x

جمال طه «دواعش» ليبيا.. ومغزى الغارة المصرية جمال طه الأحد 01-03-2015 21:14


بعد ظهور داعش فى ليبيا، ومبايعة «أنصار بيت المقدس» للبغدادى، بدأ التنسيق الاستراتيجى بينهما.. دعم بالأسلحة والذخائر والمقاتلين، تعويضاً عن إغلاق الأنفاق.. مشاركة مباشرة فى عملية الفرافرة يوليو 2014.. ومبادرة أحدهما بتسخين جبهته تخفيفاً عن الآخر حال تعرضه لضغوط عسكرية وأمنية، ما يفسر مجزرة داعش ضد المواطنين المصريين بليبيا، ضمن أهداف أخرى أبرزها إحراج الرئاسة، إظهار عجزها عن حماية رعاياها، إثارة سخط المسيحيين، تخويف العمالة المصرية للعودة تاركة مصدر رزقها، فتصب غضبها على الدولة.

المخابرات المصرية رصدت رسائل الظواهرى الموجهة لمجموعات إرهابية تسمى «الجيش الفاتح»، تشكلها القاعدة بالتنسيق مع الإخوان، وتدربهم بمعسكراتها فى ليبيا، الرسائل تُعبئهم لـ«غزو مصر، وتحريرها من السلطة الكافرة»، وتبشرهم بأن عمليتهم الأولى «تهريب قيادات الإخوان».. اختراق أحد معسكرات مصراتة أكد أنه يضم 4000 إرهابى، ضمن 15 ألفا يستهدفهم التنظيم، بعضهم ممن هربوا بعد فض رابعة.. التمويل قطرى، والأسلحة تأتى بطائرات قطرية للمطار، وسفن تركية للميناء.

داعش احتلت القنوات الفضائية الليبية؛ مصراتة، توباكتس، فزان، النبأ، ليبيا الأحرار، مكمداس.. شنت حملات ضد مصر وقيادتها ودورها بالمنطقة، وروّجت لأجندة التنظيم الدولى للإخوان، والأفكار التكفيرية والجهادية.

ليبيا تكتسب أهمية خاصة لدى داعش، باعتبارها قاعدة متقدمة لتدريب المقاتلين، والعمليات الموجهة لأوروبا، والقوات الفرنسية بدول الساحل والصحراء، لذلك أسست داعش لواء «البتّار» من العناصر الليبية والمغاربية بسوريا.. وعندما بدأ الجيش الليبى بقيادة حفتر «عملية الكرامة» كلف البغدادى عناصر اللواء بالعودة لمواجهته، وشدد على إعطاء أولوية لاكتساب الأرض عن عمليات التفجير.

لداعش منذ سنوات قاعدة عمليات بميناء درنة، الكاتب والمؤرخ الأمريكى ويبستر تاربلى مؤلف كتاب «الحادى عشر من سبتمبر» وصف درنة بـ«عاصمة الإرهاب العالمى»، لأنها تصدر المقاتلين للعراق وسوريا.. معهد «واشنطن للشرق الأدنى» صنّف درنة كجزء من «دولة داعش».. ومهدى الحاراتى عميد طرابلس، الذراع اليمنى لعبدالحكيم بلحاج اعترف بأنه تولى شخصياً نقل عناصر من الدول المغاربية والأوروبية لسوريا انطلاقاً من السواحل الليبية ومطاراتها، وذلك بعد التدريب بمعسكراتهم.. «مجلس شورى شباب الإسلام» أعلن تأييده لداعش يونيه 2014، ونفذ إعدامات على طريقتها بملعب لكرة القدم فى أغسطس.. ووسط عرض لـ«الشرطة الإسلامية» فى 6 أكتوبر 2014 بايعتها أنصار الشريعة، وأعلنت درنة إمارة إسلامية.. داعش سيطرت على كامل المدينة نوفمبر 2014، بمقاتلين تجاوزوا 800، تتبعهم 6 معسكرات بأطرافها، تضم جنسيات من دول شمال أفريقيا.

داعش استهدفت سرت منذ عامين مستغلة الفراغ الأمنى، وتوفر البيئة الحاضنة من أنصار القذافى، الساخطين على الغرب.. أنشأت مقراً لقيادتها بمركز المؤتمرات، سيطرت على المطار، استقبلت طائرات تركية وقطرية محملة بالأسلحة، احتلت الإذاعة والفضائيات، وبثت خطب البغدادى والعدنانى، والأناشيد الجهادية، أغلقت مقر الجوازات، وطلبت من الموظفين الاستتابة، سيطرت على مجمع عيادات المدينة، وفصلت بين الجنسين، استولت على الجامعة، وعلقت الدراسة، ودعت قوات فجر ليبيا لترك المدينة، استعداداً لإعلانها ولاية إسلامية.. بعد الغارات المصرية فرضت حظراً للتجول تحسباً لتكرارها.

داعش توسعت فى الجنوب الليبى بإقامة قواعد، وتجنيد عناصر جديدة، والارتباط بتنظيمات قائمة؛ خاصة جماعة بلمختار أبرز قياديى «القاعدة» فى بلاد المغرب الإسلامى، و«إياد آغ غالى» زعيم جماعة «أنصار الدين»، اللذين كانا يرتبطان بقاعدة الساحل والصحراء، إضافة للجماعات الهاربة من شمال مالى.. اهتمام الجزائر بالمنطقة بحكم ارتباطها بأمنها، دفعها للتواصل اليومى بأعيانها ووجهائها، لضبط الأمن وتوفير المساعدات الإنسانية، والتصدى للجماعات الإرهابية، استضافت فى يناير 2015 ممثلين عن 24 قبيلة لبحث وقف النزاع بين قبيلتى الطوارق والتبو، ومطلبهم ومطلب أهالى ولاية إليزى الحدودية بفتح الحدود، لكنها لم تعد بذلك لخطورة الموقف.. بعد الغارات المصرية انسحبت أربع جماعات من مواقعها فى الحمادة الحمراء، وعرق مرزوق، خشية استهدافها؛ «التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا»، «كتائب الصحراء» فى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، «كتائب يوسف بن تاشفين»، وفرع «أنصار الشريعة» بجنوب ليبيا.

داعش نظّمت مسيرات مفتوحة بطرابلس، وأعلنت اعتزامها تنفيذ عمليات نوعية للسيطرة على مصراتة، واستتابت أهل النوفلية شرق سرت لمدة 3 أيام لإعلان البيعة، حتى لا يتعرضوا للقصاص، وفرضت القيود «الشرعية» على نساء صرمان فى الغرب، وهو نفس ما فرضته أنصار الشريعة فى «صبراتة» غرب طرابلس.

أهم تحدٍّ واجه التنظيمات الإرهابية هو التنافس إلى حد المواجهة بين القاعدة وداعش فى ليبيا وشمال أفريقيا.. كتيبة أبومحجن الطائفى بايعت داعش وأرسلت 50 متطوعا للحرب بالعراق يوليه 2014، تلتها «أنصار الشريعة»، شباب التوحيد، مجلس شورى شباب الإسلام بدرنة، كتيبة عقبة بن نافع بتونس، كتيبة الفرقان بالجزائر، وهما تابعتان لـ«قاعدة المغرب الإسلامى»، التى جدّدت البيعة للظواهرى، وهناك مؤشرات تنسيق بين جبهة البوليساريو والقاعدة.. هذا التنافس لا يعكس سوى الجهل بأن مبررات الخلاف بين التنظيمين تتراجع.. تحفظ القاعدة على مسمى «الدولة»، لم يعُد له موضع، استثمار داعش الذكى للبيئة الحاضنة مكّنها من امتلاك المقومات النظرية للدولة، ولو مؤقتاً.. التكفير المتبادل فى إطار الصراع، حان وقت إنهاؤه لمواجهة التحالف الدولى.. تحفظ القاعدة على محاكمات داعش واستخدامها المفرط للعنف، تراجع أمام ما تحقق على الأرض من نتائج.. والخلاف حول تبعية داعش للقاعدة من عدمه، لا موضع له بعد أن حققت داعش نقلة نوعية فى تاريخ الجماعات التكفيرية وصراعها مع ما يسمونه بالطاغوت.. على أرض سرت تجلّت مؤشرات انحسار المواجهة.. التسجيل المصور لذبح 21 مسيحيا مصريا، تضمن رسالة من داعش للقاعدة، تلطيف أجواء، وإشراك فى مسؤولية ذبح ذميين، وقسم بأن تخلط مياه البحر بدماء الغرب الصليبى الذى غيب فيه جسد بن لادن.

الغضب الأمريكى من انفراد مصر بضرب داعش يرجع لحرصها على منع مصر من التعامل مع ليبيا باعتبارها ضمن دائرة أمنها القومى، لأن أمريكا ترتبط مع إخوان ليبيا باتفاقات تستهدف المنطقة، وتهدد مصر.. موقع WorldNetDaily الأمريكى نشر تقريراً للجنة من 17 خبيرا عسكريا ومخابرات حققوا فى نشاطات الخارجية الأمريكية فى عهد هيلارى كلينتون، أكد أن السفير السابق بليبيا كريستوفر ستيفنز كانت مهمته إدارة برنامج لتهريب الأسلحة لميليشيات القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، عضو اللجنة كلير لوبيز، ضابط سابق بـ CIA بليبيا أكد أن الأسلحة شحنت من أوروبا الشرقية لمركز خدمات لوجستية بقطر، ونقلت بالسفن والطائرات، لمجمع البعثة الأمريكية ببنغازى، بالتنسيق مع قادة الميليشيات، وبعد سقوط القذافى كُلف السفير بالتنسيق مع تركيا لشحن الأسلحة لمتمردى سوريا الذين شكلوا داعش والنصرة.. روبن كوك وزير الخارجية البريطانى السابق كشف أن CIA كانت بمثابة الأم لأسامة بن لادن عام 1980، وأن آلافاً ممن انضموا للقاعدة دربتهم الوكالة.. دان بايمان الباحث بمعهد بروكينجز أعرب عن دهشته من أن الولايات المتحدة لا تعطى أولوية للإرهاب فى ليبيا.. وموقع وكالة بلومبرج أكد أن الحكومة الشرعية فى ليبيا طلبت من واشنطن رسمياً وضع ليبيا ضمن أجندتها للحرب ضد داعش، ولكنها تجاهلت الطلب.

مصر عندما استهدفت دواعش ليبيا بضرباتها، تدرك أن الطيران لا يحسم معارك، ولا يصفّى إرهابا دون عمليات برية.. إلا أن الظروف الدولية والإقليمية لا تسمح بذلك، مما يجعل من دعم مؤسسات الدولة الليبية وعلى رأسها الجيش الوطنى والأجهزة الأمنية، أفضل البدائل المتاحة لتطويق الإرهاب، ووقف تمدده.[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية