى المحتل، والشرقى، محل التفاوض، فضلاً عن الحفريات المستمرة التى تهدد سلامة المسجد الأقصى، بدعوى التنقيب عن «هيكل سليمان»، ومحاولات تهويد قرى الضفة الغربية ومدنها ذات الأغلبية العربية، وأقرب مثال على ذلك حى الشيخ جراح، وحى سلوان، الذى قطع الاحتلال أوصاله بجدار الفصل العنصرى.