يبدو أنه كان لابد أن تشهد أوروبا عملا إرهابيا حتى تنتفض أجهزة المخابرات والأمن الغربية بحثا عن معاقل تجنيد الجهاديين في العالم.
كان الغرب لا يهتم كثيرا بجرائم تنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين الإسلامى ستارا لها، حتى وقوع الحادث الإرهابى بباريس في السابع من يناير الماضي ضد صحيفة «شارلى ابدو» الفرنسية الأسبوعية الساخرة، والذى أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة 11 آخرين، والذى نفذه الأخوين شريف وسعيد كواشى، وما تلاه من حادث إرهابى وقع بأحد المتاجر اليهودية في العاصمة الفرنسية ارتكبه اميدى كوليبالى وأسفر عن مقتل 5 أشخاص.
إلا أنه بوصول العمليات الإرهابية إلى الأراضى الأوروبية مع مطلع 2015، انتفضت أجهزة المخابرات للقضاء على معاقل تجنيد الجهاديين في أوروبا، ومنها أسبانيا، التي بدأت أجهزة الأمن والمخابرات بها في تتبع شبكات تمويل التنظيمات الإرهابية لديها، كما بدأت في تجفيف منابع تجنيد الجهاديين وبالأخص «سبتة».
وعندما بدأت أجهزة الأمن الأسبانية تردد كثيرا اسم «سبتة»، تلك الأرض الأسبانية التي تقع في أفريقيا، والتى تطالب المغرب بضمها إليها مع مليلية، ولا يفصل سبتة عن المغرب إلا سور حديدي إرتفاعه عشرة أمتار، وتبلغ مساحتها 17 كيلومترا مربعا وتبعد 15 كيلومترا عن شواطىء مدينة قادس الأسبانية عبر مضيق جبل طارق.
ومع ذكر «سبتة»، التي يبلغ تعداد سكانها 84 ألف نسمة نصفهم يدينون بالإسلام، يتردد اسم حي «البرنسيب» الذي يعد أخطر الأحياء في أسبانيا قاطبة، ويعد أحد أهم معاقل تجنيد الجهاديين في أوروبا، حيث قامت قوات الأمن الأسبانية في شهر يناير الماضي بإلقاء القبض على أربعة اشخاص، من بينهم شقيقين، للإشتباه بتخطيطهم لعمل إرهابى على الأراضى الأسبانية.
وخلال زيارة لمدينة سبتة، وخاصة حي «البرنسيب» الذي يعد الدخول إليه ليس بالهين، يؤكد أنه لابد من الحذر الشديد في كل حركة، فإذا أخرج الزائر كاميرا وبدأ في التصوير فسرعان ما سيتم الإعتداء عليه من قبل قاطني الحي الذي يختلط فيه مهربو المخدرات، الذين ينتشرون في الشوارع، مع الإسلاميين.
وما يثير الفضول في شخصيات الموقوفين هو خلفية أحدهم ويدعى «محمد اللال»، وهو أسباني من أصول مغربية، كان يعمل في أحد مقاهى وسط المدينة ويصفه المترددون على المقهى بأنه «المضيف المثالي»، مؤكدين أنهم لم يشكوا أبدا في توجهاته وأن عملية القبض عليه كانت «مفاجئة شديدة لهم».
وتحاول الشرطة الأسبانية تتبع المغاربة الذين يحاولون تجنيد الشباب الأسبانى لصالح الجهاديين في سبتة، الذين يتركز نشاطهم في محيط مساجد المدينة البالغ عددها 33 مسجدا.
وفى هذا الإطار يقول أحد الشباب المترددين على المساجد إن كثيرين يترددون مثله على المسجد ولا يمكن معرفة نوايا كل شخص، معربا عن إعتقاده أن من يتوجه للمسجد فهو يتوجه لله ولا لشىء آخر، بينما الجهاديون الذين يقرأ عنهم في الصحف فتم تجنيدهم على شبكة الانترنت، مشيرا إلى أن الحل قد يكون وقف عمل الشبكة المعلوماتية.
من جانبه، يقول العربي علال متيش، رئيس إتحاد مسلمي سبتة، إن مساجد المدينة تخضع لرقابة شديدة من الدولة، مشيرا إلى أن الإتحاد لديه ملفات تضم جميع المعلومات حول جميع مساجد المدينة ومصادر تمويلها وأئمتها ونشاطات هذه المساجد السنوية.
ويوضح متيس أن حى البرنسيب وحده به 14 مسجدا وإذا لم تكن هناك رقابة مشددة فقد تقع هذه المساجد تحت سيطرة أصوليين جهاديين، أو يتحول الحى إلى أفغانستان أخرى.
وخلال عام واحد، ألقت قوات الأمن الأسبانية القبض على 15 شخصا، من بينهم محمد اللال والثلاثة الآخرين، في حى «البرنسيب» بتهمة العمل مع منظمات إرهابية.
ويتسم الحى بإنتشار الفقر والبطالة وقلة الحدمات الصحية، فيما تنتشر بين شباب الحى ظاهرة الفشل الدراسى، وعلى الرغم من كون السكان مواطنين أسبان إلا أنهم يشعرون أن مدريد تعاملهم كمواطنين درجة ثانية، مما يجعل من الحى أرضا خصبة للتطرف، حيث لا يوجد بها سوى مركز إجتماعي واحد يتلقى إعانات من الحكومة الأسبانية لمكافحة الأمية للمساعدة على إيجاد وظائف.
ولذا أصبحت مكافحة التطرف في سبتة، أحد ركائز خطة مكافحة الإرهاب التي تبنتها أسبانيا مؤخرا، خاصة بعد تفكيك خمس خلايا إرهابية في هاتين المنطقتين خلال عام واحد.