إذا لم تعرف حجمك ستنتفخ فتنفجر مع الوقت، أو ستهترئ فتختفى مع الزمن. وإذا نظرنا لأنفسنا عبر عدسة مكبرة أو مصغرة لن نصل لشىء لأننا ببساطة لن نعرف أين نحن. العرب لم يخترعوا الحضارة ولم يعلموا العالم كل ما يعرف، العرب مجرد حلقة مهمة فى سلسلة مستمرة من العلوم التراكمية، أصابوا وأخطأوا واجتهدوا ولهم كل الاحترام، ولكن ليس لهم كل الفضل. مثالان سريعان كافيان لشرح الأمر، الصفر والدورة الدموية.
يدعى البعض أن اختراع الصفر هو اختراع عربى علّم العالم، والواقع أن الصفر وُجد فى لوحة بابلية تعود لعام 700 قبل الميلاد، كما وُجد عند الفراعنة قبل ذلك بألف عام كاملة، أما استخدام الصفر بطبيعته الرياضية الحالية فيعود إلى بلاد الهند فى القرن التاسع قبل الميلاد. وانتقل الصفر بعدها إلى العالم الإسلامى بالقرن الثامن الميلادى، فى عهد الخليفة المنصور الذى ترجم الكتب الهندية ولذلك فنحن نكتب بالأرقام الهندية حتى الآن (أرقامنا العربية هى فى الحقيقة هندية، والأرقام الإنجليزية هى العربية)، ومن أدخل هذه الأرقام هو العالم العظيم الخوارزمى، الذى جمع علوم الهند والإغريق ووضع رؤيته عليها، ليُكون ما عُرف لاحقًا بعلم الجبر، وتمت ترجمة كتابه فى القرن الثانى عشر إلى اللاتينية ومنه انتقلت علوم البشرية إلى محطتها التالية فى أوروبا، مع ملاحظة بسيطة لكن مهمة، وهى أن الخوارزمى لم يكن عربيًا بل كان فارسيًا! وأعترف أنه فى العصر الحديث هناك ريادة للعالم العربى فى استخدام «الصفر» فنحن نتوقف عند مستواه فى ملفات كثيرة.
أما «الدورة الدموية» فأول من قدم شرحا لها هم المصريون القدماء، وذلك فى بردية «ايبريس» بالقرن السادس عشر قبل الميلاد، وبعد عشرة قرون قدم العالم الهندى «سوشروتا» تصورات لمسار الدم بالجسم مع وصف للشرايين. وبعد قرنين من الزمن تم اكتشاف صمامات القلب على يد أطباء مدرسة أبوقراط. والطبيب الإغريقى «هيلوفيلوس» هو من أوضح الفروقات بين الشرايين والأوردة (وأخطأ الظن بأن النبضات من فعل الشرايين نفسها). والطبيب الإغريقى الآخر «إيراسيستيراتوس» اكتشف وجود الشعيرات الدموية. وفى القرن الثانى الميلادى قدم طبيب إغريقى ثالث هو «جالين» شروحات وافية ومدققة عن الشعيرات الدموية وعن الدم المخلوط بالهواء وعن القلب. وعام 1025م وُضع كتاب «القانون فى الطب» للطبيب الفارسى «ابن سيناء» والذى قدم رؤية للدورة الدموية وطبيعة القلب ووظائف الصمامات. وعام 1242م جاء العالِم العربى الدمشقى المجتهد «ابن النفيس» ليضع شروحات للدورة الدموية الرئوية مستندًا إلى كل ما سبق، وطبعاً نحن ننسى كل من قبله ونظن أنه قدم للبشرية شيئاً من العدم. المهم، عام 1546م قدم الإسبانى «مايكل سيرفيتوس» شروحات أدق للدورة الدموية. وفى القرن السابع عشر جاء «ويليام هارفى»، الذى قدم أحد أهم الشروحات. ثم تراكم العلم حتى وصل لعام 1956 حين فاز «فريدريك كونراد» وآخران بجائزة نوبل عن شرحهم للدورة الدموية والقلب.
العلم عملية تراكمية، ومن المشرف أن العرب قد شاركوا فى هذا التراكم، لكن العار هو أن ننسب لهم كل شىء، بدءاً من استكشاف المجموعة الشمسية وحتى اختراع مخرطة الملوخية. ونلاحظ أن الكثير ممن نطلق عليهم «عرب» هم فى الواقع ليسوا عرباً، بعضهم فرس أو أكراد أو بربر أو إسبان، وأى تتبع لأصولهم يوضح ذلك. فارحمونا من النفخة التاريخية الكذابة.
@RamyGalal1985