الأمانة مع أنفسنا تقتضى منا أن نقول إننا إذا كنا نتجه إلى مواجهة حاسمة مع تنظيم «داعش» الإرهابى خارج حدودنا، فإننا لا نزال حتى هذه اللحظة نسكت عمن يُنتج أفكاره هى نفسها فى داخل حدودنا!
وما أقصده بداخل حدودنا هو ما يتعلمه طلابنا فى مناهج الدراسة، سواء فى داخل الأزهر، وعلى مستوى جامعته، أو خارج الأزهر فى كل مدرسة أو جامعة بامتداد البلد!
وإذا قال أحد بأنى أقول كلاماً مطلقاً فى عمومه، فإننى أرجو هذا الأحد أن يدلنى، ويدل غيرى، على الفارق بين تعليمنا الآن بمناهجه ومقرراته وبينه هو ذاته قبل أن تقوم فى البلد ثورتان!
أرجوه أن يدلنى، ويدل غيرى، لأن الثورة.. أى ثورة.. حين تقوم، فى أى بلد، فإنها لا تسعى إلى تغيير الجالسين على الكراسى فقط، وإنما تسعى بالأساس، إذا كانت ثورة حقاً، إلى أن تبدل فى مضمون حياة الناس، وهو الشىء الذى لا يبدو أن فيه أى تغيير، بأى درجة، إلى هذه الساعة!
وأرجوه كذلك أن نتذكر معاً كيف أن الرئيس وهو يخطب الشهر الماضى فى الأزهر، فى ذكرى المولد النبوى الشريف، قد راح يطالب بما يشبه الثورة فى داخله وكيف أنه أيضاً قد واجه الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ورجاله معه، بأنهم مسؤولون أمام الله تعالى عما يطالبهم به، وأنه سوف يحاججهم يوم القيامة بما طالبهم بأن يبادروا إليه وأن يفعلوه، وألا يتباطأوا عنه تحت أى ظرف!
إننى أثق فى الإمام الأكبر، كشخص، ثقة كاملة، وأثق فى أن عقله هو العقل الذى يجب أن يكون على رأس هذه المؤسسة العريقة، فى مثل ظروفنا هذه، غير أنى لا أزال أرى، وأظن أن كثيرين غيرى يرون أن هناك مسافة بعيدة جداً بين أفكار الإمام الأكبر وقناعاته ورؤاه المنفتحة والمستنيرة، وبين أفكار وقناعات ورؤى المؤسسة كلها!
وقد كنت أتوقع من الرئيس، حين خطب هناك، أن يبادر هو فيطلب من الإمام الأكبر تشكيل لجنة محل ثقة من خارج الأزهر، تكون لها مهمة واحدة ووحيدة، هى أن تراجع مقررات مدارس ومعاهد وجامعة الأزهر، كتاباً كتاباً، وورقة ورقة، وأن يوضع لذلك سقف زمنى لا تتعداه بساعة واحدة، وأن يقال للناس عند نهاية عملها إنها قد استبقت كذا فى المناهج والمقررات، وقد استبعدت كذا، وإنه قد آن لكل مصرى أن يطمئن إلى أن أزهره الشريف يقدم لطلابه، فى كل مرحلة، ما يتعين أن يقدمه فعلاً.
ثم كنت أتوقع أن يطلب الرئيس تشكيل لجنة مماثلة، من خارج وزارة التربية والتعليم، لتقوم بالمهمة ذاتها، خارج الأزهر، وعلى مستوى مدارسنا كلها، بحيث لا يبقى كتاب واحد، فى أى مرحلة دراسية، إلا ويخضع لقراءة دقيقة، من جانب أعضائها، ومن الغلاف إلى الغلاف، وبالتوازى.. تكون هناك لجنة ثالثة من خارج الجامعات تنهض بمهمتها على مستوى جامعاتنا كلها، من أول جامعة القاهرة، وصولاً إلى أحدث جامعة ناشئة.
إننى أخشى أن يقال إن ما نبذله، نحن كدولة، فى مواجهة إرهاب داعش، وغير داعش، عسكرياً، وسياسياً، ودبلوماسياً، يتولى تعليمنا القائم حالياً هدمه أولاً بأول، لا لشىء، إلا لأن ما نقاومه هناك على هذه المستويات الثلاثة يجد بيئة مناسبة، بل حاضنة له فى مدارسنا وجامعاتنا!
وما لم تكن هناك مراجعة شاملة من نوع ما أشرت إليه لكل صفحة من أى منهج فى يد أى طالب أو تلميذ، فإن ما تنفقه الدولة سنوياً على تعليمها سوف ينتج لها عكس ما تريد، وسوف تكتشف هى فى لحظة أنها تصرف من جيبها لتخريج طلاب إن لم ينضموا إلى «داعش» فإنهم يؤمنون بأفكاره!
السلطة فى دولة قامت فيها ثورتان، مرة أخرى، عليها أن تكون أذكى من أن تظل تنفق على تدريس أفكار الإرهاب فى مدارسها وجامعاتها، من جيبها، وهى لا تدرى.. أو ربما وهى تدرى!