x

هاني رسلان سد النهضة والدائرة العبثية هاني رسلان الجمعة 13-02-2015 20:52


طبقا لإشارات عدة، كان قد أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحديثه المتكرر حول ضرورة وضع التأكيدات والتوافقات المعلنة بين البلدين فى صورة اتفاق إجرائى، كان هناك بعض الأمل فى أن تكون مشاركته فى القمة الأفريقية فى أديس أبابا فى نهاية يناير الماضى، بمثابة نقطة تحول فى التناول المصرى لملف هذه الأزمة للخروج من المسار الحالى العقيم الخاص باستكمال الدراسات، والسعى نحو مفاوضات سياسية مباشرة تخاطب المخاطر الحقيقية للسد، وللاستراتيجية الإثيوبية فيما يتعلق بقضايا المياه بشكل عام.

ولكن تمخض الجبل فولد فأرا.. فطبقا لما أعلنه السيد وزير الرى (الأهرام 6 فبراير) أن ما تم الاتفاق عليه هو تشكيل لجنة تضع اتفاقا مبدئيا يشمل ضمان التدفق الطبيعى لمياه النيل دون تأخير، ومبادئ التنسيق والتشاور فى أى مشروع أو منشأة على النيل الأزرق وروافده. كما تم الاتفاق على استئناف المسار المتعثر لاستكمال الدراسات عبر الرضوخ لوجهة نظر الطرف الإثيوبى وتمديد الفترة المقترحة لعمل المكتب الاستشارى الذى سيتم اختياره إلى عام كامل، أى أن هذه الدراسات لن تنتهى إلا فى مارس 2016 إذا لم تظهر تعقيدات وخلافات جديدة كالعادة، ويعقب ذلك مرحلة اختيار مكتب للتحكيم حول نتائج الدراسة فى حالة الخلاف حول النتائج، وهو الأمر المتوقع طبقا لاستراتيجية إثيوبيا لشراء الوقت، الأمر الذى يعنى أن هذه الدراسات لن تنتهى إلا فى عام 2017 مع انتهاء السد فعليا.

ومن ثم فإنه ليست هناك أى قيمة عملية لهذه الدراسات، والأدهى والأمر أنها لا تلزم إثيوبيا بأى شكل، كما أنها ورقة محروقة بالنسبة لمصر، لأن إثيوبيا تتحفظ على النتائج طوال الوقت بالقول بأن سياستها هى الاستخدام المنصف والعادل وألا يكون هناك ضرر (ملحوظ) على مصر، وتقدير ذلك الضرر يعود بطبيعة الحال إلى إثيوبيا نفسها بشكل منفرد، حيث لا توجد أى مرجعية متفق عليها يمكن الاستناد إليها فى هذا المجال. بما يعنى أن هذه الدراسات سيتم الاحتفاظ بها فى أرشيف وزارة الرى، بينما سوف تستخدم إثيوبيا ما ورد فيها من بيانات ضد مصر حين تشرع فى بناء السدود الثلاثة الأخرى التالية لسد النهضة، تمهيدا لجولة جديدة على طريقة (التعلب فات فات وفى ديله سبع لفات).. إثيوبيا تبنى المزيد من السدود ومصر تمارس لعبة الجدل والثرثرة.

أما الدخول فى نقاشات حول إعلان مبادئ جديد، فيقتضى إثارة السؤال: وأين ذهب إعلان مالابو بنقاطه السبع؟ ألم يكن يمثل إعلانا مبدئيا!! وما الجديد الذى سيقدمه هذا الإعلان الجديد. وما هى فائدته أو مغزاه إذا كانت إثيوبيا تستمر فى البناء وتقول جهارا نهارا، إن هذا من حقوق السيادة وإنه لا دخل لأحد بما نقرره أو نفعله.. إن مناط الخطر يا سادة هو تكريس إثيوبيا لما تقول إنه حقها المنفرد فى التصرف فى مياه النيل الأزرق، وهذا بدوره سيكون تكريسا لادعاء آخر تقول من خلاله بأن المياه ملك لها. وهدف كل هذا اللف والدوران هو أن تقوم ببناء سد النهضة كفاتحة لسلسلة من أربعة سدود، دون أن تضطر إلى توقيع أى اتفاق حول سعة السد أو سياسة التشغيل أو كيفية التصرف فى المياه المحتجزة من خلفه. ومصر وكل العالم يعرف تمام المعرفة أن إثيوبيا ليست فى حاجة لهذه السدود، وأنها ليست منشآت من أجل التنمية وإنما هى منشآت للتحكم فى المياه والطاقة لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية لصالح إثيوبيا، وعلى حساب مصر، وستكون لها عواقب وخيمة على كل مناحى الحياة فى مصر.. على اقتصادها وعلى قدرتها على النمو وعلى مكانتها ودورها.. والهدف دفعها إلى دورة طويلة من التردى والضعف الهيكلى والدوران فى دائرة مغلقة من المشاكل الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية والسياسية.

غير أن إثيوبيا لا تملك القدرات والإمكانيات اللازمة لذلك، حتى لو ساعدتها القوى الإقليمية والدولية التى تشترك معها فى الرغبة فى تركيع مصر. فإذا انهزمت مصر ورضخت لما يراد لها، فلن يكون ذلك عن ضعف، بل سيكون عن تخاذل.. وكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية