x

أحمد خير الدين توفيق الحكيم في أبوزعبل أحمد خير الدين الأربعاء 01-04-2015 21:19


في عام 1937 ظهرت للنور «يوميات نائب في الأرياف».. مشاهدات توفيق الحكيم أثناء عمله بالنيابة في أرياف مصر، والتي تعاملت معها صحف العالم والنقاد في كبريات المطبوعات الأدبية بعد أن ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية باعتبارها شهادة ومعايشة أدبية لوقائع الظلم والفساد. عن حياة المهمشين ومتواضعي الحال من المزارعين.

كانت الرواية مع ظهورها حدثا مهما في قالبها السردي وحسها الفكاهي ومسرح أحداثها، واعتبارها وثيقة تسجل حالة الفقر والجهل في الأقاليم البعيدة التي تركها أحفاد محمد على للإقطاعيين والعمد وأصحاب الأراضي واهتموا هم بالقاهرة التي أرادوها قطعة من أوروبا. تغيرت الأنظمة وتبدلت الأحوال وبقي الجزء الذي يسجل فيه الحكيم الفارق الشاسع بين القانون وروحه، والاجراءات وما تحققه من عدالة، والسجلات والحيثيات والوقائع الفعلية، ظل كل هذا قريبا إلى حد كبير مما وصفه الرجل قبل هذا العمر بكلمات وأوصاف لا تستطيع أن تستبعدها وأنت تعيد النظر إلى مشهد العدالة في السنوات الأخيرة.

كنا في انتظار بدء جلسة المتهمين في إحدى القضايا في قاعة أعدت على عجل داخل معهد أمناء الشرطة بطرة.. القضايا كثيرة والقضاة كذلك مطالبون جميعا بنظر كل القضايا هنا، والمتهمون مكدسون في قفص زجاجي معزول لا يسمع صوتهم إلا إذا أمر القاضي. لقضايا الإرهاب أولوية فنقلوا هذه القضية إلى مكان آخر. فوجئنا بأن المكان الآخر اإحدى طرقات معهد أمناء الشرطة.. جلس الفتيات والفتيان المتهمون في القضية على الأرض وفصل مجندون بين المتهمين والمحامين الذين وقفوا جميعا أمام قضاة جالسين على كراسي متفرقة وضعت في الممر، وفي الجلسة التي تلتها كان الموعد في قاعة حجز صغيرة، انقطع التيار الكهربي داخلها فوقف نقيب المحامين سامح عاشور يترافع أمام المحكمة على أضواء الهواتف المحمولة.

«وهرول الجميع الكاتب والجاويش والمسجون في ذيل حارسه مربوطا في السلسلة كأنه كلب، وجروا كلهم خلف القاضي الراكض. هذا منظر مألوف لأهل البلد في يوم هذه الجلسة. فإن المعارضات المتأخرة والتجديد لأوامر الحبس تنظر وتمضي في «بوفيه» المحطة قبل قيام القطار بدقيقتين، ويتحرك القطار وقدم القاضي مازالت على الرصيف والأخرى في العربة الأخيرة وهو يقول: رفض المعارضة واستمرار حبس المتهم»

****

بعد أن زارت لجنة من المجلس القومي لحقوق الانسان سجن أبوزعبل للتحقق من اتهام الصحفي أحمد جمال زيادة لإدارة السجن بتعذيبه وإساءة معاملته، خرج في المساء على أحد برامج التوك شو أحد أعضاء اللجنة ليؤكد أن ما رآه به عدد من التجاوزات ويحتاج المراجعة لكن مساعد وزير الداخلية لحقوق الانسان قال إن «بعض المسجونين» وليس الجميع هو من يشتكي من وجود تعذيب. ثم أضاف أن النقيب طبيب السجن قام بفحص «جمال زيادة» وقال إنه يرجح أن تكون الآثار في ظهره ناتجة عن وحمة قديمة.

«شعرت أن كرامة عملي في خطر فصحت: لابد أن أفتش السجن بنفسي والمركز كله، ونهضت في قوة وعزيمة أزعجت المأمور فتردد ثم قال في رفق: تفضل السجن تحت أمرك.. انتظر سعادتك دقيقة واحدة. وخرج سريعا من الحجرة وهو ينادي: يا شاويش عبدالنبي.

واختفى عن عن نظري ودفعني إلى النظر من نافذة للحجرة تطل على فناء المركز فرأيت المأمور والجاويش يسرعان إلى سجن المركز ويفتحانه ويخرجان منه أشخاصا تدل هيئتهم على أنهم من أهالي النواحي ذوي الرخاء ويزجان بهم في حجرة التبن والعلف ويغلقان عليها بابها بالمفتاح. فقلت لعبدالمقصود أفندي: تعال وطل بعينيك.. ده ولا سجن الباستيل.. المأمور أخفى بعض الأهالي في أودة التبن

فقال لي عبدالمقصود في شيء من التوسل: يا بك الوقت بطال، والسياسة متحكمة في البلد..مفيش داعي للتدقيق«

***

كانت المباراة مستمرة في الراديو وأنا في طريقي إلى مشرحة زينهم بعد أن وصل خبر الكارثة التي جرت على بوابات ملعب كرة قدم في مباراة لأحد أهم فرق مصر تاريخيا، الجثث تصل والواقفون يعدون على أصابعهم خشية أن تخفي الدولة الأرقام، وعند ركن قصي جلس شاب منهار يحكي مشهد التكدس في القفص الحديدي والقاء الغاز المسيل ومطاردة الهاربين. بعد أيام خرج بيان النائب العام ليتهم جماعة الإخوان ورابطة وايت نايتس بالقيام بإحداث شغب وعنف لنشر الرعب بين المواطنين وإلغاء النشاط الرياضي وإفشال المؤتمر الاقتصادي.

حوار بين النائب والمأمور بعد تغيير وزارة :«

- المركز مش فاضي اليومين دول للخنق والحرق

- عجايب.. انتم لكم شغل غير المحافظة على الأمن ؟

- يعني حضرتك مش فاهم

- لأ.. مش فاهم

- نترك الانتخابات ونلتفت للقتل والخنق؟

- طبعا

- التعليمات اللي عندنا غير كده«

***

جلس د.هشام عبدالحميد المتحدث باسم الطب الشرعي أمام أحمد موسى، ظهرت على الشاشة واحدة من مؤلفاته عن التشريح.. استعرض أشكال الإصابات بالخرطوش وأحجام الإصابات ثم قال: شيماء الصباغ بالعلم لا تموت لكنها كانت «جلد على عضم» ونحيفة أكثر من اللازم فماتت.

«لماذا لم يعد منظر الجثث أو العظام يؤثر في مثلي وفي مثل الطبيب، وحتى في مثل اللحاد أو الحراس هذا التأثير؟ يخيل إلى أن هذه الجثث والعظام قد فقدت لدينا ما فيها من رموز فهي لا تعدو في نظرنا قطع الأخشاب وعيدان الخطب وقوالب الطين والآجر. إنها أشياء تتداولها أيدينا في عملنا اليومي. لقد انفصل عنها ذلك الرمز الذي هو كل قوتها. نعم. وماذا يبقى من كل تلك الأشياء العظيمة المقدسة التي لها في حياتنا البشرية كل الخطر لو نزعنا عنها ذلك الرمز أيبقى منها أمام أبصارنا اللاهية غير المكترثة غير جسم مادي حجر أو عظم لا يساوي شيئا.. ما مصير البشرية وما قيمتها لو ذهب عنها الرمز».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية