x

«زلاتان» لن يموت من أجلك مرة أخرى.. (سيناريو صحفي)

الأربعاء 11-03-2015 18:46 | كتب: محمد المصري |
جوزيه مورينيو وزلاتان إبراهيموفيتش جوزيه مورينيو وزلاتان إبراهيموفيتش تصوير : آخرون

«قبل البطولة الأوروبية تم إخباري أن روبيرتو مانشيني مدرب إنتر ميلان أقيل من منصبه، وسيأتي في مكانه مدرب جديد، شخص اسمه «جوزيه مورينيو»، لم أكن قد قابلته حينها، لكنه جذبني قبل حتى أن ألتقيه، ولاحقًا.. سيكون هو ذلك الشخص الذي قد أموت من أجله».

«إبراهيموفيتش»
ختام الفصل العشرين من كتاب سيرته الذاتية «أنا زلاتان»

(1)
مشهد 1
ليل-داخلي
مُعسكر منتخب السويد في سويسرا

(14 يونيو 2008)

زلاتان إبراهيموفيتش يدخل إلى غرفته بالمعسكر، حيث يُسمح بوجود الزوجات حتى وقتٍ مُعيَّن

تستقبله «هيلينا»، زوجته، الشقراء الجميلة، وعلى كتفها ابنه «ماكسمليان» ذو العامين فقط.

تشعر بغضبه فور أن يدخل من الغرفة، تذهب إليه وتقبله جبينه

حركته تكون متثاقلة بفعل الإصابة، تسأله

هيلينا: هل أنت بخير؟
إبرا: لا
هيلينا: أقصد بشأن قدمك وليس خسارة المباراة
إبرا: لا أيضًا

تضع ماكسمليان في السرير ثم تذهب لإبرا وتنظر في عينيه

هيلينا: سنفوز على روسيا ونتأهل
إبرا: أعلم، لقد أخبرت "لاجرباك" بين الشوطين هل تختار مباراة روسيا أم الشوط الثاني أمام إسبانيا، ورد أنه بالطبع سيدخرني للقاء روسيا لأن فرصتنا عالية جدًا ضدهم، ولكن.. طريقة الخسارة كانت قاسية، الحكم اللعين.. كان «فاول» شديد الوضوح لصالح روزنبيرج، والنتيجة أنهم احتفلوا في الدقيقة 92 بينما وقفنا نُحطم الدكة كالمجانين
هيلينا: إهدأ، كل شيء سيتحسن في المباراة المقبلة، الخسارة أو التعادل مع إسبانيا هم نفس النتيجة، في كل الأحوال التعادل مع روسيا كافيًا للتأهل
إبرا: كان من الممتع فقط التعادل مع إسبانيا، الأمر أشبة بمباراة بين حفنة من لاعبي الشواراع والحارات.. مع مجموعة متأنقة ومحترفة، كنا نستحق المساواة معهم
هيلينا تبتسم: بالتأكيد، لكن المهم الآن أن تهتم بقدمك، الطبيب أخبرني أنك ستتعافى قبل مباراة روسيا، يجب أن تكون في أفضل صورة، ستكون ليلة التأهل

يهز إبرا رأسه، وهي تسمع صوت «ماكسمليان» فتذهب إليه لحمله، يمسك «إبرا» بالموبايل الخاص به، يفتحه للمرة الأولى بعد المباراة، بجد عدة رسائل جديدة، من عائلته، من بعض زملاءه في إنتر ميلان، ورقم واحد غريب من إيطاليا، يفتح الرسالة:
«لعبت بشكل جيد اليوم، روسيا سيكون خصمًا صعبًا، ولكنكم قادرين على الفوز.. مورينيو»

انتبه «إبرا» قبل أن يُجمع أن تلك الرسالة من جوزيه مورينيو، أخبر هيلينا وسألها:
إبرا: هل تعتقدي أن هذا هو فعلًا مورينيو البرتغالي؟ مدربنا الجديد؟
هيلينا: لا أعرف
إبرا: أقصد أنني لم يسبق لي التحدث معه، ولم يتسلم مهام عمله بعد في النادي، هل هو فعلًا يتابعني أم أن تلك مزحة سخيفة من ماكسويل؟
هيلينا: يمكن الاتصال بالرقم لتعرف

و«إبرا» نفذ النصيحة، اتصل بالرقم، أجابه على الفور رجل يتحدث بالإيطالية، فطلب منه باللغة البسيطة التي تعلمها في إيطاليا عبر سنوات أن يتحدثوا بالإنجليزية

مورينيو: حسنًا، لا مشكلة بالتأكيد
إبرا: من معي؟
مورينيو: جوزيه مورينيو، مدربك الجديد
إبرا: فعلًا؟ أنت هو؟
مورينيو: نعم
إبرا: متى تعلمت الإيطالية؟ هل سبق لك العيش هناك؟
مورينيو: تعلمتها في الأسابيع الماضية، منذ الاتفاق على العقد مع إنتر
إبرا: لدي 4 سنوات هناك ولم أتقنها بعد
مورينيو: يمكنني أن أخبرك ببعض النصائح، (يبتسم) أنا مترجم بالأساس إذا لم تكن تعلم
إبرا: أعرفك جيدًا بالطبع
مورينيو: حسنًا، أردت فقط إخبارك أنك لعبت بشكل جيد فعلًا أمام إسبانيا، بويول مدافع صعب جدًا ولكنك كنت ذكيًا، هذا ما تحتاجه أمام روسيا أيضًا
إبرا: ماذا تقصد بأني أحتاجه؟
مورينيو: أقصد الذكاء وليس القوة، مدافعو روسيا، خصوصًا كولدين الذي سيلاصقك على الأغلب، أقوياء جدًا، ولكن خبرتهم محدودة لأنها متعلقة بالدوري الروسي، في حال اعتمدت فقط على القوة ووقفت في منطقة الجزاء منتظرًا القدر ليحسن مصيرك فإنك لن تفعل شيئًا، يجب أن تسقط إلى ما قبل نقطة الجزاء وتتحرك كثيرًا على الطرفين وتنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض، سيرتكبوا أخطاء تكتيكية كثيرة إذا لاعبتهم بذكاء، هل تفهمني؟
إبرا: أفهم بالطبع
مورينيو: المهم قبل أي شيء هي أخبار إصابتك، هل أنت بخير؟
إبرا: نعم إلى حدٍ بعيد، فضلت فقط الراحة بدلًا من تفاقم الإصابة في الشوط الثاني
مورينيو: كان خيارًا رائعًا، بغض النظر عن سوء خسارة إسبانيا.. ولكن الوضع لم يتغير.. التعادل مع روسيا سيؤهلكم، إنهم فريق قوي، وجوس هيدينك مدرب جيد للغاية، ولكن السويد لديها إبرا
(يبتسم إبرا بتلك الطريقة الطفولية المعتادة حين يخبره أحد بمديحٍ غير متوقع، ومن الصعب أن تفاجئ إبرا بمديح لأنه ينتظره دائمًا)
إبرا: أشكرك
مورينيو: أتمنى أن تصل بعيدًا في البطولة، وسأنتظرك في إنتر بعدها، أريد أن تكون تلك هي مواسمك الأوروبية
إبرا: مواسمي الأوروبية؟
مورينيو: نعم، هل تعرف لماذا أتيت إلى إيطاليا؟
إبرا: من أجل الفوز.. ما أعرفه عنك يقول أنك تحب الفوز دائمًا
مورينيو: بالطبع، ولكن حتى الفوز له جودة ونوعيات مختلفة، وأنا أريد الفوز ذو الجودة المرتفعة للغاية، أمر يتجاوز الدوري الإيطالي.. إنتر فاز به مع مانشيني قبل مجيئي مرتين، أنا هنا تحديدًا من أجل دوري الأبطال
إبرا (متحمسًا): بالطبع.. أنا أفهمك تمامًا
مورينيو: حين فزت به مع بورتو كان أعظم شيء حدث في حياتي، تشعر أنك الأفضل في تلك المجرة كلها، شعور فوز يختلف عن أي بطولة أخرى، وبالنظر إلى الأسماء التي كسبته بها مع بورتو.. فلديكم أسماء أفضل كثيرًا في إنتر، كان فقط ينقصكم شخص مثلي، أعتقد أنك ستحب الفوز به
إبرا: أنتظر ذلك بشدة
مورينيو: هذا ما توقعته، أنا متطلع فعلًا للعمل معك، أعتقد أننا قد نفعل أشياءً عظيمة، ركز حاليًا مع السويد.. وحين تعود سنتحدث ثانيًا

وإبرا شكر مورينيو كثيرًا، قبل أن ينظر إلى هيلينا –التي تنظر له بدورها منذ بداية المكالمة- ويخبرها أن «هذا الرجل مختلف فعلًا، حين ذهب إلى إنجلترا أخبرهم بأنه يعتقد بكونه استثنائيًا، سأبدأ في تصديق ذلك، لم يسبق لمدرب أن تعامل بهذا الاهتمام واللطف، لقد تحدث عني وعن الفريق وحتى عن روسيا، بدا تأهلنا هو أهم شيء في حياته، لم أستطع التحدث لكلمتين لأنه فاجئني تمامًا، يمكننا فعل أشياء رائعة سويًا»

وهيلينا اطمأنت لأن زوجها بدا وكأنه نسى أمر الخسارة أمام إسبانيا في الدقيقة الأخيرة، تركته لينام وذهبت إلى غرفتها القريبة مع بقية العائلة، بينما ظل هو مستيقظًا لفترة، يقرأ ويشاهد لقاءات أكثر للرجل الذي يُدعى «مورينيو».

(قطع)


(2)

لم تفز السويد على روسيا، «إبراهيموفيتش» كان مصابًا ولم يستطع التحرك بخفة ويصنع الفارق، وروسيا كذلك كانت من أقوى وأسرع فرق البطولة.

شهر واحد بعدها، وبدأ «إبراهيموفيتش» التدرب تحت قيادة «مورينيو»، مع جيل خارق فعلًا لإنتر ميلان، ومنذ البداية بدا واضحًا أن كاريزما الإثنين ستعمل بشكلٍ جيد مع الفريق: «إبرا» الذي يرى نفسه أغلب الوقت أفضل لاعب في العالم، ويحب المدربين الحادين والصرحاء وذوي الشخصيات القوية، و«مورينيو» الذي اعتبر نفسه «الاستثناء» بشكل مُطلق، وهو أيضًا يحب اللاعبين المعتزين بأنفسهم ولا يخجلون من اعتبار نفسهم الأفضل، والأهم: يمكن أن يفعلوا أي شيء من أجل الفوز ومن أجل الفريق.

وبدأ الموسم، «مورينيو» فرض سيطرته سريعًا، و«إبرا» أحرز أكبر معدل أهداف خلال مسيرته، في الدوري سار كل شيء بخير تمامًا، احتل الفريق قمة الجدول منذ الأسبوع الثالث، ولم يكن له منافس تقريبًا. في الكأس كانت خطواته معقولة، ولكن في دوري الأبطال ترنَّح قليلًا دون سبب واضح، 8 نقاط في أول 4 مباريات رقم ممتاز.. ولكن خسارتين مفاجئتين ضد «باناثانايكوس» اليوناني في إيطاليا.. ثم ضد فيردر بريمن في ألمانيا.. جعلوا الفريق يحتل المركز الثاني في المجموعة، مما يعد بمواجهة صعبة في دور الـ16.. ويعرض الحلم الأساسي الذي اتفق عليه «إبراهيموفيتش» مع «مورينيو» لأن يكون في مهبِ الريح.

(3)
مشهد 2
نهار – داخلي
ملعب أتلتي آزوري/ممر اللاعبين

- لَقطة للوحة الإستاد الداخلية التي تُشير لنهاية الشوط الأول، النتيجة «أتالانتا 3-0 إنتر ميلان»

- أصوات مُشجعي الفريق المُضيف تملأ الإستاد

- يتحرَّك لاعبو الفريقين في الرُّدهة بين الملعب وغرفة الملابس

جوزيه مورينيو، شخص قصير ذو شعر رمادي يرتدي بدلة أنيقة، يُنادي «إبرا.. إبرا»

يتوقف «إبراهيموفيتش» من بين صف اللاعبين المتجهين إلى غرفِ الملابس، يتحرك «مورينيو» نحوه في خطواتٍ بطيئة، يقف بجانب لاعبه وينتظر حتى تفرُّغ الرَّدهة إلا منهم ثم يخبره بابتسامة

مورينيو: سيتم تتويجك غدًا، أليس كذلك؟
يبتسم «إبراهيموفيتش»
إبرا: نعم
مورينيو: هل هو شعور جيد؟ كونك جربته من قبل
إبرا: رائع جدًا، إنهم يخضعون لأفضليتك أخيرًا، يضطروا لأن يخبروك «زلاتان.. أنت الأفضل»
مورينيو: مفهوم طبعًا، ولكن هل خططت لما ستفعله عند تسلم الجائزة؟
إبرا: لا، لا أخطط عادة لهذه الأمور، أتصرف وقتها
مورينيو: ولكني لدي تصور جيد عما يجب أن تفعله عند تسلمها
إبرا: ماذا؟
مورينيو: يجب أن تخجل من نفسك، يجب أن تقف أمام الناس وأنت تعلم بأنك لم تنجز أي شيء، لا يمكن أن تكون أفضل لاعب في إيطاليا وأنتَ لا قيمة لك بهذا الشكل، يجب أن تقوم بمنح الجائزة لأمك، أو أي شخص آخر يستحقها أكثر منك

قال «مورينيو» ذلك بهدوء، وبصوتٍ منخفض، كأنها نَصيحة أخوية فعلًا، ثم ترك «إبرا» ثابتًا في الممر كالصنم وتحرك إلى غرفة اللاعبين.

و«إبرا» ظل يتابعه حتى دخل الغرفة، لم يُبدِ أي رد فعل، وضع يده في وسطه ونظر إلى الملعب ثم إلى الغرفة من جديد، بضع ثواني ثم لحقه.


مشهد 3
ملعب أتلتي آزوري/غرفة الملابس

في الغرفة، كان «مورينيو» يتحدث مع بضع لاعبين بشكل جانبي، مع «مايكون» و«ستانكوفيتش» و«ماتيرازي»، قبل أن يخبر «بالوتيلي» بصوتٍ عالٍ أن يستعد لأنه (قد) يستعين به في الشوط الثاني، قال ذلك دون أن ينظر ناحية «إبرا».

والسويدي ذهب للوقوف جانب «ماكسويل»، وبدأ يُطَرقع في أصابعه بشكل مشدود، تلك الحركة التي يفعلها دائمًا حين يرغب في جذب انتباه «ماكسي»، صديقه الوحيد في كرة القدم والذي صاحبه في أغلب سنين مسيرته.

و«ماكسي» انتبه فعلًا

ماكسويل: لا تقلق يا إبرا سنحاول التعادل على الأقل
إبرا: ليست المشكلة في المباراة اللعينة، نحن في المركز الأول وبفارق كبير، أريد أن نفوز دائمًا ولكن لابد من بعض الأوقات السيئة
ماكسويل: ما المشكلة إذن؟ حاول أن تحتفظ بتلك الطاقة للشوطِ الثاني على الأقل بدلًا من أن تكسر أصابعك
إبرا: المشكلة في المجنون هذا
ماكسويل (ينظر ناحية مورينيو): ماذا فعل؟
إبرا: أخبرني أن أمي يجب أن تذهبهم لتسلم جائزة أفضل لاعب مكاني
(يضحك ماكسي قبل أن ينظر له إبرا بحدة فيكتم الضحكة ويحاول الحديث بجدية)
ماكسويل: حسنًا إبرا إنها طريقته في بعض الأحيان
إبرا: هل يشك في أنني أفضل لاعب بالدوري؟ هل يشك في أني الأفضل بالعالم حتى؟ سأنتظر الشوط الثاني لأريه من أنا وقد أقترح عليه بعد المباراة أن تذهب أمه لتسلم الجائزة مكاني
ماكسويل: هذا جيد، أره من أنت

يَخْبط «ماكسي» على كتف «إبرا»، ويبدأ في التحرك قبل بداية الشوط الثاني، يتحرك كل اللاعبين فينادي «إبرا» على «باتريك فييرا».

إبرا: باتي، يجب أن نفوز اليوم
فييرا: يجب أن نفوز دائمًا، أنا وأنت نحب ذلك
إبرا: لا أقصد.. فلنفعل ذلك اليوم لأجلي

و«فييرا» لم يفهم تحديدًا لماذا يطلب منه «إبرا» أن «يفوزوا لأجله» في مباراة عادية وليست حاسمة بأي شكل وسط دوري يتصدورنه منذ ثمانية أسابيع بفارق كبير عن كل المنافسين، ولكنه شعر أن الأمر هامًا لصديقه فهز رأسه وخرج.

فَك «إبرا» رباط حذاءه وعقده من جديد، ثم خرج للملعب وراء بقية اللاعبين، يستمع لصيحات جمهور «أتالانتا»، ويتحرك بخطواتٍ بطيئة وواثقة.

(قطع)


(4)

لم يفز إنتر ميلان في تلك المباراة، من الصعب أن تعود من خسارة 3-0 في شوطٍ واحد، ولكن «إبرا» لعب واحدًا من أشرس أشواطه طوال مسيرته، لم يغيره «مورينيو»، وهو أحرز هدفًا في الدقيقة 92، ما كان كافيًا على الأقل لأن يذهب براحة نسبية إلى الحفل في اليوم التالي لتسلم جائزتي أفضل لاعب أجنبي وأفضل لاعب في الدوري الإيطالي، وهُناك.. كان «مورينيو» متواجدًا.

والأمور ظلّت بخير في كل شيء، في الدوري وفي الكأس، كان الفريق يُكمل هيمنته الكاملة على إيطاليا، وبتفوق أكبر مع «مورينيو» مما كان عليه حتى وقت «مانشيني»، ولكن في عقل البعض.. تحديدًا «مورينيو» و«إبراهيموفيتش».. أصبح المهم هو مباراة دور الـ16 في الأبطال، التي تقرر أن تكون أمام مانشستر يونايتد.

تعادُل مُحبط 0-0 في «سان سيرو»، قبل الذهاب لأولدترافورد في لقاءِ الإياب بتاريخ 11 مارس 2009، خسر «إنتر» بهدفين، وصرخت الجماهير الإنجليزية كثيرًا ضد «مورينيو»، وضد (المغرور) (المبالغ في تقديره) –كما أسمته الصحافة- «إبراهيموفيتش»، كانت خسارة ثقيلة، ومُحبطة، ومُدمرة لثقة الفريق، لم ينطق أحد في غرفة الملابس، والجميع كان ممتلئًا بالغضب وعدم التصديق، درجة أن «مورينيو» نفسه هو من كان يواسي اللاعبين ويخبرهم بأنكم «لعبتم جيدًا ولكن هذا يحدث بكرة القدم».

تجاوز الجميع الأمر بعد أيام، وحده «إبراهيموفيتش» ظل يفكر: هل هناك فرصة حقيقية للفوز بدوري الأبطال هنا؟ مع إنتر وهذا الفريق؟، كان السؤال الشيطاني الذي نَبَت في عقله ليلة «أولدترافورد»، والإجابة كانت أنه يعتقد ذلك، وحين سألته الصحافة نفس السؤال: «هل تعتقد أنك قد تفوز بالشامبيونز هنا؟»، أجاب بأنه «لا يعرف، سوف نرى».

وهي الإجابة التي اعتبرتها الجماهير «غير مُهذبة» ووصفها «مورينيو» بكونها «غير مُناسبة في هذا الوقت».

عدة أسابيع صعبة، صار فيها «إبرا»، ملك ميلان سابقًا، هو عدو الجمهور الأول، حتى فوزه بهداف الدوري هذا الموسم لم يغير من غضب الجميع ضده، وهو أصبح أكثر صراحة: «أريد الانتقال إلى إسبانيا، إلى برشلونة، أريد اللعب جانب ميسي وتشافي وإينيستا وهنري، وستكون فرصة مُثلى للفوزِ بالأبطال».

وفي 27 يوليو 2009 تحقق «حلم» إبراهيموفيتش، انتقل لبرشلونة، بصفقة قياسية بلغت 66 مليون سترليني.


(5)


«بالقدرِ الذي كُنت فيه سعيدًا لانتقالي إلى برشلونة.. كنت حزينًا لتركِ مورينيو، هذا الرجل يمثل شيئًا خاصًا بالنسبة لي»

«إبراهيموفيتش»
الفصل الثالث والعشرون من كتاب سيرته «أنا زلاتان»

(6)

مشهد 3
صباح خارجي
ملعب التدريب في ميلان

إبراهيموفيتش يصل إلى أرضِ الملعب أثناء فترة التدريب الصباحي، يرتدي بذلة، ويبدو متأنقًا بشدة، يحضر معه «ماكسويل»، الذي سيشاركه الرحلة من جديد ويذهبا معًا إلى برشلونة.

يُسلم إبرا وماكسي على أصدقائهم لآخر مرة، يذهب إبرا لفييرا تحديدًا، ويخبره أنه الشخص الوحيد الذي لعب معه وشعر بأنه يضخ الأدرنالين في قلبه ويحمسه على الفوز أكثر مما هو عليه عادةً، وفي كل مرة تمنى فيها الفوز بمباراة كان هو الوحيد الذي يفكر في القدومِ إليه وإخباره «فلنفز لأجلي».


إبرا: ... وقلتُ لك ذلك مرات، ولم أقله في مراتِ أخرى
فييرا: كنت أتمنى أن أخبرك أيضًا بأنك أكثر من ضخ الأدرنالين في قلبي، ولكن أكثر شخص كان روي كين بالتأكيد

(يضحك إبرا)

فييرا: أتمنى لك أيامًا جيدة هناك، أنا أحسدك ﻷنك ستلعب مع هنري، في أحيانٍ كثيرة يكون هو الشيء الوحيد الذي أفتقده هنا، هنري مختلف عنك.. وعن أي شخص آخر

إبرا: أنا أيضًا متحمس للغاية، أشعر بأنفاسي متلاحقة، في النهاية أنا ذلك الفتى الصغير الذي يسرق الدراجات في روزينجارد، وفجأة سأصبح في النادي الأفضل في العالم

فييرا: باستثناء أنهم لن يسمحوا لك في برشلونة أن تسرق دراجات بعد الآن

في تلك اللحظة يدخل مورينيو إلى المران، يرتدي لبس التدريب، ويقوم بإعطاء التعليمات إلى اللاعبين متجاهلًا وجود إبرا على قدر المستطاع.

يحتضن إبرا فييرا ويتركه ذاهبًا نحو مورينيو، يقف أمامه وينظر إلى عينيه مباشرةً، ينظر مورينيو نحوه

مورينيو: سترحل إذًا؟

إبرا: آسف على ذلك، ولكن يجب أن أنتهز الفرصة، أتيت فقط لأودعكم

مورينيو: لن أسمح لك بالذهاب، إذا رحلت سأرحل

وإبرا صُدم، لم يصدق أن الرجل الاستثنائي يخبره أنك «إذا رحلت سأرحل»، ولكنه ابتسم له بلطفٍ

إبرا: لا لن ترحل، ذلك يحدث في كرة القدم كل يوم، ولكن أتعرف شيئًا؟ أنت أفضل مدرب تعاملت معه، سأفتقدك كثيرًا، أتمنى أن نلعب في فريقٍ واحد من جديد

ينظر له مورينيو طويلًا، ويحتضنه مودعًا، يبدو أكثر هشاشة بكثير في تلك اللحظة، خصوصًا لمن يرى المشهد من بعيد.. ويرى اللاعب العملاق الذي يبلغ طوله 198 سم يحتضن المدرب القصير ضئيل الجسد ويربت عليه بشدة

قبل أن يقف مورينيو بصلابة، يُعطي تعليمات لمايكون ويأمر البقية باستمرار التدريب، قبل أن ينظر لإبرا مرة أخيرة


مورينيو: أنت ذاهب إلى برشلونة إذا كي تفوز بدوري الأبطال؟ ولكن يجب أن تعلم أننا من سنفوز به.. تذكر هذا جيدًا.. نحن من سنفوز به

إبرا: إذا لم يكن لي فهو لك


يقترب ماكسويل، يخبر إبرا أن عليهم التحرك الآن، يسلم هو الآخر على مورينيو، قبل أن يتحرك الإثنين

يتابعهم الاستثنائي وهم يخطون على عُشب الإنتر للمرة الأخيرة، قبل أن يذهب نحو لاعبه الجديد "دييجو ميليتو"، يتحدث معه طويلًا وسط التدريب، ويحدث قطع قريب على مورينيو مع جملته الأخيرة في الحوار

مورينيو: ... ولكن الدوري لم يعد هدفنا، هناك شيء أكبر نريد أن نسعى إليه هنا


(قطع)

(7)


إبراهيموفيتش لم يصدق أبدًا أن تحذير مورينيو الساخر بأنك "لن تفوز بدوري الأبطال.. بل نحن من سنفوز به" سيتحول إلى حقيقة بهذه السرعة.

إبرا قضى شهورًا أولى جيدة في برشلونة، معدل أهداف ثابت، وأوضاع مستقرة، لم يعد "سارق دراجات" بعد الآن، ولكن صار ولدًا مُهذبًا ككل من يلعبون في البرسا.

ولكن المشاكل بدأت تحديدًا في تلك اللحظة التي حول فيها مدربه بيت جوارديولا مركز ليونيل ميسي ليلعب في عمق الملعب بدلًا من الجناح، أمر أثر كثيرًا على حرية إبرا في الحركة، والأهم أنه يختبر للمرة الأولى كونه يخدم على لاعب أهم منه.. وهو الذي اعتاد أن يخدم الجميع عليه ويصنع وحده الفارق.

ساءت أموره، تحول لاحتياطي تقريبًا، لحساب الناشيء بيدرو رودريجز وخطة جديدة تجعل من ميسي مهاجم وهمي يحرز عشرات الأهداف كل موسم.

وفي أبريل ومايو 2010، صار عليه أن يواجه فريقه القديم "إنتر ميلان" في الدور قبل النهائي لدوري الأبطال، تذكر نبوءَة مورينيو، ولكنه أبعدها عن رأسه سريعا، فهو على بعد 3 مباريات فقط من تحقيق حلم دوري الأبطال، موسمه غير جيد، وقد يقرر الرحيل في آخره، ولكن عَ الأقل عليه أن يحقق الشيء الذي جاء ﻷجله.

فاز زملاءه القدامى 3-1 في سان سيرو، كانت نتيجة سيئة جدًا، ولكن الفوز 2-0 في العودة ليس صعبًا جدًا، كان «إبرا» يؤمن بذلك.. حتى حدثت تلك اللقطة بين الشوطين.

مورينيو جاء إلى جانب جوارديولا وأخبره: «لو سارت الأمور بشكل طبيعي فإننا من سنذهب إلى نهائي الأبطال»، كان الاستثنائي –كما كشف لاحقًا- يريد أن «يمنح نفسه بعض الثقة في ظل ضغط وتوتر اللقاء وطرد لاعب من جانب فريقه»، ولكن بالنسبة لإبراهيموفيتش فقد اهتز تمامًا في تلك اللحظة، أكثر من أي لحظة أخرى في تاريخه، تأكد أن النبوءة ستتحقق.. وأنهم (هم) من سيفوزون بدوري الأبطال.. بعدما لم يُصبح منهم.

خسر برشلونة، وزادت أوضاع إبراهيموفيتش سوءً، «بدا وكأن جوارديولا يحملني وحدي الخروج من الأبطال»، ومع نهاية الموسم ترك الفريق وعاد لإيطاليا من جديد، ثم إلى باريس، وظل حلم دوري الأبطال يراوده، ودائمًا ما يتردد في ذهنه تلك الجملة «نحن من سنفوز به»، ويفكر عما كان سيجري في حياته كلها لو لم يصمم على الرحيل إلى برشلونة في هذا الصيف وبقى برفقة مورينيو لموسم آخر؟

ولكنه الآن في الـ34 من عمره، لم يعتد الندم أبدًا، ولم يبقَ الكثير من الوقت ليقضيه في ذلك الندم، يحاول تجاوز ذلك، ويفكر فقط في مباراة تشيلسي وباريس التي تقترب، وحين يذهب لملاقاة مورينيو -في إنجلترا- سيبذل كل جهد ممكن من أجل الفوز عليه، الآن أكثر من أي وقت، لأنها قد تكون الفرصة الأخيرة لملاحقة حلمه في الفوزِ بالأبطال، وسيموت في الملعب.. ليس لأجلِ مورينيو هذه المرة.. ولكن من أجلِ إقصاءه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية