x

أحمد الدريني «قواتكم المسلحة» أحمد الدريني الثلاثاء 17-02-2015 21:32


على قدر الذكاء في صياغة بيان القوات المسلحة فور تنفيذ الضربة المصرية المتقنة ضد معاقل داعش في ليبيا..جاء سلوك الدولة المصرية برمته، ذكيا ومحترفا، وغريبا على معهودها الفاشل –في معظمه- من مبارك للسيسي مروروا بمرسي والمجلس العسكري.

ربما منذ عقود لم تبد الدولة المصرية على هذا القدر من التماسك والاحتراف والإتقان والسداد.

ففور بث الفيديو البشع الذي يظهر عملية ذبح المصريين المختطفين لدى داعش ليبيا، خرج رئيس الجمهورية بخطاب سريع واضح وحاسم، لا يحيد عن الطريق ولا يتلكأ أو يرواغ في توصيل المقصود.

وجاءت مفاجأة الخطاب المتماسك بعدما عجزت الدولة وتخاذلت عن الخروج ببيان مماثل في مذبحة ستاد الدفاع الجوي التي لا تقل بشاعتها ولا حجم الجرم فيها عن جرم ذبح المصريين الأبرياء في ليبيا.

ثم توالت مشاهد التماسك والإتقان...فاجتمع مجلس الدفاع الوطني، وتم الاتفاق على إيفاد وزير الخارجية لنيويورك لتباحث الأمر أمميا، ثم جرى التنسيق مع الجانب الليبي المحالف لنا بعد تقييم الأمر مخابراتيا ومعلوماتيا بصورة دقيقة وسديدة، لتنفذ القوات المسلحة عملية عسكرية نوعية قبل شروق شمس اليوم التالي للإعلان عن المذبحة.

والمدهش هنا، كيف للدولة المفتقدة للتوازن والاحتراف في معظم مشاهد ظهورها، أن تدير حدثا بهذه الضخامة على هذا النحو الممتاز؟

لا أحد يمكنه الجزم بسر هذا التحول الطاريء في الدولة ككل من ناحية أطرافها المعنية: جيش ومخابرات وخارجية..ورئاسة.

لكن يبدو أن إزاحة قد جرت أو إحلالا قد حدث، بحيث أُبعدت عن سدة المشهد «عقلية» بعينها، لصالح أخرى رشيقة قوية حصيفة.

ثم كان أن صاغت القوات المسلحة بيانها بكل ما أوتيت من ذكاء، فنعتت الرسالة الجيش بأنه «قواتكم المسلحة»..دون الاستئثار بها «قواتنا المسلحة»..ودون تجهيل النسبة «القوات المسلحة»، ليتغذى البيان بعدة جمل ملآنة بالكبرياء والكرامة الجديدة على المواطن المصري، المسحوق والمحتقر عادة من الدولة والأنظمة الحاكمة المتعاقبة.

(2)

ليس بمقدور أحد أن ينكر براعة الدولة في إدارة المشهد، ولا روعة ما نفذته القوات المسلحة..(قواتنا المسلحة) عفوا.

غير أن الروعة الطارئة (وأتمنى لو تدوم!) تستدعي من التساؤلات بمقدار ما توجب من الفرح.

فلماذا كانت الدولة متعثرة ومختلة من قبل؟ ومن الذي أدار إخراج هذا المشهد؟ وما هي النوايا المستقبلية بعدما أثبتت الدولة المصرية حضورا محليا وإقليميا ودوليا طاغيا؟

ثم ماذا بعد في إدارة هذه المعركة طويلة الأمد؟ ثم ماذا بشأن سيناء التي يرجح أن تشتعل بعد هذه الضربة؟ وماذا بشأن معلوماتنا المخابراتية التي كانت شديدة الدقة على هذا النحو في ضرب معاقل إرهابية في دولة أخرى، لكنها لا تمتلك نفس الكفاءة لمطاردة جماعات إرهابية في سيناء؟ ثم ماذا بشأن بقية المصريين العالقين هناك تحت رحمة داعش ليبيا؟

(3)

الأسئلة العقلانية كثيرة جدا في هذه اللحظات.

غير أن الضروري أن نسجل على الدولة المصرية «محضر إثبات حالة».

فإذا كانت كرامة المواطن المصري، تستحق تحركا بهذا الحجم وثأرًا بهذا الكيف، فإنه من الأولى أن نلتفت للكرامة الداخلية المهدرة، وللشعور العام بأن دمنا مباح على قارعة الطرق وعلى أبواب الملاعب وفي أقسام الشرطة.

وأول متطلبات هذه الكرامة التحقيق الجاد في الدم المهدر في أحداث الدفاع الجوي، ثم في الإعلان الصريح عن المتهم بقتل شيماء الصباغ، ثم المضي قدما في إجراءات عدالة واضحة وصريحة وغير مراوغة، ترد الحقوق لأصحابها، ولا تتلكأ أو تجامل..والمجاملة هنا لفظ رقيق لا يتناسب واللفظ الأدق استخداما، وأتركه لفطنة القاريء.

ثم إذا كان للسياسة المصرية الخارجية أن تتحول هذا التحول الجارف، مدعومة بتدخل عسكري متقن كهذا، فإن التساؤلات لا ينبغي أن تكف عن مستقبل تحركنا السياسي بعيدا عن الاكتناف الخليجي الذي تتناوشه الأهواء، وتهتز الثقة فيه على أثر التكهنات!

فلا يصح أن يرتبط مصير مصر، بالمصير البيولوجي لحاكم دولة أخرى، فإن مات أضحينا في مهب الريح. ولا يليق أن يرسخ في الأذهان أن صلة مصر ببعض الدول «الشقيقة» هي علاقة مالية صرفة، يتفضل فيها آخرون على الشقيق المصري الذي جار عليه الزمان!

إذا كنا على قدر حدث بهذا التعقيد والتراجيدية مرة، فلا يصح أن نتراجع مرة أخرى لواقعنا التعيس المعتاد.

هل من رجل رشيد يضغط (pause) على هذا المشهد، لندير مصر انطلاقا من هذه النقطة دون أن نهدر الظرف التاريخي النادر والإحداثي الكنز؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية