إذا تفوقت «أفعال الزمن الماضى» على الحياة فأنت فى أرض مفلسة مثل التاجر الخاسر الذى يبحث فى دفاتره القديمة، وإذا غلبت «أفعال الزمن المضارع» فأنت فى أرض تحاول البقاء، أما إذا كانت الصدارة لـ«أفعال زمن المستقبل» متجسدة فى كلمة «سوف»، فأنت إما أن تكون فى أرض الأحلام أو فى أرض المجانين! فـ«سوف» دون إمكانيات هى تحدٍّ لإيجاد بدائل، ولكنها دون عمل مضيعة للوقت فى أوضاع «عبثية» (من العبث) و«عباسية» (من المستشفى الشهير للأمراض العقلية)، شفى الله الجميع.
إذا كنت تعانى من التخيلات أو التهيؤات فأنت تحتاج إلى زيارة طبيب. أما إذا كان هذا يحدث لك وأنت نائم، فهذا مجرد حلم عادى. فالأحلام هى اللحظات التى نفقد فيها عقولنا فى إطار مقبول مجتمعياً.. والحلم فى أثناء النوم مهم، لكن الأهم منه هو الحلم فى اليقظة، ومع ذلك إذا زاد النوع الأخير على معدل معين يتحول إلى مرض نفسى يستوجب العلاج. وعلينا أن نحلم لأن الحياة بدون حلم هى موت مُقنع.
رأى سقراط أن الأحلام رسائل إلهية مقدسة، بينما حاول أرسطو تفسيرها تفسيراً «عصرياً» بأن طرح فكرة كونها انعكاساً لما يمر به الشخص طوال اليوم. بعد ذلك توالت محاولات التفسير. ولعل أشهر ثلاثة مفسرين للأحلام هم الإغريقى «أرطميدورس» (صاحب كتاب أنيوروكريتيكا «تفسير الأحلام»). والعربى ابن سيرين (صاحب كتاب تعبير الرؤيا)، والنمساوى «سيجموند فرويد» (صاحب كتاب تفسير الأحلام). وأهم الأحلام هى ما مر فى حياة سيدنا يوسف عليه السلام؛ ومنها أحلام حلمها وأخرى فسرها وكلها أدت إلى رسم واحدة من أعظم قصص التاريخ البشرى.
وتنفرد بلادنا بظاهرة فريدة وهى تحول الحقوق إلى أحلام. فالشاب البسيط يحلم بوظيفة وبيت وزوجة وسيارة فى إطار منظومة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». وكل ما سبق لا علاقة له بالأحلام بل هى حقوق طبيعية. وبسبب غيابها تزداد عندنا معدلات الهجرة، بشقيها الشرعى وغير الشرعى، بحثاً عن الحصول على الحقوق. يحدث هذا بينما كل ما فعلته أمريكا (أرض الأحلام) هو أنها أعطت لكل شخص حقه على قدر عمله، وهذا استناداً إلى الجملة الواردة فى إعلان الاستقلال والتى تقول: (الناس متساوون ولهم بعض الحقوق غير القابلة للتغيير. الحياة والحرية وتحقيق السعادة). فى بلادنا جُمل كثيرة مثلها، لكننا ببساطة لا نعمل.
العالم العربى اختزل أحلامه فى أوبريت «الحلم العربى» الذى ظهر منذ ستة عشر عاماً، وكان فى الواقع كلمات مميزة على لحن جنائزى مرير يليق بالأحلام البسيطة لساكنى المقابر. عموماً نحن لم نحقق منه حتى الآن أى مقطع. أو أى حلم!