رغم كل ما مرت به العراق من ظروف سياسية خلال السنوات الماضية إلا أنه وفقا للتقارير ظلت أوضاع التعليم «لابأس بها» حسب وصف معظم التقارير الدولية، وظل الأمر كذلك حتى دخول التنظيم الإرهابى «داعش» وسيطرته على بعض المناطق والمحافظات هناك.
الأمر لم يتوقف على تأثر المدارس بالنزاعات المسلحة وتحطيم البنية التحتية للتعليم، إذ بدأت داعش وبعد دخولها مباشرة على محاولة عمل إحلال شامل للنظام التعليمى، فأنشأت وزارة تعليم «داعشية» للقضاء على كافة مظاهر التحضر وإعادة الطلاب للعصر الحجرى وإشاعة الفتنة الطائفية وإلغاء ما سمته بالمواد المخالفة للشريعة.
ويحكى مستشار وزير التعليم العراقى، إبراهيم عبدولى لـ«المصرى اليوم» ما فعلته داعش بالتعليم قائلا «بمجرد دخولهم إلى العراق وسيطرتهم على بعض المحافظات افتتح داعش حكمه بالسيطرة على المدارس، وأسسوا وزارة موازية للتعليم سموها «ديوان التعليم» وأضاف عبدولى لـ«المصرى اليوم»: أصدر الداعشيون عدة بيانات مع بداية العام الدراسى أكدوا فيها على ضرورة الالتزام بتعليماتهم مهددين المخالفين بأشد أنواع العقاب وقالوا إن ما سموه بـ«ديوان التعليم» - الوزارة الداعشية ـ تم إنشاؤه لمتابعة المناهج وإدارة العملية التعليمية بشكل لا يخالف الشريعة.
وعن التغييرات التى أدخلتها داعش على التعليم قال «فى البداية استخدمت المناهج الرسمية مع التنبيه على بعض المحاذير، فقام مثلا فى العلوم بإلغاء نظريات بعينها لكونها تحث على الكفر» حسب وصفهم وتم حظر كافة المواد، التى تشير إلى نظرية التطور التى قدمها داروين حول نشأة الإنسان، نظراً لأنهم يرون أن خالق البشر هو الله وحده ولا يوجد أساس لتطور الإنسان وأن النظرية تخالف القرآن.
وأضاف «تنص التعليمات الداعشية أيضاً على حذف اسم الجمهورية العراقية أو السورية من كافة المناهج التعليمية أينما وجدت واستبدالها بـدولة الخلافة بجانب شطب كل الصور المنافية للشريعة حسب رؤيتهم» تتضمن الخرائط وصور المرأة.
وأكمل عبدولى حديثه قائلا «مع بدء العام الدراسى بشكل رسمى أصدر الداعشيون قنابل موقوتة فى حق التعليم، إن استمرت قد تدمر ما تبقى من الدولة لما لها من دلالات خطيرة، ففى محافظة نينوى والموصل والقرى المسيطر عليها قاموا بإلغاء بعض المواد التى يعتبرها مخالفة للشرع والدين، فألغى التربية الرياضية والموسيقية وفصول الرسم والوطنية «التربية الوطنية» والتاريخ والجغرافيا، كما قاموا بالغاء التربية الدينية المسيحية من الأساس ومنع تدريسها بالمدارس لاعتبارها نوعا من نشر الكفر.
لم يكتف داعش بذلك وإنما أجبر الطالبات على ارتداء النقاب وقام بفصل الطلاب عن الطالبات وإضافة كتب دينية شاذة تدرس الفكر الإرهابى الذى يتبناه التنظيم. وأضاف عبدولى »أجبر الداعشيون المعلمين على الانتظام فى العمل وربط رواتبهم بالمواد التى يدرسونها حيث أجبروهم إلى التطرق إلى أمور تخص السنة والشيعة والتقليب فى القضايا التاريخية عن أهل البيت والخلافة غيرها، وقاموا بحذف جميع صور السيدات من الكتب«.
وشدد على أن التنظيم سيطر على رواتب المعلمين بالكامل التى توفرها الحكومة ما اضطر بعض الإداريين والمعلمين إلى الفرار لتبقى المدارس بها طلاب مجبرون على التعليم الذى فرضه التنظيم ومدرسون ليس لديهم بديل سوى التدريس بمغالطات تاريخية ودينية تحت تهديد السلاح.
وقال »كل من اعترض على المناهج أو المغالطات العلمية أو التاريخية كان مصيره الاعتقال وأسرته واختفوا بدون أى علم عن مصيرهم حتى الآن كما تم تصفية الكثير منهم جسديا واغتيالهم بشكل علنى ليكونوا عبرة لغيرهم«.
ويحكى عن تصرفات داعش غير المنطقية قائلا »عند إعلانهم عن العام الدراسى أعلنوا نجاح الجميع فى صفوف النقل دون اختبارات بدون أسباب واضحة معللين ذلك بأنه جاء نتيجة توقف الاختبارات فى محافظات أخرى وقت «الفتح» على حد قولهم وهو الوقت الذى دخلوا فيه إلى المحافظات وسيطروا عليها.
وبالنسبة للتعامل مع وزارة التربية والتعليم الرسمية والموقف منها قال «ألغى الداعشيون كلمة الوزارة من كافة المناهج وقاموا بطبع كتب جديدة مكتوب عليها «ديوان التعليم» وهو الاسم الذى اختاروه لإدارة التعليم.
ويرى عبدولى أن أوضاع المعلمين كانت الأصعب حيث لم يكن لديهم اختيارات فالموقف كان صعبا للغايةعليهم، فكانوا حائرين ما بين مخالفة ضمائرهم والانصياع لأوامر داعش أو تعرضهم وأسرهم للقتل وقال «الأمر صعب للغاية ومعقد ويحتاج إنقاذا إلهيا».
بعد إلغاء بعض المواد أصبح المعلمون عاطلين وسيطر الداعشيون على رواتبهم وأخذوها غنائم لهم واضطر المعلمون للهرب لمحاولة العيش فى مكان آخر واستطاعت الوزارة استيعاب بعض النازحين فى المدارس بالفعل.. قالها عبدولى
ووحد الداعشيون الزى الأفغانى لكل المدرسين والنقاب بالنسبة للفتيات وقاموا بتطبيق نظام (الحسبة) وهو معاقبة أى معلمة على كشف وجهها بالإضافة إلى وجود فرد من داعش داخل كل مدرسة للتأكد من تنفيذ تعليماتهم وقال «تخيلوا التعليم تحت تهديد السلاح فى وزارة التربية والتعليم الداعشية» وبالنسبة لمن فر من المعلمين خوفا من الاضطرار لتنفيذ تعليماتهم قام الداعشيون باحتجاز أموالهم ونهب ممتلكاتهم.
وفسر عبدولى اهتمام داعش بالتعليم تحديدا عن غيره من المجالات قائلا: «داعش تريد حذف الحضارة والتاريخ وغسل عقول الطلاب لإنتاج جيل يحمل أفكارا إرهابية لاستغلالهم فى الحروب والصراعات السياسية والطائفية»، وأضاف يريدون حذف تاريخ وحضارة العراق وإلغاء معالم الثقافة والأدب، ففى الأدب مثلا ألغوا القصائد التى تتحدث عن حب الوطن والانتماء تمهيدا لقتل أى روح لدى الطلاب وتحويل انتمائهم بالكامل إلى الأفكار المتطرفة والمبتورة.
وعن عدد المحافظات التى سيطرت داعش على مدارسها قال «الموصل ونينوى من أكثر المناطق المتضررة، ومع بداية العام أحجم جميع أولياء الأمور عن إرسال أبنائهم للمدارس بالطبع خوفا عليهم ولكن عندما لاحظ الداعشيون ذلك أصدروا أوامر صارمة بضرورة الانتظام فى الدراسة حسب النظام الجديد أو التعرض للقتل والاعتقال».
ويكمل حديثه قائلا الحرب فى البداية دمرت البنية التحتية وهو ما تسبب فى اكتظاظ المدارس بالأبنية والصفوف وفى مارس عام 2014 دخل تنظيم داعش الإرهابى محافظة صلاح الدين وكركوك وصلاح الدين ونينوى وحاولت وزارة التربية التعامل مع هذا الوضع الخطر ومعالجة المواقف كلا حسب الحاجة وكان العبء الأكبر فى النجوع والمحافظات حيث سيطر الداعشيون خاصة فى إقليم كورستنان فى آربيل تحديدا، إلا أنه كان الاستمرار فى المدارس ضرورة حتى نضمن عدم التسرب أو التوقف الكلى.
ولفت «عبدولى» إلى أن المناطق المسيطر عليها من قبل داعش حاولت الوزارة اللحاق بما يمكن اللحاق به وتدارك الأمر ففعلت نظام الاختبار عن طريق نظام المنازل وخصصت الفضائية العراقية لهذا الغرض لتبث المناهج كاملة على مدار اليوم وتقديم دروس وشرح واف للمناهج فى محاولة بائسة لتدارك الوضع، مرجحا أن تصل أعداد النازحين إلى 300 ألف طالب من المدن المسيطر عليها الداعشيون، إلا أن باقى الطلاب لم يتمكن من إنقاذهم. مؤكدا وجود نحو 500 ألف طالب خارج سيطرة الوزارة وتحت سيطرة داعش يمثل خطورة بالغة على عقولهم وما يمكن أن يتم استخدامهم فيه خاصة أنهم أجبروا على الدراسة والمداومة على الطريقة الداعشية.