بعد تخطيها المنفذ البري للحدود المصرية الليبية ونقاط تفتيش حرس الحدود، وقفت سيارة الميكروباص المحملة بـ12 عاملاً مصرياً، جميعهم عائدون من مدينة سرت، التي تبعد عن السلوم حوالي 800 كيلو، اعتلى اثنان منهم سقف السيارة الميكروباص لترتيب الحقائب والتأكد من ربطها، قبل أن يغادروا المنطقة في طريقهم إلى محافظة الشرقية.
«بعد خبر توجيه القوات المسلحة المصرية ضربات داخل ليبيا ضد داعش، لم يعد لنا عيش فيها»، يفسر هاني صلاح، واحد من 12 عاملاً عائدين من مدينة سرت سبب عودته، خاصة بعد وقف الحال الذي بدأ منذ 3 أشهر بسبب الانفلات الأمني الذي أصبح يشكل خطرًا على أي شخص، مصريًا كان أو ليبيًا، يضيف هاني: «كنت أعيش في سرت بالقرب من الجامعة، قبل أن يسيطر داعش على المبنى الحكومي والإذاعة».
يقول هاني: «كنا نريد العودة منذ أيام، لأن البلد وقفت ومبقاش فيه شغل، لكن المشكلة إني كنت عاوز أرجع مصر ومش عارف أرجع إزاي، وده حال مصريين كتير في المنطقة الغربية».
قبل مغادرة المدينة، كان على السائق الليبي الذي اتفق معه هانى وزملاؤه أن يصل بهم إلى المنفذ، التأكد من أن ليس بصحبتهم أقباط، فقد يقابل كمينًا نصبته الدولة الإسلامية في الطريق، ويتعرض لعقوبة التنظيم بسبب توصيله لهم، بحسب رواية العمال، يقول هاني: «بعد أن تحركنا في الساعة السادسة من صباح الأربعاء، سلكنا طريقاً جبلية غير ممهدة، فقد خشي السائق سيطرة داعش على كمائن الطريق الدولي، وبعد أن وصلنا المنطقة الشرقية قرب طبرق، وجدنا في مواجهتنا الجيش الليبي الذي رحب بنا عندما علم أننا مصريون».
يقاطع هاني زميل له من الشرقية، يدعى نصر، شاب سلفي كان يعمل في تجارة الأخشاب طوال الأربع سنوات الماضية، بين البلدين، يلفت إلى أن هناك مشكلة تواجه الأقباط المصريين هناك، جميعهم يرغبون في العودة مثلنا، ولكن السائقين يرفضون اصطحابهم إلى المنفذ، يقول: «كمصريين مسلمين ليس لديهم مشكلة مع سائقي السيارات، عندما يمر السائق على أي كمين يقول لهم إن معه مسلمين فيمضي، لكننا نعرف زملاء مسيحيين كانوا يعملون معنا وعرضنا على أكثر من سائق اصطحابهم إلى مصر طوال الشهر الماضي، لكن جميع السائقين يخشون ذلك»، يضيف: «هناك اللي مايعرفش يصرف نفسه، رب العالمين هو كل حاجة بالنسبة له، ومافيش حد تشتكي له، السفارة مجرد مبنى موجود عليه العلم المصري فقط».
جميع شهادات العمالة القادمين من سرت تجتمع حول معاناة الأقباط المصريين في ليبيا، خاصة في المسافة الواصلة بين بنغازي وطرابلس، المنطقة الغربية التي تطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي شهدت المذبحة التي ارتكبها تنظيم داعش بحق 21 مصرياً من الأقباط.
منذ حادث الاختطاف، بدأت تزداد الأخطار التي تهدد حياة الأقباط، يقول نصر، لكن الوضع الآن أصبح أصعب، يحكي عن أن المسيحيين لا يخرجون من السكن خوفاً من أن يبلغ عنهم أحد العاطلين ويتحصل على مبلغ يقدر بـ500 دينار أو 1000 دينار»، يضيف: «المناطق السكنية للمصريين معروفة في كل مكان، ونسبة الأقباط تتعدى 30%».
تلقى إبراهيم الشحات، سائق من دكرنس، تلقى اتصالاً في ليلة، الثلاثاء، من قبل عدد من المصريين العاملين بليبيا، ليقلهم بعد مرورهم من المنفذ إلى قراهم في الدلتا، وصل صباح، الأربعاء، وجلس حتى الظهيرة في انتظارهم، لكنهم لم يأتوا حتى الآن، على حد قوله، وبعد أكثر من 12 ساعة من الانتظار.
يعمل إبراهيم على الخط منذ سنوات، يقول إن المشكلة أن الطريق من سرت إلى السلوم غير آمن، هذا بالإضافة إلى أنك ستضطر أن تدخل المناطق الجبلية وتسير فيها بالسيارة، هروباً من الأكمنة التي تنصبها الجماعات المسلحة على الطريق السريع.
وشدد الشحات على ضرورة التنسيق مع الخارجية المصرية والعاملين في ليبيا، يقول: «لابد من توفير طائرات تنقلهم من تونس، التي تعتبر حدودها الأقرب إلى سرت مقارنة بحدود سرت مع مصر».
في موقف السلوم تتجمع سيارات النقل، والميكروباص، زادت الأجرة أضعاف الأجرة المقررة، بسبب الزحام والضغط على الموقف، بعض السائقين يكتفون بتوصيل العمال القادمين من ليبيا إلى مطروح، ومنها يستقل كل واحد منهم سيارة إلى أقرب موقف له، والبعض الآخر ينادي «مصر.. مصر.. مصر».