«بيقولوا فى فيسبوك» عبارة دخلت المجال العام المصرى أخيراً، وباتت بين أكثر العبارات شهرة وتكراراً، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة فى أعداد مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، والارتفاع الواضح فى حدة الأحداث وسخونتها.
مشكلة عبارة «بيقولوا فى فيسبوك» ليست فى أنها ملأت مواقع التواصل الاجتماعى بالأخبار الكاذبة والمختلقة وغير الدقيقة وحسب، ولا فى أنها نجحت أحياناً فى خلق عالم مواز مصطنع يعيش فيه بعض مدمنى تلك المواقع فقط، ولكن أيضاً فى أن بعض ما يرد بعدها من «كلام» بات جزءاً من «الأخبار» المتداولة فى وسائل الإعلام النظامية (الصحف والفضائيات والإذاعات ووكالات الأنباء).
يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى كمصدر للأخبار تزداد باطراد فى ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامى لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة ثانية، وكلما تراجعت قيمة الدقة فى مجتمع ما من جهة ثالثة.
ترتفع نسبة المحتوى السياسى فى «تويتر» و«فيسبوك» بشكل مطرد، ويتناقل الجمهور، وبعض وسائل الإعلام، وعدد من السياسيين والمسؤولين ما يرد فيهما باعتباره «حقائق»، وربما يتخذون قرارات، أو يكوّنون آراء بناء عليه.
فى مقابل الميزات الكبيرة التى تتيحها مواقع التواصل الاجتماعى لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات، فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذى تبثه لأى شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأى قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.
يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعى من دون أى قدر من التوثيق، ويندر جداً استخدامها منسوبة لأصحاب الحسابات التى تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها «حقائق لا تقبل الدحض»، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأى أو المعلومة أو التقييم الذى بثه قبل قليل بداعى أن «الحساب تمت سرقته»، أو أنه «لا يمتلك حساباً فى الأساس».
تمثل مواقع التواصل الاجتماعى رصيداً إخبارياً معتبراً، خصوصاً فى ظل أجواء التعتيم والاستبداد التى تغل يد الإعلام النظامى، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية وأحياناً بث الكراهية.
تفرض تلك الوسائط أصعب التحديات على المواقع الإلكترونية الإخبارية النظامية، التى تنفق أموالاً فى إنشاء ماكينات جمع الأخبار، ونشر الأطقم الصحفية، وجمع المحتوى وتطويره وتدقيقه وبثه، ثم تأتى تلك الوسائط (المجانية) لـ«تخطف» هذا المحتوى، أو تفقده قدرته التنافسية عبر تطوير «محتوى أسرع بثاً، وأكثر سخونة، وأقل دقة فى آن».
ستظل وسائط التواصل الاجتماعى تكسب أرضاً جديدة فى ميادين الأخبار، طالما كان الإعلام النظامى تحت قيود القمع السلطوى، وطالما كان عاجزاً عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه فى التعرض الإخبارى أكثر ميلاً للمقاربة الموجزة الموحية الحادة، وأكثر نهماً لاستهلاك الأخبار المتواترة والقصيرة والسريعة.
لكن التحدى الكبير فى هذا الصدد يتعلق بكيفية خلق التكامل والتعاون بين الإطارين النظامى وغير النظامى، بحيث يصبح أولهما أكثر تحرراً وسرعة وطزاجة، ويصبح الآخر أكثر دقة ومسؤولية وخضوعاً للضبط الذاتى.
وإلى أن يحدث هذا التطور المأمول سنظل نطالب من يعتمد على ما تبثه تلك المواقع من «أخبار» بالتحرى أولاً عن مدى مصداقيتها، والتأكد من المصدر الذى تُنسب إليه.. والأهم من ذلك طبعاً ألا يعتقد الصحفيون أنفسهم فى إمكانية استخدامها كـ«أخبار» إلا بعد أن يتحققوا من صحتها عبر توجيه الأسئلة المباشرة للمصادر المعنية.
«بيقولوا فى فيسبوك» عبارة يجب أن يتوقف قائلها عن ترديدها، دون أن يعنى هذا تجاهل قدرة وسائل التواصل الاجتماعى على نقل الأخبار، وهى مسألة تحتاج أن نعرف تحديداً «من الذى قال فى فيسبوك» قبل أن نردده و«نشيّره».