قدمت المقالات السابقة فى هذه السلسلة لمحات من كتاب جيمس رايزن «حالة حرب»، وما احتواه من معلومات كشفت خفايا العلاقة بين أمريكا وإيران. لكن خلفية كتاب رايزن تستحق فى ذاتها المناقشة. فالكتاب الذى صدر فى عام 2006، غير حياة كل من رايزن ورجل المخابرات جيفرى سترلنج إلى يومنا هذا. فسترلنج الذى اتهم بأنه مصدر المعلومات السرية التى نشرها رايزن، حكم عليه بالفعل فى القضية من أسابيع.
أما ما تعرض له الصحفى جيمس رايزن، رغم أننى أشرت لبعضه فى ثنايا المقالات السابقة، فإنه ينطوى على قصة تستحق أن تروى بشىء من التفصيل. فرايزن يعتبر نموذجا ممتازا للصحفى حين يكون بالفعل حرا ومستقلا. فكتابه الذى صدر فى 2006، لم يكشف فقط عن عمليات المخابرات المركزية الفاشلة تجاه إيران، وغيرها من أسرار العلاقة بين أمريكا وإيران. فهو تضمن، فوق هذا وذاك، وبالتفصيل، القصة التى كان هو واحدا من اثنين فجراها فى 2005 والتى تتعلق بقيام هيئة الأمن القومى الأمريكية بالتجسس على هواتف الأمريكيين دون إذن قضائى. وخطورة القصة كانت فى أن ذلك التجسس لم يكن فقط مخالفا للقانون وإنما كان يخالف الدستور الأمريكى نفسه. وقد حكى رايزن بنفسه فى كتابه الجديد الذى صدر فى 2014 خلفيات ما جرى قبل نشر كتابه فى 2006 وما تعرض له بعدها.
ففى أكتوبر 2004، قدم رايزن، مع زميل له، لجريدة النيويورك تايمز التى يعملان بها موضوعا يكشف لأول مرة فضيحة تجسس هيئة الأمن القومى الأمريكى على المواطنين الأمريكيين دون إذن قضائى. لكن إدارة بوش، حين علمت بالموضوع، بذلت أقصى ما فى وسعها لإقناع إدارة التحرير فى النيويورك تايمز بوقف النشر بدعوى أنه سيهدد الأمن القومى الأمريكى «بشكل خطير». وقتها، استجابت النيويورك تايمز ولم تنشر الموضوع. كان ذلك فى أكتوبر، أى كان المتبقى شهر فقط على إجراء الانتخابات الرئاسية، وكان النشر سيؤثر بالضرورة على فرص بوش فى إعادة انتخابه.
لكن اليأس لم يصب رايزن وزميله، ففى ديسمبر 2004، أى بعد فوز بوش بفترة ثانية، أعادا المحاولة لنشر الموضوع بعد تحديثه. لكن إدارة النيويورك تايمز استجابت مرة ثانية للبيت الأبيض ورفضت النشر. ويقول رايزن إن قرار عدم النشر عندئذ «بدا نهائيا». وقد شعر رايزن بالإحباط وتملكه القلق من أن «الحقيقة وراء الحرب على الإرهاب قد تم التعتيم عليها»، مثلما حدث قبل غزو العراق، فقبل غزو العراق، كما يقول رايزن، «كانت مقالاتى التى كشفت فيها عن أن خبراء وكالة المخابرات المركزية كانت لديهم شكوك بشأن المعلومات الاستخباراتية التى كانت تستخدمها إدارة بوش للترويج للحرب قد تم دفنها فى الصفحات الداخلية للنيويورك تايمز، بينما كانت مقالات أخرى زاعقة تؤكد وجود أسلحة دمار شامل تستحوذ على عناوين الصفحة الأولى».
لذلك، عندما رفضت الجريدة نشر موضوع الأمن القومى للمرة الثانية، حصل رايزن على إجازة لإعداد كتاب قرر أن يتضمن، بعد استئذان زميله، فصلا عن موضوع هيئة الأمن القومى الذى رفضت نشره الجريدة. وفى صيف 2005، بعد إعداد الكتاب للنشر، أبلغ رايزن هيئة التحرير فى النيويورك تايمز بأن موضوع هيئة الأمن القومى، فضلا عن موضوع «العملية ميرلين»، الذى كانت الجريدة قد رفضت تماما نشره قبل رفضها موضوع هيئة الأمن القومى بفترة، سيكونان بين دفتى الكتاب قريبا. فثارت ثائرة إدارة تحرير النيويورك تايمز.