x

أسامة خليل الأهلى والسيسى وتجديد الخطاب الإعلامى أسامة خليل الأربعاء 11-03-2015 21:23


منذ بدأت متابعة الكرة قبل أربعين عاما، وأنا أسمع مقولة نتوارثها جيلا بعد آخر، ونرددها كقاعدة مسلم بها ونظرية يقينية لا خلاف عليها، وهى أن قوة المنتخب الوطنى من قوة الأهلى، فإذا ضعف الأهلى ضعف المنتخب وغابت البطولات، حتى إذا اشتد عوده واكتمل نضجه، عدنا مرة أخرى، وهى متلازمة أراها صائبة إلى حد كبير فى كرة القدم، ما يدفعنى لتوسيع دائرة القول إن الأهلى من المؤسسات الكبرى العاكسة لحال الوطن، والتى يمكن أن نتخذها مؤشرا، مع مؤسسات كبرى أخرى، لتوصيف حال البلد، إذا كانت قوية عفية أو هامدة خاملة أو فاسدة مترهلة، ولا أعلم على وجه اليقين ما إذا كان من قبيل المصادفة أو البرهان إثبات ما أقوله بأن الأهلى فى السنوات الأخيرة لم تختلف حاله عن حال البلد، حيث ترهلت إدارته وفسدت واستدانت وتراجعت قوته وهيبته بين الأندية، وكان بعض رموزه محل مساءلة فى قضايا فساد حكم «مبارك» ومازالوا حتى الآن، وتلازم مع هذه الحالة تمسك القائمين عليه بمقاعدهم، إلى درجة أنهم ذهبوا لاستعداء المؤسسات الرياضية الدولية لمنع الدولة من تطبيق بند الثمانى سنوات، إلا أن فشلهم فتح الباب واسعاً أمام تغير شامل فى القيادة الإدارية، لم يعهده الأهلى من قبل، وهو ما يمكن أن نصفه بـ«الثورة البيضاء» التى أثمرت مجلساً جديدًا شكلاً وموضوعا.

لكن التغيير على هذا النحو، وبهذه القوة، لم يأت لمجرد تعديل لائحة أو استبعاد مخضرمين، لكن بإرادة قوية من الأعضاء (الشعب) الذين استبعدوا بقوة وعنف كل من يمثل النظام القديم بحلوه ومره (الممثل فى حسن حمدى وأعوانه)، والذى حاول أن يفرض على الأهلى من يحكمه (إبراهيم المعلم)، لكن إرادة التغيير كانت أكبر وأوسع وأقوى، لدرجة أن تنجح قائمة محمود طاهر بكاملها وبوجوهها الجديدة، وهو ما يشبه ما حدث فى البلد مع فارق الأحداث والتدخلات السياسية والأطراف المتعددة، الداخلية والخارجية، وتعقيدات كثيرة وتفاصيل أكثر، لكن النتيجة تقريباً واحدة، وهى أن شعبا قام بثورتين وانتهى إلى اختيار قيادة جديدة (الرئيس السيسى) لم تكن فى الحسبان، ولا تنتمى للنظام القديم، ولم تلوثها قواعد الانتهازية السياسية، وتملك طموحا كبيرا ونقاء داخليا، دفع الناس لانتخابه بأغلبية ساحقة فى انتخابات حرة.

ومن أوجه الشبه التى تفرض نفسها على المشهد (مع الفارق الكبير بين حجم وطن وحجم مؤسسة مهما كانت كبيرة) أن كلتا الإدارتين الجديدتين للأهلى والبلد تواجهان نفس التحديات والمشاكل:

أولاً: جهاز إدارى مترهل وعجوز وفاشل وفاسد يقاوم التغيير ويستعصى على العمل، ويتمسك بكل حقوقه ومكافآته وامتيازاته القديمة، وفى الوقت نفسه ملتحف بالكسل والانهزامية والتراخى وغياب الدقة والاحترافية، ويحارب أى دماء جديدة تضخ فى عروقه المتصلبة، وهو يضعف إنتاج أى قيادة جديدة، ويقلل من حماس أى إدارة طموحة تسعى للتغيير والارتقاء بالعمل وتظل مهما كان جهدها وأفكارها وطموحها تدفع فاتورة سنوات طويلة من تغييب الوعى وقيمة العمل وتغليب المحسوبية والفساد.

ثانياً: نظام قديم يريد أن يعود، حتى ولو على «جثة الأهلى ومصر»، وهؤلاء لهم أياد طولى داخل الأجهزة الإدارية ويعبثون بلا ضمير لتفجير الوضع من الداخل، وتأليب الرأى العام على اختياراتهم وإرادتهم وتدمير جسور الثقة الممتدة بين الناس والقيادة التى تحمست لها لتسيد شعار «يا ريت القديم يرجع تانى»، وهو الشعار الذى يريدون أن يسود ليسربوا الإحباط إلى نفوسنا ونسلم لهم الأهلى ومصر.

ثالثاً: بقدر ما تحتاج مصر إلى تجديد الخطاب الدينى، فإنها تحتاج أولاً إلى تجديد الخطاب الإعلامى، وهو نقطة مشتركة ثالثة تجمع بين الأهلى كمؤسسة صغيرة، لكنها كاشفة، وبين البلد أو الوطن الكبير، فإذا كان إعلام حسن حمدى، حتى بعد غيابه عن المشهد، يسيطر بتضخيم السلبيات وتجنب الحديث عن الإيجابيات وتصدير أزمات لا تدخل فى موضوع التقييم والمراقبة أو النقد، لكن للتشهير والإفشال، فإن إعلام نظام «مبارك» هو الذى يفرض نفسه بصوته العالى وحماقاته على النظام السياسى، وهذا النوع من الإعلام يرفض أن يستوعب أن الثورة قامت، والوجوه والقلوب تغيرت، وعقارب الساعة لن تعود للخلف، وأن مقاومة التغير ستأكلنا جميعاً، وهم فى المقدمة، والطريق الذى ينجينا هو تعديل الخطاب الإعلامى من الانتقام والتشهير والتقزيم والتضخيم والتهويل، إلى خطاب الانتقاد الإيجابى، فنحن جميعاً شركاء فى بناء الوطن، لأننا جميعاً مشاركون فيما حدث من انهيار، ولو بالصمت والخضوع.

رابعاً: إذا كان الرئيس السيسى تسلم مصر، وهى تعانى أزمة مالية، وديونا ضخمة، ومتطلبات جبارة لا يقدر عليها إلا الله، ومن الصعب لبشر أن يجد لها حلولا وقتية سريعة، فمجلس إدارة الأهلى الذى كنا قبل رحيل الإدارة السابقة نسمع عن ميزانيته الضخمة، تسلم النادى ومديونيته 150 مليون جنيه، وفى خزينته 200 ألف، وهى أزمة محبطة ومثبطة تقود للفشل، لكن إرادة التغيير وإيمان الإدارة بأنها مدينة لشعبها الذى انتخبها بأغلبية ساحقة دفعاها لتحقيق إنجازات كبيرة وضخمة، لو أن هناك إعلاما محايدا لأقام لها الأفراح، أو احتفل بها (ولنا حديث طويل فى هذا الأمر)، ونفس الأمر، فمصر رغم حالة السواد الإعلامى التى يريد أن يفرضها علينا إعلام رجعى، وآخر متطرف، قطعت شوطا كبيراً نحو الاستقرار الأمنى الداخلى، ولولا عناد بعض شعبنا ممن أصابتهم متلازمة رابعة (وهم ليسوا بالضرورة إخوان) لاختلف المشهد، وتصالحنا وتشاركنا فى بناء المجتمع، لكن رغم هذه الظروف التى تزلزل الجبال، مازالت مصر تقف وتقاوم وتتقدم ببطء، والمهم هنا أن الانتصار الحقيقى لن يتحقق إلا إذا انتصرنا على أنفسنا وقتلنا الإحباط والكسل فى داخلنا وآمنا أننا شركاء ولسنا مدعوين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية