أدى تزامن زيارة الرئيسين «المصرى السيسى والتركى أردوجان» للسعودية إلى طرح سؤال حول إمكانية المصالحة بين البلدين. إجابتى عن هذا السؤال هى لم لا؟
أنا أؤمن بالمدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية والتى تقوم على مفهوم المصلحة الوطنية، وأن فى العلاقات بين الدول لا يوجد أصدقاء دائمون ولكن توجد مصالح دائمة. من وجهة نظر واقعية مصرية فإن تركيا دولة إقليمية مهمة فى الشرق الأوسط، وأى ترتيبات لمستقبل هذه المنطقة من الصعب أن تتم بمعزل عنها.
لكن المشكلة فى هذا التحليل هى غياب النظرة الواقعية فى السياسة التركية تجاه مصر، وقيامها على مجموعة من الافتراضات النظرية التى ثبت فشلها. السياسة التركية تجاه مصر والمنطقة العربية لم تكن بهذا الشكل منذ خمس سنوات أو حتى منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم فى تركيا عام 2002، حيث تبنى رئيس الوزراء أردوجان ووزير خارجيته فى ذلك الوقت أحمد أوغلو، رئيس الوزراء الحالى، سياسة واقعية قامت على توطيد التعاون مع العالم العربى باعتباره «عمقا استراتيجيا» لتركيا، واتباع سياسة «تصفير المشاكل» مع دول الجوار، أى القضاء على المشاكل معها، واحترام سيادتها وعدم التدخل فى شأنها الداخلى. وأدى ذلك لازدهار الصادرات التركية للدول العربية، بل تحسنت علاقاتها بشكل كبير مع خصمها التقليدى سوريا، وسعت للوساطة بينها وبين إسرائيل.
ولم يختلف هذا النمط فى العلاقة مع مصر فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، فلم نسمع عن أى تدخل تركى أو حتى تعليق بشأن الأوضاع الداخلية المصرية، وتركزت العلاقات على البعد الاقتصادى، وكان المستثمرون الأتراك من أكثر المستفيدين من اتفاقية «الكويز» التى سمحت لهم بتصدير ما ينتجونه فى مصر للأسواق الأمريكية دون قيود جمركية، وهو وضع يفتقدونه فى تركيا.
التغير فى السياسة التركية وتخليها عن الواقعية ارتبط بأحداث ما عرف بالربيع العربى بداية من عام 2011، حيث اعتقدت تركيا أنها تستطيع ركوب هذه الموجة لقيادة العالم العربى وعلى حساب دول مثل مصر، فتخلت عن سياسة عدم التدخل فى الشأن الداخلى للدول العربية، ودعت لتغيير النظم بها، وساندت قوى الإسلام السياسى بمصر، وشاركت فى حملة الناتو ضد ليبيا، وإسقاط نظام الأسد بسوريا.
ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهيه السفينة التركية، وسقط مشروع الإسلام السياسى فى مصر بعد 30 يونيو، وتراجع فى دول الربيع العربى. وبدلا من أن تقوم تركيا بمراجعة حساباتها والافتراضات الخاطئة التى قامت عليها، وتعود لتبنى سياسات واقعية، كما فعلت دول أخرى مثل الولايات المتحدة، وجدناها تتمسك بنفس الأفكار التى أسقطتها تطورات المنطقة.
المصالحة مع تركيا تتطلب عودتها لتتبنى نهجا واقعيا فى علاقتها مع مصر، نهجا يقوم على الاعتراف بالواقع الجديد، واحترام السيادة وعدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى.
الواقعية فى العلاقة بين البلدين لا تفترض تطابق وجهات النظر بينهما، ولكن تعنى إدارة الاختلاف بشكل متحضر وبعيدا عن التدخل فى الشأن الداخلى، والحروب الإعلامية التى تضر بالبلدين.
الشرق الأوسط يحتاج نظاما إقليميا جديدا، ويمكن لمصر والسعودية وتركيا وضع أسس هذا النظام، نظام يروج للفكر السنى المعتدل، ويسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية بالمنطقة.