لعدة سنوات، ظل ليو روي جيانج يتحمل الضباب الدخاني الخانق بالعاصمة الصينية، بكين، لكنه لم يشأ أن يعرض ابنته الوليدة لهذا الخطر، فبات جيانج، الذي يعمل بائعا، يحمل معه في كل مكان يذهب إليه جهاز استشعار يدويا للكشف على التلوث.
وفي الأيام، التي يتجاوز فيها تلوث الجو مستويات الخطر لا يسمح لإبنته، التي تحبو، بأن تبرح المنزل حيث يوجد جهازان لتنقية الهواء يعملان باستمرار ويوفران للرضيعة هواء نقيا للتنفس.
وتشير تقديرات جيانج، وهو من سكان بكين الذي ينتمي للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، إلى أنه أنفق 40 ألف يوان، 6375 دولارا، خلال العامين الأخيرين، لمجابهة آثار التلوث على ابنته الصغيرة يونشو، وقال الرجل، البالغ من العمر 37 عاما، «إذا لم نفكر في طريقة لموازنة الأمر أو إيجاد بعض الطرق البسيطة لمساعدتنا على التعافي فستدمر صحتنا في نهاية المطاف».
وجيانج مثله مثل ملايين الصينيين، يدفع وأسرته ثمن عقود من إجراءات النمو الاقتصادي المحموم الذي انتشل مئات الملايين من براثن الفقر لكنه ترك آثاره السيئة على البيئة بسبب سرعة ايقاع أنشطة التصنيع.
وقالت بيانات من محطة للرصد البيئي بالسفارة الأمريكية ببكين إنه خلال السنوات الـ7 الماضية، زاد متوسط انتشار الملوثات الدقيقة في الجو بالعاصمة، وهي التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، بنحو 5 أمثال عن المتوسط اليومي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
والعواقب الصحية لاستمرار التعرض لهذه الظروف وخيمة إذ أوضحت دراسة أجرتها جماعة «جرينبيس»، السلام الأخضر، وعلماء من جامعة بكين استنادا إلى بيانات من 2013 أن أكثر من 257 ألف حالة وفاة سابقة لأوانها في 31 مدينة صينية ترجع إلى الملوثات الدقيقة ما يجعلها من الأسباب الرئيسية للوفاة بدرجة أكبر من التدخين.
ويزداد الوعي بمخاطر تلوث الجو في بكين وذلك بفضل زيادة البيانات المتعلقة بجودة الهواء. وبوسع أي شخص قياس التلوث بالاستعانة بجهاز يعطي قراءات كل ساعة لمستوى الملوثات الدقيقة بناء على التقديرات الحكومية أو تلك الخاصة بالسفارة الأمريكية.
وقالت مؤسسة «تكساي» للبحوث إن من المتوقع زيادة حجم مبيعات أجهزة تنقية الهواء بنسبة 33% خلال السنوات الـ5 المقبلة، لكنها لن تكون زهيدة الثمن إذ يباع الجهاز المتطور بأكثر من 3600 يوان، 574 دولارا، أي ما يعادل متوسط الراتب الشهري في بكين. ويفكر بعض المغتربين في مغادرة الصين إلى الأبد.
يقول الكوري جيه.كيم، الذي يعمل بالصين منذ أكثر من 10 سنوات، إنه أصيب بالتهاب الجيوب الأنفية والربو خلال فترة مكوثه ببكين في الآونة الأخيرة نتيجة تنفس هوائها الملوث.
وعندما بلغت هذه الظاهرة أشدها، في يناير 2013، قرر كيم الرحيل عن الصين ونقل أطفاله إلى كوريا الجنوبية، في 2014، وسينضم إليهم فور أن تجد له شركته المتخصصة في المركبات الكهربية موقعا مناسبا له في بلاده.
وقال: «بالنسبة إلى الصينيين ليس بوسعهم أن يفعلوا شيئا لكن بوصفي أجنبيا فلدي خيار العيش هنا أو أي مكان آخر»، وأصبحت زيادة الإستياء الشعبي من حالة البيئة من العوامل المحفزة القوية للتغيير وسط بوادر على أن الحكومة بدأت في معالجة المشاكل البيئية بجدية.
و في 2014، قال رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانج، إن الصين سوف «تعلن الحرب» على التلوث، وذلك في بداية الاجتماع السنوي للبرلمان ويتزامن ذلك مع كشف الحكومة عن إجراءات مفصلة لمعالجة التلوث الذي أصبح قضية اجتماعية مثيرة للاهتمام.
وكانت بكين قد عينت، الجمعة، تشن جي نينغ وزيرا للبيئة فيما تعهدت الصين بازالة الأضرار التي لحقت بأنهارها وتربتها الزراعية وجوها ضمن حملة لتحقيق النمو تستمر3 عقود من الزمن مما يخضع وزارة البيئة، التي تفتقر إلى الموارد، لضغوط كي تحقق نتائج.