x

أنور الهواري قامتان: سعد زغلول وعباس العقاد أنور الهواري الخميس 12-03-2015 21:09


تبقى عظمةُ ثورة 1919 م جُزءاً من عظمة هذه الأمة المصرية.

وتبقى عظمةُ هذه الأمة النبراس الذى يقود خُطى العظماء من أبنائها.

ثورةٌ شعبيةٌ خالصةٌ، طلابٌ، شيوخٌ، محامون، أطباءٌ، باشواتٌ، فلاحون، أقباطٌ، مسلمون. يواجهون، فى وقت واحد، أعتى إمبراطوريات الأرض- بريطانيا- بمطلبى رفع الحماية والاستقلال. مثلما يواجهون أعتى صور الاستبداد الوطنى- الملك فؤاد- بمطلب الدستور والحكم النيابى والديمقراطية والحريات. صحوةُ أمة فى وجه الاحتلال الأجنبى. صرخةُ شعب فى وجه الاستبداد الوطنى.

سعد زغلول، ومعه عباس العقاد- بسبب فارق السن الكبير بينهما- كانا يمثلان جيلين من العظماء الذين قادوا أمتهم فى تلك اللحظات الفاصلة من تاريخها المجيد، وقف العقاد إلى جوار الزعيم، بدءاً من اللحظة الأولى التى وضعت فيها الحربُ العالميةُ الأولى أوزارها فى 11 نوفمبر 1918 م، لتتشكل النواة الأولى للوفد المصرى، وليواجه المندوب السامى بالسفر إلى أوروبا لرفع مطلب الاستقلال بعدها بيومين فقط فى 13 نوفمبر 1918م، حتى اندلعت الثورةُ العظيمة- أكبر وأول ثورات المشرق كله- ضد أعتى وأكبر استعمار- فى مثل هذه الأيام من مارس 1919 م.

كانت صحيفةُ «البلاغ» هى جريدةُ الوفد الأولى، وكان العقاد هو كاتبها الأول، كان يكتب مقالةً سياسيةً بصفة يومية منتظمة، إلى جانب مقالاته وأبحاثه وكتبه، التى لم ينقطع عنها، فى الأدب والدين والفنون والفلسفة والآداب. سعد زغلول كان يقرب العقاد رغم فارق السن الكبير بين الرجلين، وكان العقاد ينظر- بإجلال وتوقير- إلى زعامة سعد زغلول وصلابته وسحر خطابته وجاذبية حضوره، كان يراه مثالاً للإخلاص والوطنية.

سُئل سعد زغلول عن رأيه فى عباس العقاد، فأجاب: «أديبٌ فحلٌ، له قلمٌ جبار، ورجولةٌ كاملةٌ، ووطنيةٌ صافيةٌ، واطلاعٌ واسعٌ، ما قرأتُ له بحثاً، أو رسالةً فى جريدة أو مجلة إلا أُعجبتُ به غاية الإعجاب. وهو لا يعالج موضوعاً إلا أحاط به جملةً وتفصيلاً، إحاطة لا تترك بعدها زيادة لمستزيد، وله أسلوبٌ أدبى فريد».

وماذا عن رأى عباس العقاد فى زعامة سعد زغلول؟!

يقول العقاد: «إن الحقيقة التى لا تقبل الجدل الكثير أن صفات سعد- التى لا شك فيها- هى أصلحُ الصفات لزعامة المصريين، وأن مزاياه الشخصية، وتوفيقات زمانه السياسية والاجتماعية قد جعلته الزعيم المصرى الذى ليس بين معاصريه أحدٌ أجدرُ منه وأولى بالزعامة».

«فهو- أى سعد زغلول- فى طبيعته العملية، وفصاحته المُقنعة، وفكاهته المرتجلة، وعزيمته الماضية، وسماته المهيبة، ومنزلته الرفيعة، خيرُ من ترشحه مصر لزعامتها من صميم تكوينها، وإنه لأصلٌ فى زعامة الشعوب ليس بعده رسوخٌ ولا عُمقٌ فى الأصول».

«إن تأثير سعد فى نفوس المصريين هو حادثٌ من حوادث القضاء والقدر، أو هو من قبيل الحوادث التى تحرك تلك النفوس وتهزها من أعماقها».

«مواقف الخطابة أو مواقف الزعامة لم تكن عند هذا الزعيم إلا تياراً جارفاً ينبعث من قرارة وجدانه، فيحتوى الحاضرين، ويردهم إلى عنصرهم الأصيل، فيشعرون- على البداهة- أنهم وهذا الزعيم من موطن واحد فى الشعور، من موطن واحدٍ فى الإرادة، من موطنٍ واحدٍ فى الجد والفكاهة، غير أنه يقدر من حيث لا يقدرون، أو يقدر لهم وهم من ورائه تابعون».

«والزعامةُ إذا بلغت هذا المبلغ من الأصالة كانت قوةً مطبوعةً، بل فُرصةً إلهيةً لا تفرَط فيها أمة، ولو كان ديدنُها التفريط. لأن الأمر- فى هذه الزعامات- من وراء المشيئة والتدبير».

«وقد يكون فى الأمة عشراتٌ أو مئاتٌ، يقاربون ذلك الزعيم فى جملة الصفات، أو يفوقونه فى بعض الصفات، لكنهم لا يغنون عنه، ولا يعوضونه، وهو واحدٌ، وهم عشراتٌ أو مئات».

خُلاصةُ الكلام: سعد زغلول وعباس العقاد، من نماذج الرجال الذين يصنعون أنفسهم ولا يصطنعهم أحد، من نماذج الرجال الذين يصنعون التاريخ لأمتهم، يصنعونه وهم- بين ظهرانيها- أحياء، يصنعونه وهم- فى ذاكرة الزمان- خالدون.

الحديث مستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية