x

وحيد عبد المجيد أحزاب سياسية.. أم «شركات مقاولات انتخابية»؟ وحيد عبد المجيد الخميس 05-03-2015 21:19


لا يختلف اثنان على أن الأحزاب السياسية فى مصر ضعيفة. فهذا واضح بذاته ومرئى للجميع، فضلاً عن أنه ليس جديداً. فلم تكن الأحزاب فى مصر قوية فى أى وقت، لأن العوامل الموضوعية اللازمة لنموها وتطورها لم تتوفر على مدى أكثر من قرن.

فالقواسم المشتركة بين حالات تطور الأحزاب فى العالم، عبر تاريخها الذى يزيد قليلاً على قرنين، تفيد بأن العوامل الموضوعية هى الأساس فى هذا التطور. وأهم هذه العوامل وجود بيئة سياسية تنافسية، وحالة مجتمعية قابلة للانتقال من العلاقات التقليدية القائمة على العصبيات العائلية والعشائرية إلى تفاعلات سياسية حديثة، ونظم قانونية تُعلى شأن الحقوق والحريات العامة. كما تشمل هذه العوامل استمرار العمل الحزبى بدون انقطاع لكى يحقق التراكم الضرورى لحدوث تطور نوعى فيه.

ولم يحدث هذا فى مصر على مدى أكثر من قرن منذ أن بدأت الأحزاب فى الظهور عام 1907. فقد أخذ التطور السياسى والمجتمعى والقانونى مساراً متعرجاً. كما حدث انقطاع فى وجود الأحزاب مرتين، إحداهما بعد سبعة أعوام على نشأتها الأولى حين نشبت الحرب العالمية عام 1914، ثم بعد ثلاثة عقود على نشأتها الثانية عندما حظرتها قيادة ثورة 1952.

أما النشأة الثالثة للأحزاب عام 1976 فقد جاءت مشوهة فى إطار تعددية مقيدة محكومة من أعلى بقبضة إدارية وأمنية صارمة. ومازالت تداعيات الحصار الذى فُرض على الحياة الحزبية خلال العقود الأخيرة مؤثرة عليها، رغم أن معظم الأحزاب الموجودة الآن نشأت بعد ثورة 25 يناير.

فقد جاء كثير من قادة هذه الأحزاب «الجديدة» من «النخبة» الحزبية التى ظهرت قبلها، سواء فى أحزاب المعارضة أو الحزب الوطنى المنحل. كما أن الاضطراب الذى حدث، ومازال، فى الحياة السياسية خلال السنوات الأربع الأخيرة أضعف قدرة الأحزاب على بناء نفسها.

غير أن التفاعلات التى اقترنت باستعداد الأحزاب لانتخابات مجلس النواب، التى تقرر تأجيلها، أظهرت ارتباكاً شديداً فى أدائها يصعب أن نعيده إلى تأثير العوامل الموضوعية وحدها. كما أن الكثير من مظاهر هذا الارتباك غير مسبوق، ويتعذر بالتالى تفسيره بضعف الأحزاب فقط. فلم تكن الأحزاب فى مثل هذه الحالة المرتبكة فى أى وقت مضى، رغم أنها كانت ضعيفة طول الوقت.

فقد بلغ عجز الأحزاب عن بناء كوادر يستطيع عدد معقول منهم المنافسة فى الانتخابات أعلى مبلغ فى تاريخها. ولذلك باتت كلها مضطرة إلى البحث عن مرشحين من غير أعضائها، ولا يشعرون بالتالى بانتماء إليها. وأصبحت ظاهرة «المرشح العابر للأحزاب»، الذى ينتقل من حزب إلى آخر حسب المصالح والظروف، شائعة بدرجة لا سابقة لها.

فالأحزاب الأقدم فقدت معظم الكوادر الذين نشأوا فيها بسبب سوء إدارتها وحدة الصراعات فى داخلها. والأحزاب الأحدث لم تتمكن من وضع أسس البناء الحزبى الذى يمكن أن تنشأ فى ظله كوادر تنتمى إليها وترتبط بها.

وأدى ذلك إلى تفاقم الصراع بينها على مرشحين لا ينتمون إليها، ولكنهم يملكون مصادر قوة انتخابية فى دوائرهم وكان عدد معتبر من هؤلاء ضمن مرشحى الحزب الوطنى فى انتخابات 2010 وسابقاتها، وهكذا تبدو الأحزاب، فى وضعها هذا، كما لو أنها تقوم بأعمال «مقاولات انتخابية» سعياً للحصول على مقاعد بأية وسيلة، فى ظل نظام انتخابى بدائى يقود إلى مجلس ضعيف ليس له من البرلمانات الحديثة إلا الشكل.

وسهَّل تفاقم أزمة الأحزاب على هذا النحو، وطبيعة نظام الانتخاب، مهمة بعض أجهزة السلطة التى لا ترتاح إلى حضور حزبى قوى فى البرلمان وتفضل التعامل مع مجلس معظمه من المستقلين لضمان السيطرة عليه.

ولذلك اتجه بعض مرشحى الأحزاب، ذات الحضور النسبى، للانضمام إلى إحدى القوائم التى أثير جدل حول علاقتها بالسلطة، أو تركوا أحزابهم للترشح مستقلين ليكونوا رديفاً لها فى حال فوزهم. وأدى ذلك إلى مزيد من ارتباك الأحزاب، التى تصرف بعضها بطريقة لم تخطر على بال دارسى النظم الحزبية فى العالم.

فقد توزع مرشحو بعض الأحزاب على قوائم متنافسة، بل ترشح رئيس حزب فى إحداها «فى حب مصر» ونائبه فى قائمة ثانية «نداء مصر». كما اضطر قادة بعض الأحزاب إلى الالتحاق بقوائم لا يرضون عنها، أو يرفضها كثير من أعضاء هذه الأحزاب. فإذا أخذنا الحزبين الأكثر حضوراً بين الأحزاب «المدنية» مثالاً، نجد أن أحدهما انتقد فى بيان رسمى القائمة، التى وافق على انضمام بعض أعضائه إليها، وأن الثانى تعرض لانقسام شديد بسبب التحاقه بهذه القائمة نفسها بعد أن أشبعها نقدا.

وهكذا، أظهرت استعدادات الأحزاب للانتخابات أن أزمتها تفوق ما كان متصوراً قبلها، وأنها باتت فى حاجة إلى عمليات إنقاذ عاجل لا يتيسر القيام بها فى فترة تأجيل الانتخابات. ومع ذلك يظل هذا الإنقاذ ممكناً على مدى أطول نسبياً إذا أدرك قادة الأحزاب، ذات الحضور النسبى، مدى فداحة أزمتها، وكفوا عن إنكار واقع هذه الأزمة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية