x

جريمة قتل عمد

الأربعاء 30-09-2009 23:00 |

كمية الغم التى نعيشها وتطالعنا الصحف ببعض جوانبها كثيرة، بل أصبحت هى القاعدة، والاستثناء هو الشىء المفرح، والذى يبعث فينا الأمل، ومن أشد ما قرأت إيلاماً ما جاء فى «المصرى اليوم» حول «قرار الحكومة بتأجيل قرار إزالة زراعات المجارى إلى ما بعد انتخابات الرئاسة»

ولم أصدق عينى وأنا أعيد قراءة الخبر مرات ومرات وأنا أتساءل أى حكومة هذه التى تؤجل إزالة مزروعات تعرف أنها ستودى بحياة مئات الآلاف إن لم يكن ملايين المصريين إلى ما بعد انتخابات الرئاسة،

وذلك خوفاً من إثارة غضب المزارعين المخالفين لكل القواعد والقوانين والذين انعدمت ضمائرهم فانتقموا منا نحن المواطنين برى ما نأكله بمياه الصرف غير المعالجة، لأننا الحيطة المايلة ولثقتهم فى أن الحكومة لا تقدر أبداً على زعل أصحاب النفوذ أو المصالح،

واستطراداً ألح علىّ سؤال أتمنى الإجابة عنه: كم يبلغ عدد المزارعين الذين فردت عليهم الحكومة مظلتها لحمايتهم حتى من مجرد التوقف عن الاستمرار فى زراعة المحاصيل القاتلة؟ وهل هم أكثر عدداً من المستهلكين الذين استهلكهم كل صاحب ثروة أو نفوذ أو أرض؟

وكيف تكون الحكومة حريصة على عدم إغضاب بضعة آلاف من المزارعين لضمان أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية وتتجاهل الضحايا الذين يعدون بالملايين والذين إن هى أنصفتهم مرة واحدة بوقف جريمة قتلهم عمداً ومع سبق الإصرار، ربما توافدوا على مكاتب الاقتراع وانتخبوا فعلاً وهو ما يرفع عنها عبء التزوير المعتاد..

لماذا لا تجرب الحكومة ولو مرة واحدة الوقوف فى صف الشعب وليس مَنْ يقتلون، وكيف تتمادى فى الاستخفاف بحياة الملايين وتُمهل الملوثين فترة إضافية تصل إلى نحو عامين لاستكمال مشروع إبادة بضعة ملايين مادامت لجان وأجهزة تنظيم النسل تعانى نفس الفشل، حيث تسمع المرأة كلاما جميلا عن تنظيم النسل وتربية طفلين أو ثلاثة تربية محترمة بدلا من إنجاب عشرة أطفال ينضمون إلى قوافل المتسولين والمشردين وأطفال الشوارع ثم تخرج عليها «الفضائيات الدينية» وتحذرها من تحديد النسل بصفة ذلك كفرا واعتراضا على مشيئة الله؟!

وأطفال فى الشوارع واحتراف التسول لأخف وطأة من عذاب النار؟!

قد نقبل على مضض تزويد المدن العشوائية بالمرافق، حيث سيشجع ذلك غيرها وسيقول الذين اعتدوا على الأرض الزراعية وأقاموا عليها مساكن قبيحة الشكل ولا تليق ببلدة بناة الأهرام - وذلك طبعاً لتقاعس الدولة عن القيام بأحد واجباتها فى توفير المسكن الكريم للمواطن بدعوى أن هذه «شمولية» والعياذ بالله، للعشوائيين الجدد - سيقول هؤلاء: لا تهتموا..

أسرعوا فى تبوير الأراضى وابنوا عشوائياتكم آمنين، فالدولة سترضخ طمعاً فى أصواتنا فى انتخابات قادمة وما أكثرها، وكلنا يعرف أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أوقف حد السرقة فى عام المجاعة باعتبار أن عقاب السارق وتوقيع الحد عليه يكون فى حال توفير المسكن والمأكل والملبس، وهذا هو واجب الحاكم يحق له بعدها محاسبة السارق،

ولا أعتقد أن قرار الحكومة بصدد المزروعات المسممة له مثيل واحد فى التاريخ، فهل يعقل أن تترك الحكومة «مواطنيها» فى أغلبيتهم الساحقة فريسة أطماع بعض المزارعين وتطلق أيدى هؤلاء بالاستمرار فى ارتكاب جرائمهم حتى عام 2011؟

وأكثر ما يحزننى على ما آلت إليه أحوالنا هو أن الحكومة لم تنف هذا الخبر ولم نعد نسمع عن إجراءات تنفيذ الإزالة، فبالله عليكم أيهما الأكثر إلحاحاً، إزالة المزروعات المروية بمياه المجارى أم إزالة «شوية» مصريين لا أحد يقيم لحياتهم وزنا؟

بحثت ولم أعثر على كلمة أشد وطأة من كلمة «الحزن»!!

إلا إذا اعتبر النائب العام أن «قرار الحكومة» جريمة قتل عمد!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية