x

أنور الهواري ماذا فهم العربُ من الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى؟ أنور الهواري الجمعة 03-04-2015 20:56


اسمع كلامى: المعنى الكبير للاتفاق الإطارى بين إيران والقوى الغربية: أن تؤجل إيران مشروعها النووى فى مقابل دور معلوم فى الترسيم الجديد لخرائط العالم العربى، أى سايكس- بيكو الثانية.

نحنُ- العرب- نُفضل الفهم المتأخر، هذه هى عادتُنا التى لم نتخلص منها، منذ أشعلنا الثورة العربية الكبرى قبل مائة عام، ننشدُ من ورائها الاستقلال عن الخلافة العثمانية، لنكتشف بعد سنوات قليلة: سقوط الخلافة نفسها، ثم سقوطنا الكامل فى قبضة استعمار أفدح وأنكى، استعمار كان قد وعدنا بالاستقلال فى مقابل أن نقف إلى جواره فى الحرب العالمية الأولى ضد دولة الخلافة وحلفائها، بينما كانت مطابخه تجهز لنا الوجبة القاتلة لكل مطامحنا القومية: سايكس- بيكو الأولى.

إلى اليوم: عندنا من العرب من لا يريد أن يصدق أن سايكس- بيكو الثانية، أى التقسيم الثانى للعالم العربى، قد بدأ التفكيرُ فيها منذ انتهت حرب الخليج الأولى فى فبراير 1991م. ثم شهدت أول تطبيق عملى لها- بعد ذلك بعشر سنوات أو أكثر قليلاً- أى فى حرب الخليج الثانية بغزو العراق 2003م، وما أعقبها من إطلاق قوى الفوضى الخلاقة 2004م، وقد نجحت فى زعزعة كل الثوابت فى العالم العربى، حتى لم يبق شىءٌ على حاله. وهذا هو العالم العربى بأكمله يفقد كل مناعته الذاتية، وينهمك فى مباراة مفتوحة من التدمير الذاتى غير المحدود.

لهذا السبب: فزعتُ من القرار السعودى بالتورط العسكرى فى اليمن، لأن هذه هى الخطوة المطلوبة لإلحاق دول الخليج العربية فى منظومة الفوضى الخلاقة، وأرجو ألا ننسى أن العراق سقط فى الفخ، وكان حتى عام 1980م هو القوة رقم واحد فى تلك المنطقة، كان أقوى من إيران نفسها، وبعد ثلاثين عاماً من ذاك التاريخ أصبح العراقُ نموذجاً جاهزاً لكيف تُستدرج دولة عربية قوية للمغامرات العسكرية فى الخارج أو للاضطرابات السياسية فى الداخل، ثم لا تتركها إلا وهى أشلاء وحطام، جاهزة للتقسيم فى أَجَلٍ قريب أو بعيد. ثم بدأ النموذج يُستنسخ ويتكرر فى سوريا، وكانت بلداً قوياً، ثم ليبيا، ثم اليمن، والبقيةُ تأتى.

أتفهم صدمة الأشقاء فى السعودية والخليج من مراوغة الحليف الأمريكى، لكن علينا أن نعترف بأن الصدمة جاءت متأخرة، كذلك علينا أن نتمهل فى ردود الفعل، وألا نسوق ما بقى من بلادنا- دول الخليج- إلى المصير المحتوم، فلن تكون أكثر حصانةً من دول ذات حيثية مثل العراق وسوريا. وهنا ينبغى أن نسجل عدة ملاحظات:

أولاً: سايكس- بيكو الثانية آتيةٌ لا ريب فيها، ومن يُرِد أن يتعامى عن الواقع ويمشِ وراء تمنياته فله ذلك، لكنها قادمة قادمة، ولن تستثنى أحداً، كل الدول العربية التى أُسست ورُسمت حدودُها وسُجلت شهادةُ ميلادها بعد الحرب العالمية الأولى، أى بموجب سايكس- بيكو الأولى، أى بموجب الإرادة الأوروبية، سوف تتعرض لإعادة هندسة جذرية فى سايكس- بيكو الثانية، لكن بموجب توافق دولى، وتحت القيادة الأمريكية.

ثانياً: إيران لها مقعد محجوز- بموجب الاتفاق النووى- فى غرفة رسم الخرائط، فهى من أصحاب الكلمة المسموعة فى العالم العربى، من صعدة اليمنية على الحدود مع السعودية إلى غزة الفلسطينية على الحدود مع مصر، المشرقُ العربى- بأكمله- يرقد بين أطراف الكماشة الإيرانية، إيران لن تكون- فقط- من الشهود على تقسيم التركة العربية، لكنها- وبكل أسف- سوف تكونُ من أهل الغنيمة ومن أصحاب القسمة.

ثالثاً: نحنُ- العرب- مازلنا نجترّ كلاماً لم يعد له معنى: الأمن القومى للست أم شلبى من الأمن القومى للست أم بدوى. ارحمونا، ارحموا أنفسكم، لعل الله يرحمكم. أمن قومى عربى إيه يا عرب؟! الوجود العربى- كما نعرفه- لن يكون له وجود أصلاً. نحن بإزاء وجود عربى لا نعرف شكله ولا مضمونه ولا محتواه، وجود عربى خرجت منه دول كثيرة وذهبت إلى مصيرها التقسيمى المجهول، ودول عربية أخرى تستعجل نفسها بنفسها وتريد اللحاق بشقيقاتها. الوجود العربى الراهن هو حالة اهتراء مترنحة يجسدها خير تجسيد السيد نبيل العربى- أمين الجامعة العربية- الذى يترنح وهو صامت، والذى يكاد يقع على الأرض إذا قرر أن يتكلم.

رابعاً: إيران مشغولة مع الكبار، وتتعامل مع نادى الكبار، وتفاوضت بفريق وبتكتيك يجعلها تكسب احترام الكبار، ولم تُلق لنا بالاً ونحن نشكل التحالف العسكرى للحرب فى اليمن بدعوى مواجهة خطر إيران، السيد العربى حسن نصر الله [حزب الله] أدى الغرض، والسيد العربى عبدالملك بدر الدين الحوثى [حركة أنصار الله] يقوم بالواجب. بصراحة: منظرنا مش حلو خالص.

خامساً: رحلة إسقاط العراق- حتى تجهيزه للتقسيم- استغرقت ثلاثين عاماً أو أكثر، دول عربية كثيرة سوف تستغرق سنوات أقل من ذلك بكثير، لكن- فى كل الأحوال- السنوات القادمة سوف تشهد تسريعاً عالياً فى معدلات التفكيك، خاصة للدول العربية التى ظلت بمنأى عن هذه العملية فى السنوات الماضية.

آخرُ الكلام: المشكلة لم تعد فى تهديد الأمن القومى العربى، المشكلة فى ضمان الوجود العربى من أصله، وهذا ما فهمه أوباما حين أراد أن يطيّب خاطر الأشقاء فى دول الخليج الست بدعوة إلى لقاء فى كامب ديفيد هذا الربيع.

والحديثُ مُستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية