x

دينا حمدى داعش ومصر – كيف يراهم الإعلام الغربي؟ دينا حمدى الإثنين 16-02-2015 22:21


في التراجيديا الإغريقية الشهيرة أوديب، فقأ البطل عينيه حتى لا يرى الحقيقة العارية القبيحة، وهي زواجه من أمه. تذكرت هذه الأسطورة عندما تابعت التغطية الإعلامية في بعض الصحف الغربية لضرب مصر لمواقع داعش في ليبيا، والتي لم تتسم بأدنى معايير الحيادية التي يتشدق بها الإعلام الغربي.

فالمتابع للتغطية يندهش من الانحياز الصريح ضد الدولة المصرية، منذ الساعات الأولى التي أعقبت نشر تنظيم داعش الإرهابي لفيديو ذبح المصريين. فصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية اهتمت بإبراز العنصر الطائفي في القصة، قائلة إن "الأقباط يشكلون 10% من سكان مصر وأنهم يتعرضون للتمييز والاضطهاد واسع النطاق ".اكتفى التقرير بوضع الجملة وكأنها حقيقة لا يمكن التشكيك فيها أو إنكارها، وواقع لا يقبل الجدل.

أما صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية فقالت: "الضربة الجوية تهدد بجر مصر إلى التوغل في الصراع الليبي، فالمقاتلون الإسلاميون في ليبيا قد يشنون هجمات على الحدود الصحراوية الطويلة مع مصر، والتي لا توجد عليها حراسة مكثفة، أو أن يزيدوا من دعمهم للمسلحين المصريين الذين يحاولون بالفعل القيام بانقلاب تمردي". الملفت للنظر أن التقرير لم ينعت داعش بالإرهاب وإنما أسماهم "بالمقاتلين الإسلاميين"، ولم يقل على الإرهابيون في سيناء إلا أنهم "مسلحون مصريون متمردون" على النظام. وهذه اللغة تضفي شرعية على الأعمال الإرهابية، حيث يصبح الإرهاب مجرد "قتال" قد يكون مشروعا، أو" تمرد" قد يكون حتميا ضد نظام "قمعي".

وأضافت الصحيفة أن "المعارضين للإسلاميين في ليبيا يستخدمون مصطلح تنظيم داعش بدلا من الدولة الإسلامية لوصم جميع معارضيهم، سواء المتطرفين، أو المجموعات الأكثر اعتدالا، أو حتى الجماعات القبلية المسلحة غير المأدلجة، والمتحالفة فقط مع الإسلاميين". وكأن التحالف المسلح مع الإسلاميين نموذج من نماذج ممارسة الديمقراطية المتعارف عليه في أوروبا وأمريكا.

وأضاف التقرير أن تلقيب التنظيم بداعش بدلا من الدولة الإسلامية كما يطلق على نفسه"هدفه إثارةالبروباجاندا ضد المجموعات الإسلامية المتحالفة، ويضفي مزيدا من الغموض حول المواقع التي استهدفتها مصر وشنت عليها الهجوم". وهذا يمهد الأرض لاتهام مصر بضرب المدنيين الليبيين، وهو ما قامت به صحيفة الجارديان اللندنية بالفعل حينما نقلت عن موقع تصفه الجريدة بأنه "موالي للجهاديين"أخبار "غير مؤكدة بأن القوات الجوية المصرية استهدفت مواقع شرق مدينة درنا، مما أسفر عن قتل مدنيين".لم يتردد الصحفي في استخدام موقع "موالي للجهاديين" كمصدر صحفي، ولا في نقل أخبار غير مؤكدة، لإضفاء نبرة اتهام للجيش المصري بتوسيع نطاق المناطق المستهدفة لتشمل المدنيين الأبرياء. واختتمم التقرير برأي لمينا ثابت الباحث في المفوضية المصرية للحقوق والحريات يتهم فيه الحكومة المصرية بالتخاذل عن إنقاذ الضحايا، متهما الدولة المصرية بأن "أيديها ملوثة بالدماء". وهو ما قاله في مداخلة لبرنامج العاشرة مساء يوم الأحد.

إذا فاللغة المستخدمة لتغطية الأحداث لغة متحيزة ضد كل ما يجري في مصر، لأنها ببساطة ترى أن ما حدث في 30 يونيو هو انقلاب على شرعية جماعة الإخوان. وهو ما يؤكده الإعلام الغربي دوما في تغطيته لأي أحداث في مصر.فالإرهاب البيّن الذي لا يُسمح بالاختلاف عليه مثل أحداث شارلي إبدو أو كوبنهاجن منذ أيام، يصبح مجرد اقتتال وتمرد على السلطة في مصر والمنطقة. واستهداف التنظيمات الإرهابية المحرضة على العنف والممارسة له مثل الإخوان وداعش يصبح اضطهادا سياسيا للمعارضين. واستهداف الجيش في سيناء يصبح مجرد تمرد مسلح ضد نظام قمعي.

من اللافت للنظر أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كان من أوائل المتصلين لمؤازرة الرئيس السيسي في مصاب مصر، وهو الوحيد من الزعماء الغربيين الذى وصف التنظيم الإرهابي باسم داعش وليس باسم الدولة الإسلامية كما يفعل الزعماء والإعلام في الغرب. واللافت أيضا ان الرئيس هولاند قال منذ أيام تعقيبا على صفقة الطائرات التي وقعتها مصر وفرنسا أن ذلك يتيح لمصر "لعب دورها بالكامل في تعزيز الأمن في المنطقة".

من اللافت أيضا أن هناك أصوات ليست بالهينة في أمريكا، مثل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والمعروف بموالاته لليمين المتعصب واللوبي الصهيوني، بدأت تنادي مؤخرا بوجوب تواجد أمريكا بقوات برية لمحاربة داعش في العراق. بل يذهب البعض لأبعد من ذلك، منادين الإدارة الأمريكية بتصحيح الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته بانسحابها من العراق، وعدم تسليحها للمعارضة السورية حينما كانت تستطيع محاربة إرهاب داعش. ففي قناة روسيا الإخبارية أر تي، طالب جنرال أمريكي متخصص في شؤون مكافحة التنظيمات المسلحة، بضرورة احتلال أمريكا للعراق لمدة طويلة هذه المرة حتى بعد سحق داعش، وذلك "لتحقيق الأمن على المدى الطويل"، لأن محاربة داعش ونظام الأسد ستستغرق جيلا كاملا.

فالمراد للمنطقة أن تقع في حرب إقليمية ضروس يُراد لمصر أن تتورط فيها، شاءت أم أبت. ولذلك فعملية ذبح المصريين هدفه الأساسي إهانة المصريين والدولة، وإجبار الرئيس السيسي على الرد، وإقحام الجيش المصري في حرب إقليمية هالكة. لم يكن أمام الرئيس السيسي سوى الرد الحاسم، تماما كما فعل. فبعد انتشار الفيديو البشع ظهر الرئيس في خطاب للشعب بعدها بساعتين، ثم قامت القوات المسلحة بالضربة الجوية بعدها بساعات قليلة، ثم توجه الرئيس لتقديم واجب العزاء في الكاتدرائية بالعباسية للبابا تواضروس. فمهما كان الخلاف السياسي على طريقة إدارة الدولة، فإن تحرك الرئيس القوي والسريع من شأنه أن يوحد المصريين حوله في هذه الساعة الحالكة التي تمر بها البلاد. فالبلد بحاجة إلى الوحدة والاصطفاف لأننا في حالة حرب لا يمكن إلا للأعمى إنكارها. ومن يريد أن يكون كأوديب فليتفضل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية