السيد/ رئيس جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
السيد/ رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
السيد/ رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبي
السيد/ رئيس المجلس الفيدراليالإثيوبي
السيدات والسادة أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالي
الحضور الكريم،
«إنها لحظة تاريخية فارقة ... تلك التيأقف فيها أمامكم ...فيبيت الشعب الإثيوبي... لأحمل لكم رسالة أُخُوَّة صادقة ومحبة خالصة ... وأيادٍ ممدودة بالخير ... تنشد التعاون من أجل التقدم والرخاء ... من أخوتكم فيمصر ... الذين تطلعوا معكم لتلك اللحظة ...التي تجسد إرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون على كافة المستويات ومن خلال مختلف المحافل ... فنحن ومنذ بدء التاريخ ... ننهل ونرتوي من نهر النيل العظيم ... الذي أجراه الخالق ليحمل الحياة والنماء لشعوب حوضه ... إنه النهر الذي باتت مياهه تجري دماءً في عروق المصريين والإثيوبيين الذين سيظلون دوماً أشقاء ... ولن يسمحوا لأي خلاف بأن يدب بينهم أو أن ينال من قوة الروابط التي تجمعهم ... وهو ما يؤكده تواصلي المستمر مع أخي رئيس الوزراء الإثيوبيمنذ لقائنا الأول في مالابو ... وثقتيكاملة في أنه يتطلع معي إلى توثيق وتفعيل ما بيننا من صلات والبناء عليها في كل المجالات ... وقد تأكدت تلك الثقة عندما سعدت بلقاء الأخ العزيز رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبيفي القاهرة بصحبة نخبة من أعضائه ووفد الدبلوماسية الشعبية ...
إن تلك الصلات التي تجمع بين بلدينا زادت قوة بانتمائنا معاَ إلى عائلة واحدة هي قارتنا الأفريقية التي تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها ... حيث كانت مصر من أشد المتحمسين لأن تكون هذه المدينة مقراً لها ... لقد كان وقوف بلدينا في طليعة الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية أقوي تعبير عن إدراكهما لارتباط مصير أبناء تلك العائلة الأفريقية وحتمية نضالهم معاً من أجل التحرر والاستقلال والوحدة ... وأنه لا بديل عن تلبية نداء التعاون حتي يمكن لشعوب أفريقيا مجابهة التحديات التي كانت تواجهها ... واليوم وإن اختلفت طبيعة التحديات لكنها زادت جسامة وتعقيداً ... على نحو بات يحتم علينا درجة أوثق من التعاون والتضامن ومزيداً من الفهم المشترك للبناء على ما يجمعنا...
السيدات والسادة،
إنني وباِسم تلك الأخوة وهذا المصير المشترك ... ومن منطلق مسئوليتنا جميعاً إزاء شعوبنا وأجيالنا القادمة ... أدعوكم اليوم كي نكتب معاً صفحة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية الأثيوبية ... نسطر فيها آمال وطموحات شعبينا ... نتطلع فيها إلى مستقبلنا المنشود ... مستقبل زاخر بالرخاء ومفعم بالأمل ... ونستلهم فيها أفضل ما في تاريخنا من قيم سامية ومواقف مُشرقة لن ينساها التاريخ ... من رحلة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام طلباً للأمان في بلادنا التي باركها الله في الإنجيل والقرآن ... إلى لجوء المسلمين الأوائل لإثيوبيا هرباً من الاضطهاد حيث لقوا الحماية والرعاية من أهلها ... وصولاً إلى كفاحنا ضد الاستعمار وتدخل القوي الطامعة في بلادنا ...
أدعوكم أيضاً لنأخذ العبرة من الصعاب التيخضناها... ومن العقبات التي اعترضت سبيل علاقاتنا ... لكي نتخطي سلبيات الماضيالتي يجب أن نتفق على أنها لن تضع قيوداً على الحاضر ... ولن تعيق تطلعاتنا نحو المستقـبل ... نعم ... نحن بحاجة إلى بناء جسور الثقة ... لكننا نريد أيضاً أن نسد فجوات الشك والريبة التي ما كان يجب لها أن تُترك لتتمدد ... أو أن تصبح هُوَّة تفصل فيما بيننا ... وتلك مسئولية مشتركة تقع على عاتق السياسيين والمثقفين والإعلاميين في بلدينا ... باعتبارهم قادة الرأي والفكر ... وعليهم أن يرتقوا إلى قدر المسئولية الجسيمة التي يحملونها أمام الله وأمام الشعوب ... فمن الواجب علينا معاً أن نترك لأجيالنا الجديدة ميراثاً أفضل مما آل إلينا ...
كما نحتاج إلى أن نكتب معاً صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا الثنائية نستفيد فيها من مبادئ العصر الحديث الذي نعيشه ... وعلي رأسها التعاون وتحقيق المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة ... فمن يَنشُد التقدم في عالم اليوم يدرك أن عليه تجنب النزاعات غير المُجدية ... والنأي ببلاده عن الصراعات التي تستنفد الطاقات والموارد الثمينة ... والتي يجب توجيهها عوضاً عن ذلك إلى التنمية وتحقيق الرخاء ... من أجل الارتقاء على دروب العلم والمعرفة وامتلاك الأدوات التي تكفل استدامة التقدم والرقي ...
السيدات والسادة،
أدعوكم اليوم لكي نضع معاً ركائز مستقبـل أفضل لأبنائنـا ولأحفادنـا ... مستقبلٌ تُضاء فيه كل فصول المدارس في إثيوبيا ... ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم ... مستقبلٌ يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا ... ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا ... ولكي يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما ... فلا ينبغي أبداً أن يأمن أحدنا على مستقبله دون الآخر... أو أن يبني رفاهيته على حساب أخيه ... فكما أن لبلدكم الشقيق الحق في التنمية... وفي استغلال موارده لرفع مستوي معيشة أبنائه ... وكما لا ينبغي أن يشهد القرن الحالي مشاهد الجفاف والمجاعة التي أدمت قلوبنا جميعاً وتألمنا لها في القرن الماضي ... فإن لأخوتكم المصريين أيضاً الحق ليس فقط فيالتنمية ولكن في الحياة ذاتها... وفي العيش بأمان على ضفاف نهر النيل الذي أسسوا حوله حضارة امتدت منذ آلاف السنين ودون انقطاع ...
إن هذه الحضارة التي أقامها المصريون أدركت منذ القدم قيمة النهر العظيم فكان يوم وفائه عيداً ... وخاطبه المصريون بالشعر والغناء كأنه يسمع ويعي مدي اِرتباطهم به ... إن ذلك التخليد ليس إلا تعبيراً بسيطاً عن محورية النيل الذي كان ولا يزال المصدر الوحيد للمياه ... بل وللحياة ... لما يقرب من 90 مليون مصري يعيشون على جانبيه ويتعلقون به ... وتقوم حياتهم فيالوادي الضيق الذي يشقه نهر النيل وسط صحراء شديدة الجفاف تمثل نحو 95٪ من مساحة مصر ... كما أن نشأة الدولة المصرية ذاتها ارتبطت بدورها الرئيسيفي تنظيم الحياة حول نهر النيل ... وفي إدارة حقوق المواطنين في الاستفادة من مياهه ... وقد امتد هذا الدور على مدي العصور التالية تأكيداً للارتباط الوثيق بين مصر وبين نهر النيل... فقامت الحضارة المصرية وأبدعت في مختلف مجالات الحياة لتسهم في إثراء التراث البشري ... واليوم وبرغم زيادة السكان بمعدلات كبيرة وتعاظم الاحتياجات وتوسعها لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة ... لم تشهد موارد مصر من المياه أية زيادة تتناسب مع كل هذه الاستخدامات الأساسية ... إننا بإذن الله عازمون على أن تعود مصر لمكانتها وعلي أن تزداد حضارتها تألقاً ... على أن يكون التعاون والمشاركة وسيلتنا لتحقيق النماء والازدهار والرخاء لنا في مصر ولأشقائنا في إثيوبيا وفي حوض النيل بأكمله ... لاسيما في ظل ما لدي دول الحوض من الموارد ومن الإمكانيات البشرية ... وذلك فيإطار سياسة الانفتاح على إفريقيا التيتحرص عليها مصر الجديدة.. التيلا تكتفي بالأقوال بل تتخذ من الأفعال سبيلاً لتعزيز علاقاتها العضوية مع قارتها الأم ودولها الشقيقة ...
السيدات والسادة،
إن لدينا اليوم الفرصة السانحة لنصوغ معاً رؤيةً طموحاً للمستقبل ... حتي يسجل التاريخ أننا كنا على قدر المسئولية التي تحملناها... وأننا سعينا دون تقصير لضمان حقوق شعوبنا الأساسية ... بما في ذلك الحق في حياةٍ كريمةٍ خاليةٍ من الجوع والعطش ... ومن الظلام والفقر... للوفاء بالوعود التي قطعناها على أنفسنا لأبناء الوطن نحو مزيد من التنمية ... والتي نثق أنها سوف تمتد حتماً لتعُم دول المنطقة وقارتنا بأكملها ... عندما نقدم مثالاً يُحتذي به للتعاون والعمل المشترك والمثمر... لدينا اليوم هذه الفرصة ... من خلال إنفاذ الإرادة السياسية التي أنجزت اتفاق المبادئ الذي وقعنا عليه في الخرطوم مؤخراً ... وذلك باِستكمال الإجراءات الدستورية في دولنا حتي يدخل حيز النفاذ دون إبطاء أو تأجيل ... فالعبرة ليست بالكلمات والشعارات ... ولا بتوقيع الوثائق والاتفاقيات ... وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص ... ولسوف تذكر الأجيال القادمة أننا اخترنا في لحظات حاسمة أن ننحاز إلى مستقبل أفضل ... وألا نبقي أسري للماضي ... وأن نحلق نحو آفاق أرحب من التعاون ... دون قيود من الشك والريبة ... وسوف تجد الأجيال القادمة أيضاً أن الاتفاق الذي أنجزناه كان هو السبيل إلى ذلك الأفق الذي مضينا إليه... على أساس قوي من الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك حول المبادئ والإجراءات التيأرسيناها معاً من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه ...
كما أن اتفاقنا لابد أن يدفعنا لاستغلال القواسم المشتركة التي تجمع بين مصر وأثيوبيا والسودان وجنوب السودانفي إطار حوض النيل الشرقي ... والتي تؤهل هذه الدول الشقيقة جميعاً للبناء على ذلك الاتفاق الذي وقعنا عليه... من خلال صياغة وتنفيذ الخطط للتعاون وللاستفادة من مواردنا المشتركة للتغلب على المشكلات وتحقيق الفوائد المتبادلة ...
فلنعمل إذن من أجل مواطنينا ... ولنقدم لأبناء قارتنا نموذجاً يُجسد معاني الأخوة والتفاهم ... ويتبني في ذات الوقت مبادئ التعاون والإنصاف وتبادل المصالح بين الدول ... بل إنني أدعوكم أيضاً انطلاقاً من هذه النقطة... وكنواب للشعب الإثيوبيإلي النظر إلى ما هو أبعد من ذلك ... إلى العمل مع أشقائكم في مصر وفي باقي دول حوض النيل لبناء توافق أشمل وأوسع فيما بيننا ... يسمح بتجاوز الخلافات والنقاط العالقة في الاِتفاقية الإطاريــة لمبادرة حوض النيل ... حتي تتسع كي تشمل كافة دول الحوض وتلبي احتياجاتها جميعاً ... ولكي نمضي بكل ثقة نحو آفاق من التعاون الذي لم يعُد من قبيل الترف ... بل إن التخلف عنه صار بمثابة إضاعة لفرص سانحة ... وإهدار لعوائد كان يمكن لنا تحقيقها ... فالموارد متوافرة ومتاحة ... ولا ينقصنا سوي توظيفها واستقطاب الفواقد منها ... واستخدامها فيما ينفع شعوبنا التيطالما تاقت نحو التنمية والرخاء ...
فالتحديات التي تواجهنا سواءً في حوض النيل أو في أفريقيا عديدة وعلي جبهات واسعة ... فما بين الفقر والبطالة وسوء استغلال وإدارة الموارد ... وبين قضايا السلم والأمن ومكافحة الإرهاب البغيض الذي يتربص بنا والجريمة المنظمة التي تتاجر بأبنائنا وتقتات من دمائهم ... فضلاً عن تفشي الأمراض والأوبئة والتهديدات المرتبطة بتغير المناخ وتدهور البيئة والتصحر ... لا بديل لمصر وأثيوبيا كقطبين رئيسيين في القارة ... سوي أن تعملا على المستوي الثنائي ومع أشقائهما في أفريقيا ... للتغلب على تلك التحديات التي أصبحت تهدد شعوبنا بل وتستهدف كياننا ووجودنا ذاته ...
واسمحوا لي هنا أن أشير بصفة خاصة إلى أحد أبرز التحديات التي تواجه منطقتنا والتي لا تقل خطراً عن الجفاف أو الأمراض ... إنه وباء الإرهاب الذي يحصد الأرواح ويقسم المجتمعات ويقضي على نسيجها ... إن عدوي هذا الوباء تنتقل عبر الحدود وتتحدي سلطات الدول ... فلا يمكن اليوم أن نفصل بين التنظيمات الإرهابية التي تسعي للتمدد في أقاليم أفريقيا المختلفة ... الأمر الذي تتطلب معه جهود مقاومة الإرهاب والقضاء عليه عملاً جماعياً على مختلف المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ... فما لم نعمل معاً على استئصاله.. لا يمكن أن يكون أحدنا بمأمن من شره.
السيدات والسادة،
لقد حان الوقت كي تتحقق نبوءة الزعيم الأفريقي العظيم «نكروما» عن «نهضة إثيوبيا الحكيمة» ... والتي أطلقها في ختام الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية منذ أكثر من خمسين عاماً ... ومصر اليوم تقف بكل عزم إلى جانب إثيوبيا لكي نحول معاً تلك النبوءة إلى حقيقة واقعة ... إنطلاقاً مما أكده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في نفس الاجتماع حينما تحدث عن مجئ مصر «بقلب مفتوح وعقل مفتوح وتقدير للمسئولية مفعم بالنية الصادقةوهي مستعدة أن تتحمل إلى كل الحدود مسئولياتهاالتاريخية تجاه قارتنا الإفريقية»... ولا يفوتنا بهذا المقام الإشارة إلى ما ذكره رئيس الوزراء الإثيوبي العظيم «ميليس زيناوي» خلال زيارته للقاهرة عندما ذكر أن نهر النيل يُعد بمثابة الحبل السُري الذي يربط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما يؤكد أن تدفق مياه النهر من المنبع إلى المصب ما هو إلا حصص إلهية قدرها الله لنا جميعا.
وإنني أؤكد أمامكم مُجدداً التزام مصر بهذا الواجب ... وحرصها على الوفاء به على أسس من التعاون والمشاركة ... باعتبارهما أقوي دافع وأفضل ضمان حتي تكلل جهودنا بالنجاح ...
إن مصر الزاخرة بالإمكانيات والطاقات وبخبرات وقدرات أبنائها ... وبما لديها من العلاقات الممتدة والمتشعبة إقليمياً ودولياً ... ومن الانفتاح على العالم في مختلف المجالات ... على استعداد لأن تستثمر بكل دأب في مشاركة فعالة مع أشقائها في إثيوبيا ومن أجلهم ... نهدف إلى أن يكون أهم عوائدها هو تحقيق التنمية والفائدة المشتركة في مختلف المجالات ... لاسيما تلك التي يلمسها المواطنون في القري والحقول وفي القطاعات التي تمس حياتهم ومستقبلهم ...
وأخيراً وليس آخراً ... أؤكد لكم باِسم الإنسانية التي تجمعنــا ... وأخوتنا الإفريقية التي نعتز بها ... ونيلنا الذي يوحدنا ... إنني بينكم اليوم لنكسب معــــاً... لنصنع مستقبلاً واعداً وحياة مزدهرة لنا جميعاً.. فلا سعادة لأحدٍ بشقاء الآخرين ... لنقر حقوق شعبينا بتحمُلٍ كاملٍ للمسؤولية ... وبضمائر نقية ... لنؤكد معاً قيماً نبيلة ... أراد الله العلي القدير ... أن ننشرها فيما بيننا ... وأن تكون دستوراً لحياتنا معاً ... إعلاءً لقيمة الإنسان ... الذي كرمه الله ... وأمره بعمارة الأرض ... ولنساعد معاً فيإحياء نفوس بريئة مصداقاً لقوله تعالي «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
%MCEPASTEBIN%