x

أنور الهواري هذا الاستبدادُ القاتلُ أنور الهواري السبت 21-03-2015 21:17


أكتب هذه الكلمات- تحت الحسرة والحزن والألم- والعشراتُ من المصريين يلقون مصرعهم هذا الصباح، مثلما يلقونه كل صباح ومساء على طرقات الموت الرابض لنا فى كل مكان.

هكذا يموتُ الأبرياءُ، وتُزهقُ أرواحُ الضعفاء، والهواة يهتفون- على كل الشاشات- تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.

حسبى الله ونعم الوكيل فيكم، من أكبر رأس إلى أصغر مسؤول، وفى كل من يلزمُ الصمت الجبان، وفى كل من يلزمُ التبرير الخسيس، وفى كل أعمى أغمض- عن الحق- عينيه، وفى كل أصم وضع أصابعه فى أُذنيه.

بكل وضوح: نحنُ- بالصمت اللئيم- نشاركُ فى تأسيس الاستبداد الثانى، وهذا الاستبدادُ- بدوره- يؤسسُ لجمهورية لن تكون إلا هشة ضعيفة، ولن تولدُ إلا ولادةً قيصريةً عسيرةً، ولن تعيش إلا حياةً عاجلةً قصيرةً، ولن تنتهى إلا نهايةً أليمةً كسيرةً.

السؤالُ: ما الفرقُ بين الاستبداد الأول والاستبداد الثانى، ما الفرقُ بين استبداد ناصر واستبداد السيسى، ما الفرقُ بين مصر فى 1954م ومصر فى 2014م؟!

أولاً: الفرقُ بينهما أوسعُ من الفرق بين السماء والأرض، سواء فى كاريزما القيادة، حيث الأول يكسب، أو فى ظروف البلد، حيث زمان كانت أفضل مادياً وأدبياً، أو فى الوضع السابق عليهما.

ناصر جاء بعد ديمقراطية فشلت فى إنهاء الاحتلال مثلما فشلت فى العدل الاجتماعى، ديمقراطية لم يتحمس أنصارُها للدفاع عنها، لم يتحمس أحدٌ للدفاع عن الملك، ولا عن الدستور، ولا عن الأحزاب، ولا عن الوفد نفسه الذى عاش المصريون يهتفون له ثلاثة عقود، ولا عن النخبة بكاملها، رغم أنها كانت أفضل نخبة سياسية وفكرية عرفها تاريخ مصر الحديث، كل ذلك يسّر للرئيس عبدالناصر أسهل الطرق نحو الاستبداد الأول.

أما الآن، فنحن خارجون من تجربة استبداد طويلة مُرهِقة ومُضنية، سلمتنا للهزيمة مرتين، مرة أمام الصهيونية فى يونيو 1967م، ومرة أمام التنظيمات الدينية فى يونيو ٢٠١٢م، تجربة استبدادية بدأت بقيادة العرب وانتهت بالتبعية للكبار والصغار من العرب، بدأت باللعب على التوازنات بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا، وانتهت باللعب على التوازنات بين قطر والإمارات، بدأت بتولية جمال عبدالناصر وانتهت بمحاولة توريث جمال مبارك، بدأت بخلع الملك، ثم خلع نجيب، ثم هزيمة ناصر، ثم مقتل السادات، ثم خلع مبارك، ثم عزل مرسى، تجربة دامية بالفعل، ومأساوية بالفعل، كل نهايات الحكام فيها نهايات قاسية وفاجعة وحزينة، من فاروق إلى مرسى لم يخرج حاكم واحد بطريقة محترمة أو شكل لائق، اللهم احفظنا وأحسن ختامنا يا كريم.

ثانياً: فى 1954م مع مجىء ناصر عقب عزل محمد نجيب، كانت الظروف مواتيةً لتأسيس الاستبداد الأول، على أنقاض ثلاثين عاماً من تجربة ديمقراطية شبه ليبرالية، تأسست وفق دستور 1923م فى أعقاب ثورة 1919م، تجربة كانت قد أُرهقت وعجزت عن تطوير نفسها، لدرجة أن الزعيم الجليل مصطفى النحاس- بشحمه ولحمه- أعلن ترحيبه بحركة الضباط الأحرار، التى عُرفت- بعد ذلك- بالثورة المُباركة. هذا الترحيب- مثله مثل إقدام النحاس باشا على إلغاء الاتفاقية مع الإنجليز قبل ذلك بعام، أى فى 1951م- كان اعترافاً يُفسحُ الطريق أمام القائد الجديد الذى شغل التاريخ تحت اسمه الأشهر: ناصر.

ترحيب النحاس بحركة الضباط وثناؤه على شخص ناصر كان اعترافاً ليس بنهاية الملك فاروق وحده، بل بنهاية الحقبة بأكملها، والتجربة بأكملها، بما فى ذلك زعامة مصطفى النحاس نفسه.

عبدالناصر لم يجد من يدافع عن الديمقراطية المُنهَكة، ولم يجد من يقف فى وجه الاستبداد البازغ، إلا أصواتا قليلة داخل مجلس قيادة الثورة وخارجها.

ثالثاً: فى 2014م مع مجىء السيسى عقب عزل مرسى، الوضع مختلف جداً، الظروف غير مواتية لنجاح زراعة بذور وجذور الاستبداد الجديد، وسوف يبقى مجرد أمانى كاذبات، لن يتحقق على أرض الواقع، وما تحقق منه- بالفعل- فى العشرين شهراً الماضية هو استبدادٌ مؤقتٌ وطارئٌ، هو استبدادٌ إلى حين ميسرة، مزروعٌ فى غير أوانه، لن يبتلعه أحدٌ إلا إذا أغمض عينيه.

لن ينمو الاستبداد الجديد فى بيئة تسممت فيها التربة التى كانت صالحةً لنمو الاستبداد القديم، تربة تم تطهيرهُا بثورتين، ورُويت بدماء شهداء الثورتين، تربة تطهرت بمحاكمة رئيسين، وأشعلت النار فى حزبين حاكمين، وألغت دستورين، وتطهرت بأقدام الملايين من المصريين الذين شاركوا فى ثورتين كريمتين.

آخرُ الكلام: كل الظروف التى كانت تُزين لنا طريق الاستبداد القديم فى 1954م قد زالت وانتهت.

وليست عندنا ظروف بديلة عنها تكفى لوضع قواعد راسخة للاستبداد الجديد.

الاستبداد الجديد- من 2014م وأنت جاى- استبدادٌ لم يزل تحت التأسيس.

مقتلُ مصر كدولة، مقتلُ مصر كوطن، مقتلُ مصر كمواطنين أبرياء، مقتلُ ذلك كله فى: الاستبداد، يا من تهتفون: تحيا مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية