يحتل الروائى صنع الله إبراهيم مكانة مميزة فى الحركة الأدبية المصرية والعربية على السواء، فإلى جانب إنتاجه المتفرد وأسلوبه الخاص ونزوعه إلى التجريب فى العديد من رواياته، بدءا من «تلك الرائحة» مرورا بـ«اللجنة» و«نجمة أغسطس» ثم «بيروت بيروت» و«شرف» و«ردة» و«أمريكانلى» و«التلصص» و«العمامة والقبعة» وانتهاء بـ«القانون الفرنسى».
يعتبره الكثيرون نموذجا فريدا للمثقف الملتزم، صاحب الرؤية السياسية الحادة والمواقف الصادمة.. يعكف إبراهيم هذه الأيام على كتابة رواية جديدة، فى الوقت الذى صدرت له فيه طبعة جديدة من كتاب «التجربة الأنثوية» الذى ترجم فيه مجموعة قصص لأديبات من أنحاء العالم كافة يتحدثن عن تجاربهن، كما أنه يواجه مشكلة بسبب روايته «القانون الفرنسى».. عن هذه القضية ومشواره الأدبى والعديد من القضايا المثارة على الساحة الثقافية، وخاصة المتعلقة بحرية النشر والإبداع تحدث فى هذا الحوار.
■ نبدأ من المشروع الذى يشغلك الآن.. هل تكتب عملا جديدا؟
ـ نعم هناك رواية جديدة أكتبها، ولكننى لا أحب أن أتحدث عما أشرع فى كتابته حتى أنتهى منه، لأننى كلما تكتمت ما أكتبه ظل حيًا بداخلى.
■ وماذا عن مشكلة رواية «القانون الفرنسى»؟
ـ عادة ما استخدم بعض التضمينات فى رواياتى سواء كانت من الصحف أو الأفلام أو ما إلى ذلك، وفى رواية «القانون الفرنسى» استخدمت فقرات من أعمال ليلى عنان، وهى أستاذة متخصصة فى الحضارة الفرنسية، ولها مؤلفات عن الحملة الفرنسية، فاستخدمت فقرات من هذه المولفات ووضعت هوامش أشرت فيها إلى المصدر وأشدت فيها بجهدها. هى اعتبرت أن هذا غير كاف، وأنه اعتداء على الملكية الفكرية، ورفعت ضدى قضية وتطالب بتعويض 10 ملايين جنيه، هى غير متعمدة لكنها واقعة تحت تأثير أن هناك اعتداء على حقوقها الفكرية، وصرحت بذلك لإحدى الصحف واتهمتنى بالسرقة، فقدمت بلاغاً للنائب العام اعتبرت فيه هذه التصريحات سباً وقذفاً، حاولت التفاهم معها وإنهاء الموضوع ودياً لكنها رفضت، هى شخصية محترمة وباحثة جادة وشخصية وطنية، إلا أنها واقعة تحت هذا التأثير وتسىء تقدير الموقف.
■ بعد «العمامة والقبعة» و«القانون الفرنسى».. ما أسباب اهتمامك مؤخرا بالرواية التاريخية؟
ـ كان هناك موضوع ملح على منذ حوالى 10 سنوات، وهو الطريقة التى تعاملنا بها فى مصر مع الحملة الفرنسية، حيث يقال إنها كانت عملية تنوير وصدمة ثقافية تسببت فى الانفتاح والتحديث إلى آخره، وهذا طبعا غير صحيح، وقد تناولت هذا الأمر وحاولت إثباته من خلال الرواية، وتبقى النقطة الأساسية أن هذه القضية تجسد مسألة محزنة، فكيف نهرع إلى فرنسا أو نحتفل بالحملة الفرنسية، مسألة مضحكة جدا أن نحتفل بالغزاة، وهو ما حدث فى أعوام سابقة، وهو ما تكرر هذا العام، حيث احتفلنا بفرنسا أيضا، بحضور وزير الثقافة وشخصيات كثيرة حضرت الاحتفال بذكرى الحملة، وهى مسألة مضحكة، لأن الحملة الفرنسية فى حقيقة الامر أدت إلى تأخير التطور الطبيعى للمجتمع المصرى، فقبل مجىء الحملة كان هناك نوع من الاحتشاد سعياً لإحداث تغيير فى المجتمع، كانت هناك مظاهرات واعتصامات وبوادر ثورة وتمرد على سلطة المماليك، وهذا كله كان يسير فى اتجاه نهضة مصرية خالصة، ورموزها موجودون من المشايخ وغيرهم، عندما جاءت الحملة الفرنسية خلطت الأوراق بعضها ببعض، الجماهير أو المجموعات الشعبية التى بدأت تفكر فى نفسها باعتبارها مصرية غير مملوكية وغير تركية، وجدت نفسها أمام الغزو الأجنبى مضطرة لنسيان خلافاتها مع الأتراك ومع المماليك، وهكذا اختلطت الأوراق على مدى 3 سنوات هى عمر الحملة.
■ هل تعيد قراءة التاريخ من خلال الرواية؟
- أعتقد أن هذا واجب الروائى، أن يعيد قراءة التاريخ وصياغة الجوانب المسكوت عنها فى تاريخ بلده، ليضع الحقيقة كاملة أمام الناس، فالتاريخ الموجود لدينا سجلته أقلام كانت فى أغلب الأحيان تنتمى للسلطات الحاكمة، من أيام العباسيين والأمويين، وحتى الآن كتاب التاريخ عادة ما يكونون موظفين لدى السلطات الحاكمة ويقدمون وجهة نظر هذه السلطة، وبالتالى هم لا يعبرون عن التاريخ وإنما يعبرون عما حدث من وجهة نظر السلطة.
■ كنت معروفا بأنك مقل فى النشر.. وفى السنوات الأخيرة نشرت أربع روايات على فترات متقاربة فما تفسير ذلك؟
ـ كانت هناك مشاريع روائية مؤجلة تتطلب حسما فى إنجازها، وبحكم السن أصبح لدى إمكانية لحسم بعض الموضوعات، وبحكم السن أيضا بدأت أشعر أن الوقت المتاح لى ليس كثيرا، فأردت أن أنجز ما لدىّ من أعمال بسرعة.
■ هل أنت راض عما وصلت إليه من خلال الجرأة والتجريب؟
ـ لا طبعا، هناك أشياء كثيرة أود أن أتناولها بجرأة وأجرب فيها، ولكن هناك حدوداً لإمكانية ذلك، سواء الإمكانيات الفنية أو الإمكانيات التى يطرحها المجتمع، فهو لا يتقبل أشياء معينة، ممكن تكون لدىّ رغبة فى تناول أشياء خاصة بالدين أو الجنس أو السياسة بشكل معين، إنما هناك حدود لما يمكن أن أتناوله.
■ من المفروض أن المبدع أو الأديب هو الذى يقود المجتمع ويسعى لتغييره وليس العكس؟
ـ هى عملية يكون فيها نوع من التفاعل والتداخل، هو يحاول أن يوجه المجتمع لكن فى الوقت نفسه لا يستطيع الإفلات من النظام الاجتماعى الموجود.
■ هل ترى أنك نجحت فى توصيل صوتك وأعمالك إلى الجمهور؟
ـ لا طبعا، هناك عوامل كثيرة تحول دون ذلك، منها نسبة القراء المحدودة للغاية، ونسبة الأمية المتفشية فى المجتمع، وسيطرة التليفزيون على عقول الناس، وعوامل كثيرة أخرى، لكن فى كثير من الأوقات أفاجأ بناس من فئات عمرية مختلفة - خاصة من الشباب - لديهم فكرة عن رواياتى ويناقشونها، وهذا شىء جميل جدا بالنسبة لى.
■ النشر الخاص والحكومى أيهما أكثر قدرة على احتواء الحركة الأدبية والتعبير عنها؟
ـ كل منهما يحقق شيئا ويسد خانة فى عملية النشر، لأن هناك كتباً لا تستطيع دور النشر الحكومية - وهى فى الحقيقة دار واحدة - أن تنشرها فتكون هناك فرصة لدار نشر خاصة أن تنشرها، وهناك كتب أخرى لا تتحمس لها دور النشر الخاصة مثل القصص ودواوين الشعر، فتقوم الدار الحكومية بنشرها.
■ وماذا عن الرقابة ومساحة الحرية المتاحة فى الجهتين؟
ـ طبعا هذه المساحة موجودة فى دور النشر الخاصة، فهناك كتب تصدرها دور النشر الخاصة من المستحيل أن تنشرها دور النشر الحكومية، مثل الكتابين اللذين نشرهما عبدالحليم قنديل «الأيام الأخيرة» و«كارت أحمر للرئيس» من المستحيل أن تقبلهما دار نشر حكومية، ولذلك نشرتهما دار الثقافة الجديدة.. وهناك نماذج أخرى كثيرة.
■ رفضك التعامل مع وزارة الثقافة هل هو موقف سياسى من الدولة أم موقف أدبى لصالح حرية الإبداع؟
ـ هو فى الحقيقة موقف مركب، فعلى المستوى السياسى رفضت التعامل مع مؤسسات خاضعة لسياسة النظام، ومن زاوية أخرى كنت أشعر أن أى ارتباط بمؤسسة من هذا النوع ممكن أن يحد من الحرية التى أشعر بها أثناء الكتابة، هذه الحرية مهمة جدا، فإنا لست مضطرا لمراعاة بعض الاعتبارات للحرص على مصدر مالى معين، وعوامل كثيرة وقيود، تخلصت منها باستقلالى عن المؤسسة.
■ بمناسبة صدور طبعة جديدة لترجمتك «التجربة الأنثوية» ما الذى تمثله الترجمة بالنسبة لك؟
ـ فى بعض الأحيان عندما كنت أقرأ كتابا ويعجبنى أقوم بترجمته وهو ما حدث أكثر من مرة، ترجمت رواية ألمانية بعنوان «الحمار» ورواية أمريكية بعنوان «العدو» وعلى مدى سنوات طويلة كنت مهتماً بما تكتبه المرأة عن نفسها، وكان هذا مدخلا لفهم سيكولوجية المرأة فترجمت هذا الكتاب وقتها، ولدىّ أكثر من كتاب أريد أن أترجمه، ولكن الوقت لم يعد يسمح بذلك.
■ كيف ترى حركة الترجمة فى مصر وما تقييمك للمشروع القومى للترجمة؟
ـ هذا المشروع جيد ويقدم خدمة جيدة، لكن للأسف الكتب التى تصدر عنه ليست موجودة فى الأسواق، موجودة فى مخازن المشروع، وهذه هى المشكلة، فالمركز يقدم خدمة مهمة ويترجم كتب الأدب العالمى، ولكن أين هذه الكتب، أنا شخصياً لا أجدها، أقرأ عنها وأرى إعلانات لها وعندما أذهب لشرائها لا أجدها.
■ كيف تنظر إلى ترشيح فاروق حسنى لليونسكو، وهل ترى أنه قدم تنازلات لهذا الغرض؟
ـ ليست القضية أن يكون قدم تنازلات أو لا يمكننى التعليق على هذا الأمر بطريقة أخرى، وأقول: هنيئاً لليونسكو بأن يصبح مديرها هو الوزير المسؤول عن منع الأعمال الأدبية. التنازلات أشياء ثانوية، لكن الموضوع الرئيسى هو: هل فاروق حسنى يمثل مصر.. لا.. هو يمثل السلطة فى مصر والسلطة شىء ومصر شىء آخر.