«أنا هاموت يا عمى روحنى البيت خلاص أنا بموت».. آخر كلمات منة الله، تلميذة الفيوم، قبل أن تصعد روحها لبارئها، إثر انفجار قنبلة بدائية الصنع فيها، كانت عثرت عليها بداخل عبوة مياه غازية فارغة، ملقاة بجوار مسجد، وهى فى طريق عودتها لمنزلها، فحملتها ببراءة مع حقيبتها المليئة بالكتب والكراسات، ظنا منها أنها لعبة، لتلهو بها مع رفيقاتها من بنات الحى المقيمة فيه، فانفجرت فيها عقب دخولها المنزل، وتطايرت أجزاء من جسدها، وتلونت كتبها وكراساتها بالدماء التى غطت أرضية المنزل.
مشهد حزين يرويه بالدموع محمود رجب، عم التلميذة، ضحية الانفجار، بصوت خافت مبحوح مصحوب بسيل من الدموع، يقول: «منة الله بنتى، أنا اللى مربيها، كل يوم بروح أجيبها من المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسى»، يغالبه بكاء شديد، ثم يصمت ويعاود الحديث بكلمات متكسرة: «امبارح بعد أن أوصلتها للبيت وقفلت الباب عليها سمعت صوت انفجار شديد، ومنة الله تصرخ».
ويضيف: «فتحت عليها الباب لقيتها غرقانة فى دمها بتقولى (إلحقنى يا عمى بموت، بطنى بتتقطع)، وحملتها ودماؤها تسيل، وأشلاء من جسدها تتدلى بين يدى، واستغثت بالمارة، وأسرع سائق تاكسى معى لنقلها إلى أقرب مستشفى، وفى الطريق قبل أن تصعد روحها لبارئها، طلبت منى أن أعيدها للمنزل، وآخر كلماتها فى الدنيا (روحنى يا عمى أنا هاموت خلاص)، وبعدها يستريح جسدها راحلة عن الدنيا، وكأنها تعرف موعد ارتقائها، تاركة حزنا يسكن قلوب أبويها وذويها، وغضبا يصب لعناته على من قاموا بوضع القنبلة فى طريقها».
داخل أحد شوارع حى الحواتم تقيم أسرة منة الله فى مسكن بسيط، مكون من حجرتين وصالة، تضم أبويها وأشقاءها كريم «13 سنة»، ومى «8 سنوات» وأدهم «5 سنوات»، والأب يعمل «ترزى»، والأم ربة منزل، أسرة محدودة الدخل، لا هم لعائلها فى الحياة سوى تربية أولاده، وتعليمهم ربما ينفعهم فى حياتهم، ويجنبهم معاناة الوالدين- حسبما يقول محمد على، أحد أبناء المنطقة.
وأمام مسكن الأسرة جلس الأهالى يستقبلون واجب العزاء، والحزن يخيم على المكان، نساء يكتسين بالسواد ورجال يعلو وجوههم الغضب، والجميع يصب اللعنات على جماعة الإخوان الإرهابية.
فى أحد الجوانب كان يجلس والد منة الله، عيناه ساخطتان تختنقان بدموع عصية، تحجرت من الأوجاع التى سكنت ضلوعه بوفاة فلذة كبده، يردد محتسبا على القتلة: «حسبى الله ونعم الوكيل»، ويقول: «ذنبها إيه بنتى؟ إيه اللى عملته؟ هو ده الدين يا ناس؟!».
ووصف محمود عبدالله، أحد أبناء الحى، مشهد الحادث بأنه مأساوى موجع لكل من رآه.
وطالب الأهالى الأجهزة الأمنية بسرعة إلقاء القبض على الجناة وإعدامهم فى ميدان عام حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
كانت الطفلة منة الله سيد رجب، 9 سنوات، قد لقيت مصرعها إثر انفجار قنبلة بدائية الصنع فى جسدها بعد عودتها لمنزلها بحى الحواتم، عقب انتهاء اليوم الدراسى، وأفادت التحريات بأن الضحية قد عثرت على قنبلة بدائية الصنع معبأة داخل عبوة مياه مشروب غازى، فحملتها داخل حقيبتها ظناً منها أنها لعبة، وعند وصولها المنزل أخرجتها وألقت بها على الأرض فانفجرت فى جسدها، لتلقى مصرعها قبل وصولها مستشفى الفيوم العام.