x

أنور الهواري ماذا فعلت 30 يونيو مع 25 يناير..؟! أنور الهواري الثلاثاء 24-02-2015 21:48


هذا هو وقت المصالحة بين 30 يونيو و25 يناير.

لماذا هذا الوقت بالذات؟! الجواب: لأن البلد تحت قيادة 30 يونيو- بمفردها- لابسة فى أكثر من مطب، والحمد لله أنها لم تلبس فى الحيطة حتى هذه اللحظة. عندنا مطب البرلمان بما يعنى التعثر فى استكمال خريطة الطريق، ثم عندنا مطب فى الجدوى من المؤتمر الاقتصادى حتى مع افتراض انعقاده فى موعده، ثم عندنا مطب فى علاقتنا بأقرب حلفائنا من الأشقاء فى الخليج، ولا أحب أن أذكر مسألة الإرهاب فكلنا نتفق على ضرورة مواجهته، ولا أحب أن أذكر سوء الوضع الاقتصادى فالجميع متفقون عليه.

30 يونيو استفادت- إلى أبعد الحدود- من 25 يناير، فى المواجهة مع حكم الإخوان على مدى مائتى يوم بدأت من 22 نوفمبر 2012م، تاريخ صدور الإعلان الدستورى، إلى يوم سقوط الإخوان فى 3 يوليو. كل طلعة ضد الإخوان كانت تتكون من ثلاثة صفوف: الصف الأول هو رموز 25 يناير من الدكتور محمد البرادعى إلى هؤلاء الشباب الذين يقبعون خلف القضبان فى هذه اللحظة. الصف الثانى- وهو الكتلة الشعبية الأضخم- الطبقة الوسطى فى الريف والحضر، وبالذات فى محافظات وسط الدلتا مع القاهرة. الصف الثالث قوى 30 يونيو، وهى- فى جوهرها- مخلفات الدولة والمجتمع المتبقية من حقبة العقود الستة الماضية.

نعم: لم يكن لـ30 يونيو أن تنجح لولا مشاركة رموز 25 يناير، ومنهم من كان قريباً من الإخوان، على اعتبار أن الإخوان أقل سوءاً من أى بديل آخر يأتى من عباءة العهد الذى أسقطته الثورة، هذه المشاركة من 25 يناير ضد حكم الإخوان، هى مع الطبقة الوسطى، مثلت الضمير الوطنى، مثلت روح الزمن، مثلت الهوية المصرية، وهذه المعانى الأخلاقية مع الروح النضالية لثورة 25 يناير مع الروح الوطنية للطبقة الوسطى، هى التى أسقطت شرعية الإخوان عملياً، قبل أن يتدخل الجيش، وقبل أن تسقط رسمياً. لذا لم يكن من باب المصادفة أن يقف الدكتور محمد البرادعى- كأحد رموز 25 يناير- إلى جوار السيد وزير الدفاع، على منصة واحدة فى 3 يوليو 2013م، أعلنت نهاية عهد الإخوان، وأعلنت خريطة الطريق التى تبشر بميلاد دولة مدنية ديمقراطية حديثة. فى لحظة توحدت فيها مصر كلها خلف هدف واحد، ضد خطر واحد، لأجل مستقبل واحد.

من أين بدأت نقطة الخلاف؟! الجواب: بدأت من نقطة موضوعية، ليست عيباً فى حد ذاته، ولكن العيب هو أننا لم نعترف بها، لم نتصارح بها، لم نتحاور حول كيفية التعامل معها، وكان من الممكن- لو تعاملنا معها بروح إيجابية- أن نصل إلى حلول توافقية وسطية تدريجية ترضى عقلية 25 يناير كما ترضى عقلية 30 يونيو. ما هى هذه النقطة؟!.

30 يونيو- فى جوهرها- عقلية دولة، عقلية انضباط، عقلية استقرار، وكل ذلك لا عيب فيه، بل لا خلاف عليه.

25 يناير- فى جوهرها- عقلية ثورة، عقلية تحرر، عقلية خيال سياسى لا حدود له ولا قيود عليه، عقلية حلم إنسانى سارح مع كل ما يحلم به الناسُ الأسوياء من مطامح قريبة أو بعيدة.

الحل- لو خلصت النوايا- ليس عسيراً، وهو باختصار شديد: استعادة الدولة كما تريد 30 يونيو وعندها حق، لكن بشروط جديدة كما تريد 25 يناير وعندها كل الحق.

لماذا؟! والجواب: لأنه بصراحة شديدة، لا يكفى القول- كما تقول 30 يونيو- باستعادة الدولة والحفاظ على الدولة، فهذه الدولة التى نستعيدها ونحافظ على بقاياها هى من فرطت فى نفسها، هى من سلمت نفسها لخصومها، هى من نامت على أذنيها حتى وجدت نفسها تحتفل- رغم أنفها- بزفافها على عريس من أشد خصومها، خصوم كل حلمهم الذى يعملون له من ثمانية عقود هو السطو والاستحواذ عليها، ثم تفويرها من جذورها، ثم تأسيس دولة مختلفة تماماً على أنقاضها.

كذلك- على جانب 25 يناير- لا يكفى القول بالثورة فى المطلق، فعند لحظة معينة من سقوط الواقع القديم يكون عليها أن تبدأ بتوصيف الواقع الجديد، وهو- فى الغالب- يكون عبارة عن أنقاض باقية من القديم الذى انهار، مخلوطة بأحلام الجديد الذى لم ينهض على قدميه بعد، ثم بعد التوصيف والتشخيص يكون عليها أن تقدم الوصفات أو الروشتات للإصلاح، وهذا- فى حد ذاته- جهدٌ عسير، يحتاج إلى مزاج أكثر عقلانية من مزاج الثورة فقط.

ولأن هذا هو وقت المصالحة، ولأن المطبات التى نلبس فيها الآن من الوارد أن تتطور حتى نلبس فى الحيطان فى أجل قريب أو بعيد، علينا أن نعترف بعدة أمور:

أولاً: المؤكد أن 30 يونيو استخدمت 25 يناير عن عمد، ثم انقلبت عليها عن قصد، منحتها سطراً من الاعتراف والاحترام على أوراق الدستور، ولكنها- عملياً- ذهبت تستخدم كل الوسائل من الظاهر والباطن، لتجريد 25 يناير من كل قيمة وطنية بل أخلاقية، حتى لم يفلت اسم واحد من المنتسبين لـ25 يناير من التشويه والتعرية، سواء بالحق أو بالباطل.

ثانياً: تفتقد 25 يناير إلى رؤية إصلاحية عملية واقعية، يطمئن إليها من يفكر بعقلية المواطن الذى أصبح يخاف على ضياع الحد الأدنى من القدرة على المعيشة، ويطمئن إليها من يفكر بعقلية الدولة، وهو يرى موسم تساقط الدول فى ربوع الإقليم، خاصة أن الدولة التى تسقط فى ساعات من الزمن لا يُرجى لها نهوض ولو بعد عقود من الزمن، وما بين السقوط المؤكد والنهوض المشكوك فى أمره تزهق أرواح وتخرب بلاد، ويتم استدعاء أسوأ ما فى التاريخ من أحقاب، وأسوأ ما فى البشر من غرائز، والأمثلة العملية من حولنا ناطقة وشاهدة.

ثالثاً: بعد عشرين شهراً أو أكثر من عمر 30 يونيو، ثبت أنها تكثر من الحديث عن الدولة، ولكنها تبدو كما لو كانت- عملياً- تدير دكان خردوات، وفكرها السياسى يبدو كما لو كانت تحصل عليه من أقرب دكان عطارة ملىء بالوصفات إياها، 30 يونيو فى حاجة إلى أن تفهم معنى الدولة بشكل جديد ومعاصر غير الدولة القديمة التى هزمت نفسها بنفسها، أسقطت هيبة نفسها قبل أن تُسقطها 25 يناير، وفرطت فى نفسها حتى آلت عصمتُها- فى يوم حزين- إلى خصومها من الإخوان، بمثل ما هى فى حاجة إلى أن تفهم معنى الثورة بعقلية لا تفرط فى التشكك والتشكيك. كل ما عليها هو أن تنظر للدول من حولها، لا تكتفى بالنظر- فقط- إلى دول المنطقة التى تتساقط، عليها أن تتحلى بروح إيجابية، وتنظر إلى الدول الناجحة فى العالم كله.

رابعاً: المصالحة غير قابلة للتأجيل، فلم يعد لدينا- بعد 21 شهراً من عمر 30 يونيو- وقت لنضيعه فى التجريب الخاطئ، 30 يونيو- وليست 25 يناير- هى التى فى مأزق، لأنها هى التى تحكم، لأنها هى التى شايلة الشيلة الصعبة الكبيرة على رأسها، لأنها هى التى فى الامتحان العسير، لأنها هى التى تواجه كل التحديات الجسام فى الداخل والخارج بمفردها، لكل ذلك فإن المصالحة تخدم 30 يونيو خدمات جليلة أكثر مما تخدم 25 يناير.

خامساً: المبادرة لازم تأتى من 30 يونيو، والمبادرة لاتزال فى يديها، لاتزال فى موقع قوة نسبى، لاتزال بعيدة عن التنازل من أى نوع، المبادرة بالمصالحة بين الثورتين دليل قوة والتزام وطنى وليست دليل ضعف واحتياج، 30 يونيو تحتاج إلى إعادة تنشيط قواها بالتحالف- من جديد- مع 25 يناير.

خلاصةُ الكلام: استعادةُ الدولة فقط، الحفاظ على الدولة فقط، هما الوصفة المجربة لعودة الإخوان من أوسع الأبواب، ومن أقصر الطرق.

لكن، استعادة الدولة بروح الثورة، الحفاظ على الدولة بشرعية الثورة، هما الوصفة الوحيدة للمستقبل، لتفادى المطبات الراهنة، لتفادى أن نلبس فى الحيطة القادمة، لنقطع الطرق على الظلام إلى الأبد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية