أحب وأحترم حسن شحاتة كثيرا وجدا.. أشعر نحوه بكثير من الاعتزاز والامتنان باعتباره رجلًا أسعد بالفعل ملايين المصريين، وملأ حياتهم بهجة فى مناخ كان ولايزال شحيحا فى فرحته وعدالته وأحلامه أيضا.. وليست لدىّ أى اعتراضات فنية أو إنسانية على عودة حسن شحاتة مرة أخرى لقيادة منتخبنا القومى.. لكننى فقط توقفت أمام مجتمعنا الفقير جدا الذى لا ينظر أبدا إلا إلى الماضى.. بمنطق قلب الثياب والشرابات القديمة يتعامل هذا المجتمع مع الوجوه القديمة سياسيا وإعلاميا وبرلمانيا ورياضيا أيضا.. وجوه لا تتغير أو تغيب مهما جرى، ومهما طال بقاؤها.. لا أتحدث هنا عن نجاح أو فشل، وعن انتصار أو انكسار..
إنما أتحدث عن الحياة حين تتوقف وتتجمد إلى هذا الحد.. وأنا أؤيد هؤلاء الذين يرفضون عودة أحمد عز مثلا للسياسة والبرلمان والأضواء.. لكننى فقط أدعوهم لئلا يكرروا نفس الخطأ التاريخى الذى نقع فيه طوال الوقت.. وهو اقتطاع سطر من هنا وصورة من هناك، وبضع حكايات متناثرة، ونتخيل أننا بذلك نرى الصورة العامة كاملة، بينما نحن فى الحقيقة لا نرى إلا جزءاً منها، أو نرى صورة مزورة نحن الذين اخترعناها أو رسمناها بأنفسنا..
ففى الماضى ملأنا الدنيا صراخا وغضبا لأن حسنى مبارك سيقوم بتوريث الحكم لابنه جمال.. ولم نر إلا هذا التوريث فقط الذى مهما كان بغيضا ومكروها ومرفوضا إلا أنه لم يكن التوريث الوحيد فى مجتمعنا.. فالقضاة والأطباء وأساتذة الجامعة وضباط الشرطة والممثلون كانوا يقومون بنفس مبدأ توريث المهنة والمنصب داخل هيئات ومؤسسات عامة وليست شركات خاصة يملكها فقط أصحابها.. أى أن مبارك وقتها لم يكن يأتى ببدعة جديدة.. لا فارق حقيقيا هنا بين أستاذ قصر العينى الذى يرى أن ابنه هو الأحق بمكانه فى المدرج والمستشفى، ورئيس الجمهورية الذى يرى ابنه أحق بوراثة وطن تخيل الرئيس أنه امتلكه بالفعل.. ولا تقولوا إن الفارق هنا أن الإرث وطن وليس وظيفة أو مكتبا.. فالمبدأ واحد والفساد واحد.. والسؤال الآن هو: هل رفض أحمد عز لشخصه أو لحكم قضائى يمنعه.. أم لأنه ينتمى لزمن قامت ضده ثورة أنهته وأسقطت نظامه ورجاله؟..
وهنا يتعين علينا أن نرفض أيضا كل الوجوه القديمة سواء فى برلمان أو حكومة، وفى أى دور ومنصب أو على ورقة أو شاشة.. نرفض لأنه من حق مجتمعنا أن يكون كأى مجتمع حقيقى وسليم فى هذا العالم.. مجتمع يجدد نفسه كل بضع سنوات فيمتلك رئيسا وقائدا جديدا ووزراء جددا وسياسيين وبرلمانيين جددا، وحتى نجوما جددا فى السينما والغناء والأدب والإعلام وكرة القدم.. ففى تلك المجتمعات لا أحد يعود ولا أحد يبقى كأنه ليس له بديل، ليس فيها رئيس يعود أو سياسى يتقاعد ثم يرجع، وليس هناك نجم شباك يبقى مهما قاموا بتغيير الشباك.. وهم هناك يقومون بذلك ليس لأن كل القدامى سيئون أو لا يصلحون أو فاسدون.. إنما لأن هذا الجمود أصلًا ضد الحياة والخير للجميع.