عندما خرج من بيته فى قرية أطفيح متجهاً إلى مديرية أمن حلوان، لم يتوقع جهاد عبدالحليم «أمين شرطة» أن خطوته التالية ستكون إلى سفارة إسرائيل، فهو بالنسبة لأهل بلده «الحكومة»، والحكومة ضد إسرائيل، لكن لجوءه إليها كان إعلانا منه أنه هو شخصياً ضد الحكومة.
عمل «جهاد» كأمين شرطة جعله يتخيل أنه من السهل أن يحصل على شقة ترحمه من بيته الطينى فى القرية وتساعده على الزواج، باعتباره «ابن الحكومة»، فتوجه إلى وزارة الإسكان وقدم أكثر من طلب للحصول على شقة، لكن كل طلباته رُفِضت حيث قال له مسؤولو الوزارة: «ماعندناش»، فقرر أن يعود إلى صفوف عامة الشعب ويلجأ إلى نائب دائرته فى مجلس الشعب وهو مصطفى بكرى، الذى أرسله بخطاب تزكية للوزارة بعدما علم بحالته وتعاطف معه: «إحنا 11 فرد ساكنين فى بيت طين فى أفقر قرى حلوان، وكنت فعلا محتاج لشقة».
خطاب مصطفى بكرى غير من رد الوزارة على طلبه الذى يقدمه من حين لآخر، فجاء الرد إيجابياً هذه المرة، حيث خصصت له الوزارة شقة فى مشروع «مبارك القومى لإسكان الشباب»، فعرف جهاد أنه مطلوب منه أن يدفع 5 آلاف جنيه مقدماً و71 جنيهاً إيجاراً شهرياً، ولكن بعد بيع المشروع لبنك التعمير والإسكان، فوجئ جهاد بتغييرات جذرية فى المشروع: «أنا قلت لو الإيجار ارتفع عن 71 جنيه ممكن يوصل لـ260 جنيه لأنهم أكيد عارفين إن المستفيدين من هذا المشروع غلابة، لكن اكتشفت إنهم بيطالبونى بـ1800 جنيه مقدم و679 جنيه إيجار شهرى».
واكتشف جهاد أيضا أنه أمام مشكلة أخرى فراتبه الذى لا يتعدى 719 جنيهاً لا ينطبق مع أحد شروط الحصول على شقة، والذى يقضى بألا يكون إيجار الشقة أكثر من 40% من راتب الساكن، ولأنه «ماشى جنب الحيط» ولا يفعل مثل زملائه – على حد تعبيره - فهو لا يستطيع تحصيل أكثر من 700 جنيه: «زمايلى معاهم عربيات وشقق لكن أنا مش زيهم ماشى بما يرضى الله، لو هعمل اللى بيعملوه ماكنتش اتبهدلت كده».
بخطاب آخر من مصطفى بكرى ذهب جهاد إلى السفير عادل نجيب، نائب وزير الإسكان للمجتمعات العمرانية، فرد عليه: «هو ده اللى عندنا واللى يمشى عليك يمشى على مصطفى بكرى». وقتها شعر جهاد بإحباط شديد فقال لنجيب: «يعنى أعمل إيه أهج من البلد». قال له نجيب: هج.
المكان الذى قرر أن «يهج» إليه جهاد لم يختره اعتباطاً وإنما انطلاقا من مبدأ «اللى يعادى عدوك يبقى حبيبك»، ولأن الحكومة أصبحت عدواً قرر أن يلجأ لعدوها من وجهة نظره: «الوزارة خلاص حفظتنى وبقوا يقولولى هو مفيش غيرك يا جهاد فمجاش فى بالى غير حاجة واحدة.. إسرائيل».
ذهب جهاد إلى السفارة الإسرائيلية وهو يقول فى سره «لو وصلت للحدود مانيش راجع البلد دى تانى»، لكنه لم يصل أصلا للسفير حيث التقطته أمن الدولة، وهناك وجد غير ما توقع: «أمن الدولة تعاطفوا معايا وقالولى إحنا هنسيبك علشان إنت شكلك غلبان ومحترم بس ماتعملش كده ثانى، وأنا قلتلهم وزير الإسكان هو السبب أنا مش عارف أتجوز علشان ماعنديش شقة، وبصراحة يئست وكان نفسى أروح إسرائيل وماجيش هنا تانى».