تواجه «خريطة المستقبل» امتحاناً صعباً بعد تعثر تنفيذ استحقاقها الثالث والأخير وهو انتخاب مجلس النواب، نتيجة لحكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون تقسيم الدوائر، ثم حكمها ببطلان المادة الثامنة من قانون مجلس النواب لحرمانها مزدوجى الجنسية من حق الترشح لمجلس النواب، ففى يوم الأحد أول مارس أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها ببطلان المادة الثالثة من قانون تقسيم الدوائر رقم 202 لسنة 2014، لمخالفته أحكام المواد 4 و9 و53 و87 و102 من الدستور، «حيث مايز دون مبرر موضوعى بين الناخبين بالرغم من تماثل مراكزهم القانونية بما يعد إخلالاً بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة فى حق الانتخابات» و«لم يلتزم بقاعدتى التمثيل العادل للسكان والتمثيل المتكافئ للناخبين».
وفى يوم السبت 7 مارس قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثامنة بقانون مجلس النواب والخاصة بمنع مزدوجى الجنسية من الترشح لانتخابات مجلس النواب وحصرها على المرشحين الحاصلين على الجنسية المصرية فقط. وقالت المحكمة فى حيثياتها إن النص على مزدوجى الجنسية فى المادة الثامنة من قانون مجلس النواب الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 2014 ينطوى على مخالفة لنصوص المواد 87 و88 و102 من الدستور «فيما يستوجب القضاء بعدم دستوريته».
وكانت محكمة القضاء الإدارى قد أصدرت فى 3 مارس - أى بعد صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون تقسيم الدوائر - حكمها بوقف قرار اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس النواب تأسيساً على حكم عدم الدستورية. وتلا ذلك إصدار اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية قرارها فى 4 مارس بوقف تنفيذ القرار رقم «1» لسنة 2015 بدعوة الناخبين لانتخابات أعضاء مجلس النواب وما تلاه من قرارات مترتبة عليه فى هذا الشأن.
وبدأت لجنة تقسيم الدوائر الانتخابية فى إعادة النظر فى تقسيم الدوائر «الفردية» على ضوء حيثيات حكم المحكمة الدستورية استعداداً لفتح الباب من جديد للتقدم بالترشح على المقاعد الفردية بعد تعديل قانون تقسيم الدوائر «المادة الثالثة» لتفاجأ بحكم الدستورية المتعلق بمزدوجى الجنسية، مما يقتضى فتح باب الترشح أيضاً على القوائم بعد تعديل قانون انتخاب مجلس النواب.
وأصبح مؤكداً تأخر انتخابات مجلس النواب لفترة قد تطول، فالمسؤولية تقتضى أن يدور حوار مجتمعى حقيقى لصياغة قانون دستورى لانتخابات مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر، يشارك فى صياغته الأحزاب والقوى السياسية وأساتذة وخبراء فى القانون الدستورى ونظم الانتخابات.
وللأسف، فلا يبدو أن سلطة القرار والتشريع فى مصر تتجه إلى ذلك، فقد عهد إلى نفس اللجنة التى ارتكبت هذه الأخطاء الدستورية بإعادة صياغة قانونى انتخابات مجلس النواب وتقسيم الدوائر، وهى اللجنة التى لم تستمع إلى الملاحظات المهمة التى قدمت لها من أحزاب وقوى سياسية وأساتذة قانون وخبراء انتخابات، سواء الملاحظات المتعلقة بعدم دستورية بعض المواد أو المتعلقة بالنظام الانتخابى بالمقاعد الفردية التى انحاز لها القانون «80٪ من المقاعد بالنظام الفردى» وأن هذا النظام سيعيد إنتاج برلمانات ما قبل 25 يناير وسيهيمن عليه أصحاب الملايين وستلعب الروابط العائلية والعشائرية والقبلية دوراً أساسياً إلى جانب المال السياسى فى اختيار النواب، وتغيب عن المعركة الانتخابية البرامج والانتماءات الحزبية، ويدخل البرلمان ونواب الخدمات الذين لا يهتمون بممارسة دورهم المفترض فى التشريع والرقابة، بل ولا يقدرون عليه.
كما تم تجاهل أهمية وجود ممثلين للأحزاب والقوى السياسية فى هذه اللجنة بحكم أن الانتخابات تتعلق أساساً بهذه الأحزاب التى تتنافس فى الانتخابات البرلمانية طارحة برنامجها الذى ستعمل على تنفيذه فى حال حصول الحزب «أو التحالف الحزبى» على الأغلبية وتشكيل الحكومة، وتجاهل التشريع أن الدستور الجديد نص بوضوح فى المادة الخامسة «الباب الأول: الدولة» على أن يقوم النظام السياسى على أساس التعددية الحزبية، ونص فى مادته «74» على أن «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون.. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى» ونص فى المادة «146» على «... يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب..».
وتعرض الدستور ولجنة الخمسين التى تولت صياغته لحملة شاركت فيها أطراف مختلفة.
نشرت اليوم السابع للمستشار نور الدين الذى وصفته بالخبير الدستورى قوله إن أول خطايا لجنة الخمسين هى إلغاء الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية على قوانين الانتخابات، وثانى الخطايا هى المادة 102 المستحدثة ولا يوجد لها نظير فى دساتير مصر السابقة والتى جمعت فيها معايير لتقسيم الدوائر الانتخابية غير متجانسة ويصعب إن لم يكن من المستحيل الجمع بينها، حيث إنها جمعت بين معيار الكثافة السكانية ومعيار التوزيع الجغرافى.
ويضيف النائب السابق علاء عبدالمنعم خطيئة ثالثة هى رفضه النص على الكوتة فى الدستور فى المادتين 243 و244 اللتين تنصان على تمثيل ملائم فى البرلمان للشباب وذوى الإعاقة والمصريين بالخارج والعمال والفلاحين والأقباط، معتبراً أن هذا التمييز «اعتداء صريح على مبدأ سيادة الشعب المنصوص عليه فى المادة الرابعة من الدستور.. ويخل أيضاً بمبدأ المساواة بين المواطنين».
ووصف د. ياسر الهضيبى «لجنة الخمسين» بـ«لجنة الأشقياء» لأنها ضمت أعضاء ليس لهم خبرة فى القانون أو الدستور.
وحمل محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، «لجنة الخمسين» مسؤولية إفساد المشهد الانتخابى، مؤكداً أن العوار لم يكن متمثلاً فى المواد المتعلقة بالانتخابات البرلمانية أو قانون تقسيم الدوائر، وإنما فى مواد أخرى تم إعدادها فقط لاعتبارات حزبية، وأضاف أن الكارثة الكبرى التى وقعت فيها لجنة الخمسين هى إلغاء الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية على القوانين.
وانضم المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية ورئيس لجنة إعداد قانون تقسيم الدوائر وقانون مجلس النواب، إلى الناقدين للدستور ولجنة الخمسين، فقال: «إن السبب الرئيسى فى المشكلة التى نواجهها الآن هو الصياغة المطاطة لمواد الدستور الخاصة بالنظام الانتخابى والتى حاولت اللجنة تفادى ما بها من مطبات»، وأضاف: «قد نضطر فى نهاية الأمر إلى إجراء استفتاء شعبى لقبول هذه القوانين من أجل استكمال استحقاق خارطة الطريق وتشكيل البرلمان».
وقد وقع المشاركون فى هذه الحملة فى سلسلة من الأخطاء والخطايا.