أتحفظ وأعارض تماماً تلك الآراء التى طالبت وتمنت عدم الإفراط فى الكتابة والكلام عن محمود الغندور، حكم كرة القدم الشاب، الذى انضم فجأة لتنظيم داعش، وسافر إلى العراق بعد أن كتب عبر فيسبوك مؤكداً وداع حياة الجاهلية.. وفوجئت ببعض الزملاء، الذين لهم كل تقدير واحترام، يخشون من هذا الإفراط فى الحديث عن محمود وحكايته من ملاعب الكرة إلى داعش، ومن الحياة الناعمة الممتلئة بالبهجة والغناء والموسيقى والرحلات والأحلام إلى السلاح والدم والموت.. واستند هؤلاء الزملاء فى دعاواهم إلى أن إطالة الحديث وتسليط الأضواء على محمود الغندور قد تغرى كثيرين بالانضمام لداعش.. وأن الأولى بهذا الاهتمام وتلك الأضواء هم الذين لايزالون واقفين على أقدامهم يتشبثون بأحلامهم وينجحون فى تحقيقها رغم مرارة أيامهم وقسوة قيودهم..
ولست أوافق هؤلاء على مطالبهم.. وأظن أنه قد آن أوان التخلص من سياسة النعامة التى تدفن رأسها فى الرمل كلما اقترب منها الخطر.. ومن سياسة مصرية اعتمدها وطبقها كثيرون جدا طيلة الفترة الماضية، تتلخص فى أن الذى لا تحبه لن يبقى موجوداً إن أغلقت أنت عينيك حتى لا تراه.. وبالتالى يريدنا هؤلاء ألا نرى محمود الغندور وحكايته وألا نتوقف أمامها، وكأننا بذلك نهرب من خطر داعش، الذى أصبح قريبا جدا، سواء من حدودنا أو حتى تجاوز الحدود إلى داخل مدننا وقرانا وشوارعنا وبيوتنا.. فهناك شبان كثيرون لم يصبحوا بعد مثل محمود الغندور، لكنهم مرشحون فى أى وقت للالتحاق بداعش.. وعلينا أن نتوقف أمام تلك الأسباب والدوافع باهتمام ووعى وذكاء أيضا، ونتخلى عن تلك الأفكار القديمة والأحكام المسبقة التى أصبحنا أسرى لها ممنوعين من التفكير أو حتى التساؤل.. فليس من الضرورى أن يكون الإنسان إخوانياً لينضم إلى داعش.. ليس من الضرورى أيضا أن يكون إسلامياً متطرفاً ومتشدداً ليلحق بالتنظيم الأكثر تطرفاً وتشدداً فى العالم الآن..
وأقول ذلك رداً على الذين تعجبوا واستغربوا انضمام محمود إلى داعش، وهو الذى لم يكن حتى يصلى فروضه.. فداعش لم يكن ولن يبقى تنظيما إسلاميا فقط، إنما هو فكرة للتمرد على كل القوانين والأنظمة السياسية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية.. وكان وهج التمرد والعيش دون أسوار هو الدافع الأول لانضمام كثير من الأوروبيين والأمريكيين إلى داعش.. نعم هناك منهم من كان الإسلام هو دافعهم الأول، وهناك من جاءوا من أجل المال.. لكن يبقى التمرد هو الدافع الأول والأكبر.. وهذا هو الذى يعنينا الآن.. فنحن لدينا شبان وفتيات كثيرون علمناهم، سواء بقصد أو دون قصد، كراهية أى نظام وأى سلطة وأى ضابط جيش أو شرطة.. هناك من أهملناهم وتركناهم يتخيلون أن البطولة هى فقط أن تقول «لأ» لأى أحد، وأن الفوضى هى حقهم الذى يمنعهم عنه سلاح النظام.. لم نسمعهم أو نفهمهم وكأننا نطلب منهم إما أن يعيشوا دون صوت أو حلم أو مكان أو يلجأوا لمن يعينهم على تكسير كل الأسوار وفتح كل الأبواب حتى لو بالدم والموت.