قبل أيام نشرت وكالة الأسوشيتدبرس خبرا عن تعاون عسكرى مرتقب بين مصر والسعودية لتأمين الملاحة فى باب المندب. توالت بعده شائعات عن إبحار فرقة عسكرية مصرية باتجاه جنوب البحر الأحمر. فانتاب الهلع القيادات العسكرية اليمنية التى لم يعد لها قيادة عليا بعد عزل وزير الدفاع وتفتت ألوية الجيش. «المصرى اليوم» زارت باب المندب وعلمت بوجود حركة من نشاط التسليح غير المعتاد، حسبما أكد مرافقو الصحيفة فى جولتها.
ما إن تترك مدينة صنعاء متجها صوب الجنوب الغربى حيث يقع المضيق ومدينة «تعز»، حتى تختفى تدريجيا كتائب «أنصار الله» الحوثية المنتشرة على أطراف صنعاء، وعلى امتداد الطرق بينها وبين باقى المدن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. ولكن الطريق إلى تعز يختلف حيث لا تزال هى المحافظة الثانية بعد مأرب التى تستعصى على الخضوع للحوثيين.
المدينة التى تشتهر بارتفاع نسبة التعليم بها، وزيادة الكثافة السكانية التى تصل إلى 6 ملايين نسمة من إجمالى عدد سكان اليمن البالغ 25 مليون نسمة. فى الطريق إليها تبدأ وحدات الجيش فى الظهور على الطرقات. منتشرة بدءا من مدخل المدينة الذى يحمل لافتة كبيرة كتب عليها: «مرحبا بكم فى تعز..عاصمة الثقافة اليمنية».
فى هذه المدينة المختلفة، حيث المبانى الفخمة والسيارات الفارهة فى الشوارع، وحيث يبدو السكان أكثر تمدنًا، يمكنك أن ترى الكثير من الفتيات يسرن فى الطرقات دون نقاب، على عكس كثير من المدن اليمنية الشمالية بما فيها العاصمة صنعاء.
160 كيلومترا هى مقدار المسافة من تعز إلى مضيق «باب المندب»، قطعتها «المصرى اليوم» وحاولت كثيرا دخول باب المندب والتصوير به، قوبلت جميع هذه المحاولات بالرفض أحيانا من قيادة اللواء العسكرى المسيطر على المضيق، وبالترهيب والتخويف مرات أخرى من قيادات بعض الانفصاليين الذين يريدون تضخيم حجم خطورة تهديد الحوثيين بالسيطرة على المضيق عند القيادة المصرية.
يوم السبت الماضى كانت الشائعات قد سبقت زيارة «المصرى اليوم» لتهدد قيادات المضيق بأن وحدة بحرية مصرية فى الطريق إلى باب المندب لفرض السيطرة عليه، كانت القوات العسكرية منتشرة على طول الطريق. يومها كان المضيق الذى يتم التهريب منه بشكل يومى فى أقصى حالات تأمينه فى ذلك اليوم، حيث يقوم اللواء 119 واللواء 35 التابعان للقطاع الجنوبى الغربى بالجيش اليمنى، بحماية وحراسة المنفذ البحرى الهام. باب المندب هو ممر مائى تحوطه سلسلة جبلية، وتقسمه جزيرة «ميون» إلى شطرين؛ أحدهما شرقى قامت اليمن بردمه وجعله ممرا بريا، وشطر غربى يربط بين اليمن فى آسيا، وإريتريا وجيبوتى فى أفريقيا. ولا يحمل الشاطئ المجاور للمضيق أى نقاط أمنية ثابتة، إلا كوخا صغيرا من الطوب والأسمنت هو مقر مكتب التصاريح التابع للواء 117 المسيطر على جزيرة «ميون».
بالقرب من بوابة المضيق يجلس بعض أفراد من القبائل التى تسكن المنطقة. يقول أحدهم لـ«المصرى اليوم»: «الحوثيون يريدون أن يعيدوا الإمامة من جديد، ولن نسمح لأى حوثى أن يستقر هنا أو يسيطر على باب المندب. لو أتوا إلى هنا سوف نقاتلهم وندافع عن باب المندب حتى الموت».
وحين تعذّر الاقتراب من المضيق برا، كانت «المصرى اليوم» ترصد حركة العبور منه عبر قارب صغير للصيد، حيث تنتشر قوارب الصيد الصغيرة والمنازل الخشبية بقرية السويداء التى يسكن معظمها أفراد تعود أصولهم لقبائل التهامية (القبائل الأكثر فقرا فى اليمن) المنتشرة على طول الشاطئ المجاور للمضيق ولميناء «مخاء».
أحد كبار القبائل الطامحين للانفصال بإقليم «الجند» وعاصمته تعز، قام بتخويفنا من سيطرة الحوثيين على المضيق واستهدافهم المصريين، وعبر عن رغبته فى تدخل مصر العسكرى لحماية مصالحها، وعن استعداده لاستخدام 10 آلاف رجل من أفراد قبائل تهامى المحيطة بالمضيق، حيث قام بتجنيدهم والتجهيز لاقتحام المضيق «فى أى وقت إذا ما قررت مصر مساعدته بالتسليح».
سيطر الحوثيون على ميناء الحديدة وجزر «حنيش » التابعة له، كما سيطروا على ميناء «ميدى» المطل هو الآخر على باب المندب ولم يتبق إلا ميناء «المخاء»، التابع لمحافظة تعز، وهو الميناء الأقرب إلى المضيق والأكثر أهمية استراتيجيا رغم ضيق رصيفه. على بعد75 كيلومترا من باب المندب يقع ميناء المخاء، وعن أهميته يقول محمد عبدالرحمن صبر مدير الميناء: «تكمن أهمية ميناء المخاء فى قربه من الخط الملاحى الدولى بمسافة ثمانية أميال بحرية تقريبا. كما يعد المنفذ البحرى الأقرب لقارة أفريقيا حيث تبلغ المسافة ثلاثين ميلا بحريا عن أقرب ميناء أفريقى، هو أيضا أقرب منفذ بحرى لمضيق باب المندب».
وعن سبب اهتمام الحوثيين بالسيطرة عليه يقول صبر: «هو مطمع للجميع لأن ميناء المخاء هو المنفذ البحرى الذى يغذى ثلث سكان اليمن ممن يعيشون فى المحافظات الوسطى وعلى رأسها تعز وآب. كما أن مدينة المخاء بها العديد من البنى التحتية المهمة لتنشيط الاستثمار، مثل محطة توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الرياح ومشروع تحلية مياه البحر. ومن مزايا الميناء أنه يرتبط بخط ساحلى برى دولى يمتد من منافذ السعودية وصولا إلى منفذ عمان، وهذا يعطى أهمية استراتيجية للميناء لخدمة المدن على الساحل».
ويقول إبراهيم صالح، صياد من مدينة المخاء: «صحيح لا يوجد حوثيون حتى الآن، ولكنهم حاولوا مرات عدة أن يدخلوا إلى الميناء وتصدت لهم قوات المعسكر التى تحمى الميناء».
على الشاطئ بجوار الميناء، يقف نزار الخالد، المستشار الإعلامى لمحافظ تعز، مشيرا إلى جزيرة «ميون» التى ترتفع منارتها عاليا ولا يفصلها عن الساحل المقابل التابع لدولة إريتريا إلا 16 كيلومترا. يقول نزار: «هذه جزيرة ميون التى يسيطر عليها اللواء التابع للجيش اليمنى، ولا يوجد بها أى تواجد للحوثيين. وهى الجزيرة الواقعة فى قلب باب المندب. ففى تعز كلها لا يوجد حوثيون ولا يستطيعون دخول المحافظة أو المساس بباب المندب».
تصميم: دينا الحفناوي