يبدو أن هناك أشياء لا أفهمها. ذلك أننى عاجز عن فهم الضجة التى أحاطت بالتسريبين السابقين. لأننى حين أصغيت لهما لم أجد فيهما أى شىء يدين السيسى أو عباس كامل. ما سمعته هو حديث مسؤولين سعداء بأنهم أفلحوا فى جمع أموال لأوطانهم، ويحمدون الله على ذلك.
بأمانة عجزت عن فهم وجهة نظر الإخوان هذه المرة. فى اعتقادى أن التسريبات التى تعلّقت بالتدخل فى أمور القضاء كانت أخطر ألف مرة. فهل يقصد الإخوان مثلا أن قادة الجيش يجمعون المساعدات كى يستولوا عليها لأنفسهم ولم تذهب لخزانة الدولة!
الحقيقة أن هذا الكلام لا يمكن أن يدخل عقلى، ولا أصدقه على السيسى أو مرسى أو مبارك! لا أظن أن الأمور فوضى إلى هذا الحد! وإلا فماذا يمنع أى رئيس- بمجرد توليه الحكم - من الذهاب إلى البنك المركزى وحمل ودائعه فى شاحنة فى مشهد كوميدى!
أم تراهم يقصدون أن هذه الأموال ستذهب إلى الجيش المصرى! وبرغم أننى غير مقتنع بحدوث ذلك لأن هذه المنح زادت من احتياطينا الاستراتيجى، ونقصت حينما لم تجدد قطر وديعتها. وهب أنها ذهبت إلى الجيش، فهل هذا شىء سيئ؟
هل ذهبت إلى جيش مصر أم إلى الجيش الإسرائيلى؟ هل صار جيش مصر عدوا وهو الشوكة التى تحمينا. ولولاه لكنا مستباحين ليس من عدو صريح كإسرائيل، بل من مسلمين مهووسين كداعش يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة فيقطعون الرقاب ويحرقون الأسرى.
وبفرض أنه جيش باغٍ. أليس هو- مع بغيه- شوكة للمسلمين ودرعا لبلاد الإسلام. باستقراء التاريخ نجد أن معظم الجيوش الإسلامية فى الأزمنة الماضية كانت باغية. كانوا يجلدون الفلاحين ويأخذون الأموال غصبا. هل كان جيش المماليك إلا باغيا؟ ومع ذلك فإنه فى وقت الخطر صد هذا الجيش الباغى عن ديار الإسلام الصليبيين والتتار حينما اجتاحوا العالم. ولولاه لكانت مصر، بل بلاد المسلمين جميعا، قد صارت مستباحة.
إذاً المسألة ليست بالبساطة التى يتصورها البعض، بل تحكمها اعتبارات مركبة.
نعود إلى موضوع التسريبات التى تمت صياغتها تحت عنوان «السيسى يستغل الخليج». فهل إذا قطع الخليج المعونات سيكونون سعداء؟ ومن الذى سيقع عليه الضرر: السيسى أم مصر؟
أعتقد: الاثنان. فإذا كان إيقاع الضرر بنظام السيسى مقبولا عندهم فهل إيقاع الضرر بمصر مقبولا أيضا؟
بصراحة أكثر: هل هم مستعدون لإفقار المصريين من أجل إسقاط السيسى؟ أخشى أن أقول: نعم.
أنا أتفهم أنهم مكلومون وأقدر من الناحية الإنسانية أنهم لن يغفروا للسيسى أبدا بعد ما صنعه بهم. وأتفهم أنهم مصدومون من كراهية قطاع كبير من الشعب راح ينسب إليهم كل الخطايا ويلحقها بهم. ولكن هل يقبل الوالد العطوف لابنه العاق الضرر؟ أعتقد أن الإجابة بالنفى.
والخلاصة أن التسريبين الأخيرين كلام فارغ وما يستحق الكلام عنه هو:
1- الدماء التى سالت، وبعضها لأبرياء لا شك فى حرمة دمائهم.
2- القابعون خلف القضبان متى يستعيدون حرياتهم أو يخضعون لمحاكمات عادلة.
3- إقصاء فصيل كامل عن حقه الدستورى فى مزاولة العمل السياسى لمجرد أنه لا يروق للنظام الحاكم.
4- الخطاب الإعلامى المحرض والذى يتلاعب بالعقل ويحض على الكراهية.
فهل أنا بهذا الكلام أدافع عن السيسى أو الإخوان؟ كلا والله إنما أدافع عما أظنه الحق.