x

أحمد الدريني كلب الأهرام.. وكلب إسرائيل أحمد الدريني الخميس 26-02-2015 21:30


«الإنسانية ليست دينًا، إنما رتبة يصل لها بعض البشر - ويموت آخرون دون الوصول لها».. هكذا قال رقيق القلب مرهف الوجدان، عُذريُّ الطوية، أفيخاي أدرعي، المتحدث الإعلامي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي المجرم.

قالها أفيخاي مشفوعة بصور دعائية لأفراد من جنود الاحتلال بينما يحاولون إنقاذ كلب عالق وسط الصخور أثناء مرورهم بدورية في الأراضي المحتلة.

قالها بالتزامن مع حسرة المصريين على فيديو ذبح كلب في شارع الأهرام بشبرا الخيمة، بعد التنكيل به في واحد من المشاهد التي تجعلك مندهشًا.. لم لا تنطبق السماوات السبع علينا؟

لم يخطئ أحد وجه مزايدة أفيخاي أدرعي على المصريين واستغلاله مشاعر الصدمة، وربما احتقار الذات، التي تولدت عند كثيرين، لينكأ جراحهم بإظهار الجندي الإسرائيلي كـ«إنسان» أكثر مما عليه حال المصري، الذي- على حد تعبير إيماءته- قد يموت دون أن يصل إليها.

(2)

في فيلم الرسوم المتحركة "الرقص مع بشير"(Waltz with Bashir).. الذي كان مرشحًا لجائزة الأوسكار 2009، يرى أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في حرب لبنان 1982، كل يوم في كوابيسه 26 كلبًا تطارده بلا هوادة.

كل يوم يرى 26 كلبًا بالتمام والكمال تطارده.. كابوس يحيل حياته جحيمًا لا فكاك منه..

وحين يحاول تقصي جذور الكابوس، نكتشف أنه قتل هو وفرقته العسكرية 26 كلبًا أثناء إحدى عملياتهم البرية في لبنان، كي تكف الكلاب عن النباح، ولا ينكشف أمر تحركهم العسكري الليلي السري.

وبعد سنوات طويلة من الحرب، كمنت الكلاب المقتولة في لا وعي الجندي، ثم عادت لتطارده بقسوة، كأنما تنتقم لنفسها!

الفيلم إنتاج ألماني فرنسي إسرائيلي، ويستند إلى الذكريات الشخصية لآري فولمان، المخرج الإسرائيلي الذي خدم كجندي في جيش «العدوان» الإسرائيلي بحرب لبنان عام 82.

ويعالج الفيلم رحلة العلاج سعيًا وراء السلام النفسي التي يخوضها فولمان، كي يكبت الكوابيس التي تحكم خناقها حول منام جندي إسرائيلي كان رفيقًا له في وحدته القتالية، والتي أرّقته هو الآخر حول ماضيه وما اقترفه فيه كجندي شارك في ارتكاب جرائم حرب.

«الرقص مع بشير» واحد من أهم الوثائق الفنية الكاشفة لجرائم الجيش الإسرائيلي على لسان أحد جنوده، والموثقة لمتلازمات ما بعد جرائم الحرب والفاضحة للاضطرابات النفسية التي يتعرض لها القتلة.

وهو من ناحية أخرى، يكشف حجم الخراب النفسي الذي يرتع بين جنبات نفوس جيش الاحتلال ويستعد للحظة المناسبة التي سينقض على كل منهم فيها.

والسؤال الذي يتركه لك الفيلم: إذا كان هذا هو حال الجندي قاتل الكلاب، فكيف حال الجندي قاتل البشر؟

أظن أنه لزامٌ على الفنان التشكيلي أفيخاي أدرعي أن يشاهد الفيلم مرة أخرى، قبل أن يعايرنا بصوره الدعائية الكذوبة، بينما يدا جيشه ملطختان بالدم الحرام المسفوك ظلمًا.. أطفالًا ونساءً وشيوخًا.

(3)

تفاصيل عملية ذبح الكلب مرعبة من كل النواحي.

هناك صاحب الكلب الذي قرر أن يتخلى عن صاحبه الوفي وأن يقدمه قربانًا لغضب آلهة الحرب من سكان منطقته الذين قرروا التخلص من الكلب.. بقتله، لأنه يضايقهم..أو وفقًا للوقائع التي توردها «الشروق» في روايتها: فقد عضهم أكثر من مرة.

نعم هناك مواطنون مصريون كاملو الأهلية في شارع الأهرام بشبرا الخيمة، اجتمعوا على رأي رجل واحد، وارتأوا أن حل المشكلة يَكمُن في قتل «كلب».. وليس بيعه أو إبعاده أو علاجه في إحدى العيادات البيطرية لو كان مسعورًا.

وقبل الإقدام على عملية الانتقام المدروسة، استشاروا دار الإفتاء، كي يكون الجُرم موافقًا للشرع الحنيف وبما لا يُغضب الله!

الأكثر غرابة في كل هذا، هو سعي المواطن المصري –المتدين بطبعه- لاستشارة جهة دينية قبل إزهاق روح كائن حي، رغم توفر بدائل كثيرة غير القتل.

ثم المدهش هو التفاف هذا الحشد بكاميرات الموبايل لتوثيق لحظة انتصار سكان المنطقة على كلب وذبحه! دون أن يسعى أحدهم لإثناء فريق المهام الصعبة عن نحر روح كائن حي.

(4)

مم نخاف؟ من داعش؟

على داعش أن ترتعب أوصالها.. فهاهنا قتلةٌ مؤيدون بفتاوى دار الإفتاء، وهي هيئة دينية أكثر موثوقية من مصادركم المشبوهة التي تبيح القتل، وهاهنا قتلةٌ يسفكون الدماء لا من أجل «دولة إسلامية» ولا من أجل رد عدوان الغرب عن «بلاد الإسلام».. هنا قتلةٌ يتصورون أن كرامة شارعهم مرهونة بذبح بهيمة أعجمية، بعد ترويعها.

يا دواعش.. فِرّوا!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية