x

أزمة الأنابيب تعيد «وابور الجاز» إلى عرشه الذهبي

الأربعاء 18-03-2015 09:53 | كتب: ريهام العراقي |
أحد محال بيع بوابير الكيروسين وشعلات الغاز أحد محال بيع بوابير الكيروسين وشعلات الغاز تصوير : إسلام فاروق

صورة «وابور الجاز» الذى لم تخل منه بيوت الأجداد، والبائع الذى يتنقل بين الشوارع بـ«القمع» والعربة الحديدية مناديا على بضاعته من الكيروسين: «جاز.. جاز»، عادت مرة أخرى فى 2015. «المصرى اليوم» ذهبت إلى منطقة «تحت الربع» بحى الغورية، بالقاهرة القديمة، قلعة صناعة «البوابير» الباقية فى مصر.

داخل محله الضيق الذى تتسع مساحته بالكاد لشخصين، جلس شريف المصرى يُصلح عطلا بـ«وابور» جاز قديم، خلفه يعرض مجموعة متنوعة داخل «فتارين» خشبية. بابتسامة واسعة يعلق شريف المصرى على انتعاش تجارته فى مواجهة أزمة نقص أسطوانات الغاز بقوله: «مصائب قوم عند قوم فوائد. الطلب ارتفع على الشراء خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فحصيلة يوم واحد من البيع خلال هذه الأيام تعادل حصيلة ما كنا نبيعه فى ثلاثة أشهر فى غير فترات الأزمات، لكننا نعلم أنها فترة محدودة، نقوم بعدها بخفض الإنتاج بسبب انفراج أزمة الأنابيب».

لا يقتصر شراء «الوابور» على الشريحة الفقيرة، لاستخدامها بديلا عن أسطوانات الغاز التى وصل ثمنها إلى 100 جنيه فى بعض مناطق القاهرة والمحافظات، فالمصرى يؤكد أن هناك من يبحث عن اقتنائها باعتبارها «تراثا»، ويقول: «أستقبل زبونا يطلب الوابور لطهى الطعام عليه لتوفير ثمن الأنبوبة الباهظ، لكنى أستقبل الزبون الذى يبحث عن التراث المصرى، ولا أفرق بين الزبونين فى الثمن، فكلاهما يشتريه بثمن واحد يبدأ من 120 جنيها حتى 160 جنيها حسب الحجم».

صناعة «الوابور» ليست مهمة سهلة، كما شرحها أحمد هارون أحد مصنعيه لضمان كفاءة الجهاز، يحددها أحمد هارون: «تتم صناعة القاعدة على مرحلتين، وهى عبارة عن قطعتين يتم وضعهما فى المكبس، ثم نلحم «الزور» و«الأرجل»، ثم يُركب الطاسة فى الأعلى، ونقوم بتجربته حتى نضمن صلاحيته وحتى لا يتسبب فى تسريب دخّان أثناء تشغيله».

أزمة نقص أسطوانات الغاز لم تتسبب فى رواج بيع «وابور» الجاز فقط، وإنما أنعشت صناعة الخامات المستخدمة فى صناعته وصيانته، مثل الشرائط الكتانية والإبر المعدنية، التى يحرص الزبون على اقتنائها.

«أبو نوال» ورث مهنته عن والده وأجداده، فمنذ نعومة أظافره أجاد تعبئة الكيروسين (السولار- الجاز) فى الجراكن عن طريق «القمع» البلاستيك. لم يتضايق يومًا من ملابسه التى تنبعث منها رائحة الكيروسين النفاذة، أو يخجل من يديه المتسختين أثناء عمله، ولم يزعجه التنقل بين الشوارع وقت حرارة الشمس الحارقة أو برودة الشتاء القارصة، والصياح بأعلى صوته «جاز..جاز». لكنه كره اليوم الذى فقد فيه «زبونه» بمرور السنوات. أبو نوال الشهير بـ«الجمل».. أقدم بائع جاز فى شارع «تحت الربع».

أزمة نقص السولار لم تدفع أبا نوال إلى رفع قيمة لتر الجاز إلى ثلاثة جنيهات للتر الواحد بدلا من جنيهين مثل باقى أقرانه فى المهنة، قائلا: «مينفعش آجى على الغلبان اللى شبهى».

على أطراف الحارة الضيقة من شارع «تحت الربع»، تنبعث رائحة الغاز بكثافة من باب إحدى الحجرات، شعاع شمس الذى ينير أحد أركانها، يكفى لكشف الحجرة، مظهرًا أرضيتها الأسمنتية وجدرانها المُتشققة حاول صاحبها إخفائها بتعليق أغراضه الشخصية وبضعة لوحات قديمة. وعلى كرسى خشبى، جلس خميس وسط عشرات من أسطوانات الغاز الفارغة المتراصة بشكل عشوائى. يسعل بين الحين والآخر، بسبب إصابته بحساسية الصدر، التى عززها استنشاقه لرائحة الغاز أثناء عمله، يبتسم ابتسامة واسعة معلقًا: «أكل العيش مر».

رائحة الغاز المنتشرة فى حجرة خميس لا تمنعه من العمل 7 ساعات يوميا فى تعبئة أسطوانات الغاز الفارغة، مستخدما خرطوما طويلا يصل ما بين أسطوانة الغاز الكبيرة الممتلئة وأسطوانات الغاز، أو الشعلة، الفارغة.

قبل 10 سنوات اختار خميس حجرة بأحد الشوارع الجانبية لمنطقة «تحت الربع»، بسبب انتشار الورش التى تستخدم أسطوانات الغاز لتسيير أعمالها، إلا أنه لم يكن يعلم أن فشل الحكومة فى توفير أسطوانات الغاز للمواطنين، سيفتح له أبواب الرزق ليستقبل العشرات من المواطنين يوميًا لتعبئة أسطوانات الغاز الفارغة.

صعوبة الحصول على اسطوانة الغاز من المستودع، واضطراره إلى شرائها من السوق السوداء مقابل 80 جنيها، دفع خميس إلى رفع قيمة تعبئة الأسطوانة الصغيرة التى تستخدم فى الطهى من 4 إلى 10 جنيهات، لكن زبائنه تفهموا الأمر لدرايتهم بدوره فى حل أزمة الأنابيب، يقول خميس: «تحدث اشتباكات بالأيدى يوميا بين الأهالى، بسبب التسابق للحصول على أسطوانة البوتاجاز، وإعاقتى تمنعنى من الوقوف فى طابور طويل، لذلك أضطر إلى شراء أسطوانة الغاز من أحد الأشخاص بأضعاف ثمنها، مما دفعنى إلى رفع ثمن تعبئة الأسطوانة لحين انتهاء الأزمة».

تفتقد حجرة خميس عوامل سلامة المهنة والأمن الصناعى، مما يهدد بإمكانية اشتعال الحريق بها فى أى لحظة لانبعاث الغاز طوال ساعات العمل. إلا أن خميس أكد أنه يتخذ احتياطاته من خلال عدم إشعال عود كبريت واحد داخل الحجرة، أو السماح بانتظار الزبائن أثناء تعبئة الغاز، فقد يتسبب عدم تركيزهم أو إقبالهم على تدخين السجائر فى إشعال حريق.

شادى أحمد البائع بأحد محال البوابير فى شارع «كلوت بيك» عبّر عن سعادته بعودة حركة بيع الوابور وشعلات الغاز الصغيرة، فرغم توقف المحل عن شراء وابور الجاز من مصنعيها لسنوات طويلة، إلا أنه عاد للبيع بعد زيادة الطلب عليها من الزبائن. وتساءل قائلا:«من كان يتخيل أن يعود استخدام الوابور فى 2015، كثير من ورش التصنيع أغلقت أبوابها منذ سنوات فتحت أبوابها مرة أخرى بعد زيادة الطلب، خاصة أن الحكومة عاجزة عن حل أزمة نقص أسطوانات الغاز».

ثلاثة أيام كررت فيها رحاب أشرف رحلتها من منزلها ببولاق الدكرور إلى مستودع الأنابيب بمنطقة فيصل، فشلت خلالها فى تغيير أسطوانة الغاز الفارغة، أو طهى الطعام لصغارها. نصحتها إحدى جاراتها بالاستغناء عن أنبوبة البوتاجاز، وشراء وابور جاز عوضًا عنها، قالت: «حسبى الله ونعم الوكيل، استغنيت عن أسطوانة الغاز الفارغة بعدما فشلت فى تغييرها من المستودع، واشتريت وابورا للطبخ، إلا أننى فوجئت بصعوبة الحصول على الجاز، إلى جانب خلطه مع سولار السيارات، مما أحدث عُطلا بالوابور بعد شرائه بـ 120 جنيها».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية